حمود بن عامر الصوافي -
الوقت نفيس لا يقدر بثمن ولا يشترى بقناطير الذهب بل هو جوهر عصي عن الاستبدال أو التغيير وبعيد عن التزوير والخداع لم يفقه قيمته الكثيرُ منا، فربما تأمل بسيط في الوقت يعيد لك مشاهد جميلة، وينبئك عن أحوال جليلة، استحضر ساعات ثمينة قضيتها سعيدًا مع أهلك وأسرتك ستتمنى أن ترجع القهقرى ولكن مع الوقت لا رجعة!! إنك لن تستطيع إرجاع الماضي.
وقد تتذكر صديقك أو أخاك الذي أتاك نعيه، سيغوص خيالك معهم دومًا وستسترجع ذكرياتهم الجميلة، فقد تربيت معهم وترعرعت بينهم وقضيت شطرًا من حياتك عندهم، فكم تمنيت بطئ الساعات ورجوع الأحباب ولكن هيهات هيهات لقد سار الوقت في لحظات ولن يعود مهما بذلت، ومهما دعوت ومهما فعلت فقد قضت سنة الله أن يكون وقتنا ماضيًا ومضارعًا وأمرًا وأن الإنسان لا قدرة له على إرجاع الماضي ولا تكهن ما سيجري في المستقبل فرأس مالنا هو حاضرنا إن بذلنا وسعنا فيه واستغللنا ساعاته فقد أعطيناه حقه لذلك حثنا القرآن على استغلال الوقت والاهتمام به بل ذكرنا أن أصعب وقت يتمنى الإنسان رجوعه هو ساعة الاحتضار إنها أغلى ثمن وأصعب أمل قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ).
يتمنى أن يرجع ليعمل صالحًا ولكن سيبدو أن كل شيء قد انتهى لأن الوقت الذي أعطي الإنسان إياه كاف للحكم عليه. إنه مشهد ينبئك أن قيمة الوقت لا تكمن في امتداده ولكن باستغلاله فكم سمعنا عن عباقرة لم تتجاوز أعمارهم منتصف الأربعين وبعضهم الخمسين بينما آخرون عاشوا قرابة المائة ولكن لا حس لهم ولا نش موتهم وحياتهم سواء؛ لأنهم لم يقدموا ما يمكن أن يذكر، فالوقت الذي تعطى إياه دقيق لم تظلم فيه البتة، ولا تقولن لو مددت وقتي لأسلمت أو استقمت بل لو ذهبت إلى الجحيم ورجع وقتك كما هو لكنت كما كنت، فاقرأ إن شئت قوله تعالى: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ). فلن ينفعهم إضافة إلى وقتهم مهما قالوا فعلى الإنسان أن يعمل في وقته ويجد في استغلاله لأنه لا يدري كم سيعطى من الوقت بل هو محاسب عما يعطى من الوقت في كتاب لا يضل ولا ينسى فعلينا أن نستعد للحساب بتحسين أوقاتنا والاهتمام بأعمالنا فلا نتكلم إلا فيما يرضي ربنا ولا نعمل إلا ما أمر ربنا فيجدر بنا أن نقتدي بعباد الله الصالحين السائرين على طريق الخير دوما، لا ينبغي لنا أن نتعلل بإباحة الوقت ولكن لنتذكر أن (أرصدتنا) ستنقص وأن دوام اللعب قد يورثنا إهمال الوقت وعدم الجد في العمل والدخول في أعراض الخلق، والإسلام هو دين الجد لا يرضى لعباده الكفر، يربيهم على الجدية ويبعدهم عما يمكن أن يجرجرهم إلى ما لا تحمد عقباه، فالتشمير ضرورة لتوصيل عدالة الإسلام وسماحته فالعالم اليوم يفتح أمامنا فما هي منجزاتنا؟ وأين نحن من العالم؟ ألنا كلمة فيما يقال ويأمر وينهى؟! لماذا نحن متأخرون؟ لا شك أن الإجابة سهلة لأننا كسالى لا نعمل، نعتقد أن الحق معنا كاف لنكون أقوياء، طبعا لا وألف لا فكيف لنا أن نسير عكس أوامر الله وسننه؟ فقد أمر الله العباد أن يعملوا ويجدوا ليحصلوا على ما يريدون ولم يقف محمد وأصحابه مكتوفي الأيدي متواكلين بل جدوا واجتهدوا وصابروا وصبروا.