سيف بن سالم الفضيلي –
ذات يوم ذهبت ووالدي «معلم قرآن» الذي يصل عمره تقريبا «80 عاما» لزيارة أحد أصدقائه «حليف القرآن» الذي قد يصل عمره تقديرا خمسة وثمانين عاما في قرية تبعد عن قريتنا ستة كيلومترات وكان الوقت ضحى.. طرقنا باب البيت وإذا بأحد أبنائه الذي قد يصل عمره خمسين عاما يتلقانا.. رحب بنا.. وسألناه عن والده ٱين هو.. فرد ٱنه في الداخل يعاني من مرض معين.. وقد اخذناه الى احد المستشفيات الحكومية المرجعية للترقيد هناك عدة مرات وتتحسن حالته ثم نرجعه الى البيت.. وما هي الا أيام فيرجع إليه المرض ونعاود به إلى ذلكم المستشفى..اخذنا مكاننا حيث طلب منا صاحب البيت الجلوس.. وذهب الى أبيه ليبلغه ان أناسا جاءوا لزيارته ولم يبلغه من هؤلاء الذين ٱتو لزيارته .. ليختبره هل سيعرفنا عندما نسلم عليه ونصافحه مباشرة ٱم لا .. نظرا لكبر سنه وأثر المرض عليه..
ادخله علينا وصافحناه.. فبادره والدي بالسؤال عن صحته.. فيكرر في رده «الحمد لله.. الحمد لله».. استسلاما لما قدره الله عليه من ابتلاء ..
ثم سٱله ابنه.. هل تعرف يا والدي هذا الرجل وابنه؟ قال: لا.. قال الابن: هذا يا أبي فلان بن فلان صديقك وذاك ابنه فلان ..
فبادرنا والفرحة تبدو على وجهه والابتسامة تعلو محياه .. يا الله ٱنت أخي فلان .. جئت لزيارتي .. فرد عليه والدي .. نعم أنا فلان .. وسامحني على قلة زيارتي لك فحالي كحالك أصبح ضعيفا ولست كما كنت في السابق ..
اخذ والدي وذلك الشخص يتبادلان أطراف الحديث ويذكران فترة ما قبل السبعين وكيف كانوا يعيشون وكيف كانت الأحوال في تلك الفترة ويذكرون بعضهم بعضا بمواقف حصلت لهما ونحن نستمع لحديثهما الجميل الشيق ..
لقد شدني لقاء والدي وصديقه الذي يعاني من مرض الشيخوخة وقلة النظر والسمع .. كيف ان ذلكم الصديق الذي دخل علينا متكئا بولده وكأنه يعيش في حالة تفكير وهم مرض .. كيف انه لما ابلغه ابنه بٱن الشخص الموجود هو صديقه .. انتفض واستعاد نشاطه ووعيه .. وكٱن المرض انقشع عنه والبشاشة والابتسامة علت وجهه استبشارا بزيارة صديقه القريب منه في العمر.. كيف تغير حال ذلكم الشيخ الكهل ..
ولم يكن هذا محل دهشتي واستغرابي أنا فقط .. بل محل دهشة واستغراب ابنه .. حيث يقول ان ابي قليل ما يخرج من غرفته واذا خرج بصعوبة لم يكن بذلكم الحال الذي التقاه بصديقه ..
سبحان الله رب العرش الكريم .. لقد تذكرت تآلف بعض الارواح ببعضها في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف)..
وقد علق بعض العلماء على معنى الحديث .. معناه جموع مجتمعة أو أنواع مختلفة. وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه. وقيل إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها. وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافق بشيمه ألفه ومن باعده نافره وخالفه. وقال الخطابي وغيره: تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين، فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار.
وقالوا .. يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت، ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم، ومنهم من قال: المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين، ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف.. إلى غير ذلك من المعاني..
أمر عظيم جدا أن يتواصل الصديق مع صديقه ليكون التآلف بين النفوس أكثر فأكثر .. وان يتواصل الأبناء مع أصدقاء آبائهم .. فقد ورد ٱنه من «بر الوالدين».
اللهم ألف بين قلوب عبادك المؤمنين واجعلهم فيك متحابين طلبا لمرضاتك عليهم أجمعين.. إنك عزيز حكيم.