مسؤولية الأحداث: مرحلة نقص الأهلية «2»

راشد بن ناصر المشيفري -

كلما امتد عمر الإنسان، توسعت عندها عقليته ومداركه، وأصبح يفهم ما لم يفهمه سابقاً، وعندها تتغير الأحكام المناطة به بما يتناسب وعمره، وهذه المرحلة وهي مرحلة التمييز، وهي مرحلة مهمة ذلك؛ لأنها تتجاذبها مرحلتان: الأولى ما قبل التمييز، وهي مرحلة الطفولة، والثانية مرحلة البلوغ ومظنة اكتمال العقل، والعقل مع ضرورته إلا أنه: «لا تكليف ولا خطاب على الصبي بمجرد العقل» كما ذكر البخاري في كشف الأسرار، وقد عرف المميز بعدة تعريفات أحسنها كما قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج: «أحسن ما قيل في حد التمييز أن يصير الطفل بحيث يأكل ويشرب وحده ويستنجي وحده.» وقد اعتمد الفقهاء في تحديد سن التمييز على طريقتين الأولى منهما: التحديد بالسن وحددوها بسن السابعة، أو السادسة أو العاشرة، والأكثر سن السابعة.

الطريقة الثانية وهي العلامات: من خلال علامات معينة، كالاحتلام للرجل والحيض للمرأة حيث إن بعض الفقهاء يرون أن السن لا يمكن أن ينضبط بسبب اختلاف الأفهام والأشخاص.

والأصل أن هذه العلامات خاصة بالبلوغ إلا أنني ذكرت هذه العلامات؛ لتكون فاصلاً بين سن التمييز والبلوغ حتى يتمكن الإنسان من معرفة المميز، فالصغير المميز هو: الذي بلغ سنا تمكنه من التمييز بين معاني ألفاظ العقود في الجملة ويعرف المراد منها عرفا، ويدرك أسس التعامل العامة.

وقد حدد العلماء هذا السن بأنها بين السابعة والبلوغ، وتحديد سن التمييز بالسابعة مأخوذ من حديث رسول الله (صلى الله وسلم عليه): «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين» ومرحلة البلوغ مرحلة تعبر عن بداية التكليف وبالحساب. فيتضح من أمر رسول الله هذا أن الصبي يبدأ في الفهم والتمييز من هذا السن، وينمو التمييز تدريجياً حتى البلوغ، وهو الضابط الذي يُعرف به. ولمعرفة البلوغ حدد له الفقهاء طريقتين أولهما: العلامات؛ والثانية السن، والعلامات منها المتفق عليه ومنها المُخْتَلَف. فالمتفق عليه هو الاحتلام للرجل. ودليلهم من القرآن الكريم قول الله عزّ وجل: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) سورة الطارق الآية 5-7 ووجه دلالة الآية أن علامة البلوغ هو خروج الماء الدافق، أما الدليل من السنة النبوية حديث رسول الله صلى الله وسلم عليه «رفع القلم عن ثلاثة… والصبي حتى يحتلم»، وأما المرأة فعلامات بلوغها تعرف بالحيض والحمل، لقول رسول الله: «لا يقبل الله صلاة الحائض إلا بخمار».

ويعرف سن البلوغ باختلاف شكل الصغير كإنبات الشعر في العانة. إلا أن الحنفية يرون عدم دلالة الإنبات على البلوغ، وذلك: «لاختلاف أحوال الناس فيه، فنبات الشعر في الهنود – مثلا- أسرع وفي الأتراك أبطأ»، وقد ذكر السرخسي في المبسوط تأويلهم حديث سعد بن معاذ في حكمه على بني قريضة المقاتلين بأن النبي صلى الله وسلم عليه عرف من طريق الوحي: إما أن نبات الشعر في أولئك القوم يكون عند البلوغ ، أو أراد تنفيذ حكم سعد رضي الله عنه فإنه كان في حكمه بأن يقتل منهم من جرت عليه الموس لعلمه أنه كان من المقاتلة فيهم.