في زاوية أقلام كتب عدلي صادق،مقالا بعنوان: أوباما في خطابه الرديء، جاء فيه: في خطابه أمام ضباط أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية الأمريكية؛ تناول الرئيس باراك أوباما، باستفاضة، موضوع السياسة الخارجية، وركز على الأمن، وغابت عن السياق، القضية الأهم في المنطقة الأهم، بينما ازدحم الحديث بالوفير من المفردات، عن قيم العدالة والشجاعة والحكمة. فكلما تعلق الأمر بإسرائيل، حتى وإن كان يحكمها تكتل لا يختلف اثنان في العالم على عناد سياسته وتطرفها وجنونها، تتوارى العدالة وتفقد الشجاعة معناها فلا تتبدى وتتعطل لغة الكلام. أما الحكمة فإنها تتحول إلى فن التغاضي والمداراة والقفز عن المسائل!
في صباح اليوم نفسه، بتوقيت بلادنا، كان نتانياهو يزمجر في “الكنيست” ويتحدث عن القدس المحتلة، في يومها عندهم. كان يقرر أن القدس الشرقية “قد عادت” قبل 47 عاماً، وأنها ستظل كذلك، وكأن الأردن، وهو البلد الصديق للولايات المتحدة كان يحتلها ويديرها في العام 1967 وأن سكانها كانوا طارئين. ويعرف باراك أوباما، الذي كان أمس يتلطى بالتاريخ، أن أدراج وزارة خارجيته ومكتبة الكونغرس، تزدحمان بقرارات أممية ومواقف أميركية اتخذت بمقتضاها؛ تؤكد كلها على أن القدس كلها، غربيّها وشرقيّها، ليست ضمن مشروع إنشاء دولة إسرائيل على ما فيه من إجحاف. فهل اقتضت الحكمة، أن يصمت الرئيس عن نطق نتانياهو، ليس توخياً للعدالة، ولا أخذاً بدواعي الحكمة، وإنما بحسبة الأمن والمصالح العليا للولايات المتحدة التي يتغنى بها الرئيس الأمريكي؟!
مصالح الاستخبارات الأمريكية، ومراكز تقييم السياسات، ودوائر البحث في الأسباب الكامنة وراء تغذية التطرف في المنطقة العربية؛ تعرف كلها أن احتلال القدس بما يمثله من ألم وإهانة للمسلمين والمسيحيين؛ يقف في طليعة الأسباب. وخلال الأربعين سنة الأخيرة، نمت ظاهرة التطرف اليهودي الصهيوني، في الأراضي المحتلة، وازدادت الهجمة الاستيطانية في الأراضي المحتلة عام 1967 ونشأت ظاهرة التعدي اليومي للمستوطنين المتطرفين المسلحين، الذين احرقوا الجوامع والكنائس والأشجار ودمروا الحقول وهاجموا بيوت السكان الآمنين، وباتوا سبباً في تغذية الغضب وتعميق الإحساس بالظلم، وإنتاج التطرف، وتفشي الشعور الشعبي بلا جدوى السياسة وبلا جدوى الاعتدال. ولا نعلم أي مقياس يمكن أن يجعل رئيس الولايات المتحدة قادراً على تجاهل هذا الواقع، إن كانت مصالح الولايات المتحدة، فيما تعني نفوذها واستمرارها في قيادة العالم؛ هي معقد آماله ورجائه!
كان لافتاً في حديث الرئيس الأمريكي أمس، أنه يأنس في نفسه الأحقية والجدارة، في تبني ودعم تمنيات الشعب المصري في الإصلاح. كأن هذا هو المفصل الرئيس في علة المنطقة، وكأن أيام العسل، التي اتسعت فيها العلاقات الأمريكية ـ المصرية، لم تكن هي نفسها أيام الخراب، في الديمقراطية والاقتصاد والسياسة وفي قطاعات التعليم والصحة وخطوط التنمية، وفي أيام إفقار الشعب المصري، وفي مرحلة النمو السرطاني لأساطين “البزنس” الطفيلي. الآن هو يدعم الإصلاحات ويركز عليها، ويريد الديمقراطية، ويزعم أن الدكتاتوريات كانت عدوة للولايات المتحدة، علما بأن كل الديكتاتوريات، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كانت خادمة الولايات المتحدة وكانت صنيعتها. وفي منطقتنا كانت تخدمها سراً وعلانية وتتوخى ودادها. هنا، يختلط الرياء بالكذب، ويتمادى الخليط، عندما يزعم الرئيس باراك أوباما، أن الولايات المتحدة حليفة الشعوب وليست حليفة الحكومات. ولا ندري كيف يدلنا باراك أوباما، على سمة واحدة لهذا التحالف، بينما تهفو قلوب مليار مسلم، في العالمين العربي والإسلامي إلى القدس المحتلة، ويساند هو حكومة متطرفين إرهابيين، تؤسس بأفاعيلها للحرب المديدة.
بل إن علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل نفسها، لا تتوخى تحالفاً مع الشعب في دولة إسرائيل، من حيث هو شعب فيه 20% من غير اليهود، وأكثر من 50% علمانيين لا يريدون الدولة الدينية، وذلك بالمنظور الأمريكي، الذي يُفترض أن تتطلبه السياسة وتتطلبه الحكمة.
تحدث الرئيس أوباما عن “أمة تختزن التاريخ وتحمل الآمال”. فأي تاريخ هذا الذي تختزنه أمريكا، وقد تأسس كيانها أصلاً، على فعل الإبادة للسكان الأصليين، عندما كانت بلادنا عامرة متسامحة في ريفها وحضرها؟ كنا نتمنى أن يقول أوباما الحقيقة، وأن يستبدل مفرداته لكي يسجل طموحاته في بناء تاريخ، ولا يزعم اختزاناً لتاريخ. وأن يكون بناء التاريخ،على النحو الذي يليق بطموح قيادة العالم وريادته، بما يتوجبه من الحد الأدنى من الإحساس بالعدالة، ومن توخي الحكمة.
خطاب مؤسف ومخادع، يجعل الأمور تراوح مكانها، ولا مجال حقيقياً لتفاؤله وتفاؤلنا. فبهذا المنطق، ستظل الولايات المتحدة، تصطدم بحقائق وجود الشعوب وبحيويتها واستعصائها على محاولات الإذلال، وستفقد القوة الكبرى نفوذها، ولن تتبدل سنن التاريخ.