لغات القبائل: «إصري -آَنَاءَ اللَّيْلِ- لا يألونكم خبالا»

إصري


عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال في قوله عز وجل: (بلسان عربي مبين) قال: بلسان قريش، ولو كان غير عربي ما فهموه. وما أنزل الله عزَّ وجل من السماء كتاباً إلا بالعبرانية، وكان جبريل -عليه السلام- يترجم لكل نبي بلسان قومه. وذلك أن الله عز وجل قال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وليس من ألسنة الأمم أوسع من لسان العرب القرآن ليس فيه إلا لغة العرب، وأن بعض الألفاظ فيه ربما وافقت بعض اللغات الأخرى، وأما الأصل والجنس فعربي لا يخالطه شيء .وحسب ترتيب سور وآيات القرآن الكريم، نبين في هذه الحلقات اللفظة ثم معناها وإلى أي قبيلة تنسب لغة هذه اللفظة التي ذكرها والتي منها لغة قريش وهذيل وكنانة والأوس والخزرج وخثعم وقيس عيلان وسعد العشيرة وجرهم واليمن وأزد شنوءة وكندة وتميم وحمير ومدين ولخم وحضرموت وسدوس والحجاز وأنمار وغسان وبني حنيفة وتغلب وطيئ وعامر بن صعصعة ومزيمنة وثقيف وجذام والفرس والنبط والحبشة والسريانية والعبرية والقبط والروم والعمالقة.

أصري.. كلمة نبطية معناها عهدي وافقت اللسان العربي وقد وردت في قوله تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير: يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى (عليه السلام) لمهما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة, وبلغ أي مبلغ, ثم جاءه رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه, ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته ولهذا قال تعالى وتقدس (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) أي لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) وقال ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وقتادة والسدي يعني عهدي وقال محمد بن إسحاق (إصري) أي ثقل ما حملتم من عهدي أي ميثاقي الشديد المؤكد (قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك) أي عن هذا العهد والميثاق (فأولئك هم الفاسقون).


آَنَاءَ اللَّيْلِ


آناء كلمة بلغة هذيل بمعنى ساعات وقد وردت في قوله تعالى في سورة آل عمران{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}.

وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهكذا قال السدي. ويؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى, قالا: حدثنا شيبان عن عاصم، عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد, فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال «أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم» قال: فنزلت هذه الاَيات {ليسوا سواء من أهل الكتاب ـ إلى قوله ـ والله عليم بالمتقين} والمشهور عند كثير من المفسرين كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره, ورواه العوفي عن ابن عباس ـ أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب, كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سَعْيَة وأسيد بن سَعْيَة وغيرهم، أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب، وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال تعالى: {ليسوا سواء} أي ليسوا كلهم على حد سواء، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم، ولهذا قال تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة} أي قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه، متبعة نبي الله ، فهي قائمة، يعني مستقيمة {يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} أي يقومون الليل ويكثرون التهجد, ويتلون القرآن في صلواتهم {يؤمنون بالله واليوم الاَخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله}، ولهذا قال تعالى ههنا {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} أي لا يضيع عند الله, بل يجزيهم به أوفر الجزاء {والله عليم بالمتقين} أي لا يخفى عليه عمل عامل، ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملاً. ثم قال تعالى مخبراً عن الكفرة المشركين بأنه {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً} أي لا يرد عنهم بأس الله ولا عذابه إذا أراده بهم {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.


لا يألونكم خبالا


الخبال لغة عمان ومعناه الغيوقد وردت في قوله تعالى في سورة آل عمران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير: يقول تبارك وتعالى ناهياً عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم، لا يألون المؤمنين خبالاً، أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودّون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم، ففي هذا الأثر مع هذه الاَية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين وإطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب، ولهذا قال تعالى: {لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتم} {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} أي قد لاح على صفحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله.