لؤي بطاينة –
Lbb_65@yahoo.com –
يعتبر سلوك المستهلكين الأساس الذي نبني عليه مفاهيم متعددة في علم الاقتصاد الجزئي. فسلوك المستهلكين يُساهم في تفسير ظواهر اقتصادية عديدة مثل مفهوم مُنحنى الطلب، لماذا ينحدر منحنى الطلب من اليسار إلى اليمين ومن الأعلى إلى الأسفل، المرونة السعرية، المرونة الدخلية، المرونة التقاطعية، وهكذا.
ومن المُتعارف عليه لدى الباحثين والدارسين، أن سلوك المُستهلك سواء كان فرداً أو مؤسسة، وسواء كان إيجابياً أو سلبياً، لا ينحصر في الشراء فقط، بل أصبح علماً له تقنياته الحديثة وأساليبه، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بعلوم النفس والاجتماع والاقتصاد والبيئة وغيرها.
كُنت في جلسة نقاشية مع بعض الأصدقاء لمُناقشة كيفية الحد من العجز المالي للموازنات العامة للدول الخليجية وخصوصاً ما بعد الانخفاض الكبير لأسعار أهم مورد مالي للحكومات ألا وهو النفط وهل من دور للمُستهلك على اختلاف نوعه وموقعه وقدرته المالية والاجتماعية. نعم إن للمُستهلك دورا كبيرا في الحد من الإنفاق الحكومي وخصوصاً فيما يتعلق بعاداته وسلوكه اليومي من خلال استخدامه للأدوات والخدمات والمرافق الحكومية و/أو شبه الحكومية وخصوصاً فيما يتعلق بالماء والكهرباء والوقود والتي تُشكل أهم بند مالي في الموازنة العامة للدول الخليجية حيث تقوم الحكومات بدعم تلك الخدمات بأرقام فلكية على مدار السنوات الثلاثين الماضية لدرجة وصلت تلك الأرقام والمبالغ نسبة كبيرة من بنود الإنفاق حيث تؤثر إلى حد كبير قدرة بعض الدول إذا لم تكن جميعها على الإنفاق على بنود ومرافق وخدمات أُخرى.
وتُفيد الدراسات والأبحاث الدولية التي أُجريت بهذا الخصوص بأن المُستهلكين في الدول الصناعية (على وجه الخصوص) يُساهمون من خلال سلوكهم الاستهلاكي في تراجع الموارد الطبيعية على مستوى العالم.
و نستطيع من خلال دراسة سلوك المستهلك معرفة السبب وراء شرائنا واختيارنا لسلعة معينة دون الأخرى.
و يجب التفرقة بين مفهوم الرغبة ومفهوم الطلب حيث تعتبر الرغبة نوع معين من الشعور نحو سلعة معينة تعكس أمنية المستهلك في الحصول على سلعة معينة. لكن هذه الرغبة قد لا تعكس قدرة المستهلك على الحصول على السلعة (لارتفاع سعرها مثلاً أو انخفاض دخل المستهلك أو الذوق).
أما الطلب فهو الطلب الفعال أي الرغبة في الحصول على السلعة المقرونة بالقدرة الفعلية في الحصول عليها.
أما في حال توافر السلعة و/أو الخدمة بأسعار مدعومة وأو مجانية فسيرتفع الطلب عليها بطريقة غير منطقية وغير علمية وغير مبنية على مُنحنى الطلب الفعلي المُرتبط بالكمية والسعر والتي (حسب النظرية الاقتصادية) يتوجب انخفاض الطلب في حال ارتفاع السعر إلا إذا ما كانت تلك السلعة ضرورية ولا يُمكن إحلالها بسلعة و/أو خدمة أٌخرى و/أو تخفيض استخدامها والطلب عليها.
والنظرية الاقتصادية تُفيد بضرورة اتباع المُستهلكين سلوكا عقلانيا أو رشيد(Rational) حيث يقوم المُستهلكون باتخاذ تلك القرارات واتباع التصرفات المُنسجمة مع أهدافهم الأساسية ألا وهو تعظيم منفعتهم الكُلية.
وطبقاً للدراسات والأبحاث فإنه هناك مجموعة من العوامل التي أدت إلى تطور دراسات سلوك المُستهلكين خلال العقود الثلاث الماضية ألا وهي: تعدد شرائح المُستهلكين، التطور الصناعي الذي طرأ على العديد من السلع والخدمات، قصر دورة حياة المُنتج وأصبحت الجزء الأكبر من المُنتجات الاستهلاكية وغير مُعمرة بطبعها، وعوضاً عن زيادة الاهتمامات البيئية والوعي البيئي في المجتمعات الحديثة، والاهتمام المتزايد بحركات حماية المستهلكين وحقوقهم، بالإضافة إلى التوجه الاجتماعي للتسويق المنطلق من المسؤولية الاجتماعية للتسويق، واهتمام المنظمات غير الهادفة للربحية بالأنشطة التسويقية، والحاجة إلى الدخول إلى الأسواق الدولية (التسويق الدولي) لبعض المُنتجات والخدمات غير متوفره محلياً، وتقدم الأساليب الإحصائية والحاسوبية لبعض السلع والخدمات من قبل الموردين لجذب ولفت أنظار المُستهلكين بطريقة تجارية بحتة وغير أخلاقية (في بعض الأحيان) وخصوصاً عند الشراء من خلال شبكة الإنترنت.
بكل تأكيد ستُعاني الدول الخليجية من سلوك المُستهلكين والذي جاء نتيجة توجه الاقتصاديات إلى الأنماط الاستهلاكية مدعومة بقروض استهلاكية تم توجيه الجزء الأكبر منها (على ما أظن) لشراء حاجات وخدمات استهلاكية قد تكون غير ضرورية وأصبحت تلك الحاجات والخدمات تُشكل جزءًا هاما من حياة الفرد العادي من خلال يومه وحياته وطريقة عيشه وبالتالي إي تغيير وتغيُر في طريقة سلوك وعادات المُستهلكين سيواجه برفض كبير وقاس إلى أن تتمكن الدول من تثقيف الأفراد بضرورة الحد من الاستهلاك وخصوصاً للسلع والخدمات التي تقوم الدول على دعمها علاوة على المحافظة على الموارد الطبيعية الناضبة (للأسف) من ماء وطعام ووقود والتي أصبحت الشغل الشاغل لغالبية الدول.
لقد عانى الاقتصاد العالمي ولايزال من آثار الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في عام 2008، ولا شك في أن المستهلكين في مختلف أنحاء الأرض قد تأثروا بهذه الأزمة خصوصاً أن الحكومات لم تستطع في الواقع مساعدتهم.
وسيكون انخفاض أسعار النفط (إذا ما استمر) بآثار مُصاحبة ومساوية لما تم خلال الأزمة المالية العالمية مما سيؤدي إلى آثار ونتائج سلبية على المُستهلكين.
يقول البعض:إن الشعوب الخليجية والمُقيمين بتلك الدول قد عاشوا ويعيشون سنوات ذهبية كانوا خلالها لا يترددون في طلب الحصول على القروض لتمويل مُشترياتهم ونفقاتهم الاستهلاكية سواء كانت تلك القروض من البنوك التجارية أو من قبل شركاتهم التي يعملون بها، إلا أن المُستهلكين والدول أيضاً يجب أن يكونوا قد تعلموا من الأزمة المالية العالمية في عام 2008 العديد من الدروس والعبر، وقد تكون بعض الدروس صعبة في الفهم والتطبيق نتيجة صعوبة البشر في تقبلهم لتغيير أنماط استهلاكهم ومعيشتهم في بعض الأحيان وقد يكون التغيير ليس اختياراً بل إجباراً في بعض الأحيان والظروف ويجب علينا أن نقبل به كاختيار لصعوبة قبوله كإجبار.
برأيي إنه يجب على الدول ومؤسسات المُجتمع المدني أن تبدأ بدراسة عميقة وتحليلية لسلوك المُستهلكين وكيفية التعامل معهم بإيجابية وعقلانية، والبدء بنشر الوعي الشامل لقضية الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والسلع والخدمات وخصوصاً المدعومة من قبل الحكومات (على أقل تقدير)، من خلال تصميم وتوجيه للفئات المُستهدفة على اختلاف أحجامهم وأنواعهم ومواقعهم، إضافة إلى محاولة إيجاد بعض الحلول العملية للاستهلاك والاستخدام غير المنطقي والعملي والعقلاني لبعض السلع والخدمات.
ومن المؤكد بوجود بعض السلوكيات والاتجاهات لبعض من الأفراد والجماعات والتي تُحد من ميل الفرد المُستهلك للاستجابة بشكل معين، سواء كان إيجابياً أو سلبياً إزاء مُؤثرات مُعينة في السوق، وقد تكون سلوكيات المُستهلكين إيجابية أو سلبية أو محايدة. ومن السلوكيات الإيجابية للمُستهلك الراشد، البُعد عن الإسراف والتبذير والاستخدام الأمثل والأفضل للسلعة و/أو المُنتج و/أو الخدمة والمُحافظة عليها وإدامتها من أي تخريب.
ويجب أن تتضافر جميع الجهود لجميع الجهات الحكومية والخاصة من أجل المُحافظة على ما تم تحقيقه من مُنجزات ومُدخرات ووسائل أمان وبنية أساسية وخدمات وأيضاً على حماية المُستهلكين وإرشادهم على الدوام بضرورة المحافظة على الأنماط الاستهلاكية الإيجابية والبعد قدر الإمكان عن الإنفاق والاستهلاك غير المبرر بشكل يؤدي إلى المحافظة على قدرات الدولة المادية والاقتصادية والاجتماعية.
تم الاستعانة بالعديد من التقارير والدراسات والأبحاث بهذا الخصوص (بتصرف)