البصمة الوراثية في إثبات الجرائم 2

التعريف الاصطلاحي للبصمة الوراثية :

اجتهد العلماء المعاصرون في وضع تعريف جامع مانع لبيان ماهية البصمة الوراثية إلا أن تعريفاتهم تباينت، ونستخلص من التعاريف المتعددة والمختلفة للبصمة الوراثية أنها تدور حول معنيين يمكن جمعهما في عبارتين دقيقتين هما: التحقق من الوالدية، والتحقق من الشخصية.

خصائص البصمة الوراثية:

يعتبر تحليل الـDNA(البصمة الوراثية)، وسيلة فعالة في مجال البحث عن الحقيقة من حيث إثبات الجريمة أو نفيها بدقة تامة حيث توجد في كل خلية في جسم الإنسان بطاقة لا يمكن تزويرها فيمكن مقارنة منطقة الحامض النووي الذي يعتمد عليه في مكان وقوع الجريمة بمنطقة الحامض النووي للمادة أو الخلية المأخوذة من المتهم، ووجود منطقتين متطابقتين يعتبر دليلا شبه مطلق على أن الخلية هي لنفس الشخص، فيما عدا حالة وجود توأم أحادي البويضة حيث لا يمكن الجزم بذلك.

وتعتبر البصمة الوراثية أدق وسيلة عرفت حتى الآن في تحديد هوية الإنسان، وذلك لأن نتائجها قطعية لا تقبل الشك والظن، وبهذا فإن اختيار الحامض النووي لتحديد الهوية بفضل نتائج الاختبارات التقليدية فيما يتعلق بتحديد هوية الأشخاص عن طريق الطب الشرعي، فإحدى المشاكل التي لم تجد حلا في الطرق التقليدية هي فحص المادة الجسدية المختلطة أما بالنسبة لاختبار الحامض النووي فلا يشكل مثل هذا الاختلاط أية مشكلة في الكشف عن تركيب هذا الحامض، ولذلك أهميته في قضايا القتل الجنسي بصفة خاصة .

يضاف إلى ذلك أن جزئي الحامض النووي شديد المقاومة وثابت في الجو الجاف وأن مادة هذا الحامض لا تتلف ويمكن حفظها واستخدامها لعدة سنوات إذا تم هذا الحفظ بطريقة صحيحة، كما أن تركيب جزئي الحامض النووي لا يختلف من خلية لأخرى، فالحامض النووي في أي خلية دموية يطابق تماما الحامض الموجود في أي مادة حيوية، بمعنى أن الحامض النووي لدى الأفراد متطابق في كل خلايا الجسم ولا يتغير أثناء الحياة

وبذلك يمكن مقارنة المادة الحيوية لإحدى الخلايا مثل الخلية الدموية، بمادة أخرى مثل الغشاء المخاطي لغدة الفم، وقد أثبتت بعد ذلك التجارب والاختبارات إن لكل مخلوقDNA منفرد في الشكل والطول والمميزات ومواقع الترسيب ماعدا التوأم الذي يأتي من بويضة واحدة.

ومن المعروف أن الـDNA يوجد في أنوية جميع الخلايا باستثناء كريات الدم الحمراء حيث لا يوجد فيها نواة، ولذلك يمكن استخراج سائل النواة الـDNA بسهولة من جذور الشعر وكرات الدم البيضاء والعظام وإفرازات الإنسان كالمني واللعاب والفضلات.

وعلى أثر نجاح البصمة الوراثية في تحديد هوية الأشخاص فقد اعتمد مكتب التحقيقات الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية طريقة اختبار سائل نواة الخليةDNAكأحد الوسائل المعتمدة في إجراءات البحث الجنائي.

استخدام الشفرة الوراثية في اكتشاف جريمة القتل:

يمكن بفحص الشيفرة الوراثية واستخلاصها في تحديد جنس صاحب هذه البصمة وهل ذكر أم أنثى وتحديد هل زنجي أو أصفر أو أبيض أم هندي، فقد أصبح تمييز ملامح الحامض النووي في الخلايا البيولوجية للإنسان حقيقة علمية وواقعا ملموسا شأنها في ذلك شأن بصمات الأصابع ويمكن بواسطة التقنية الحديثة الكشف عن الجاني في جميع الجرائم المسرحية؛ ونقصد بذلك أنه إذا كان لكل جريمة مكان فليس من اللازم أن يكون لكل مسرح، فجريمة السلوك المجرد إيجابيا كان أم سلبيا لها مكان ولكن ليس لها مسرح بالمعني الفني الدقيق يجري عليه السلوك والحدث الضار أو الخطر الناشئ منه .

ونخلص مما تقدم إلى أن الجريمة ذات المسرح ركنها المادي حسب نموذجه المرسوم في نص التجريم يتمثل في عملية إجرامية ذات جزئيات وحركات عضلية مختلفة ويخلف تنفيذ جزئياتها وحركاتها آثارا مادية أما في المكان أو في الأشخاص ويمكن استخدام اختبار الحامض النووي في الكشف عن جميع أنواع هذه الجرائم الأخيرة وفي حوادث القتل يمكن بتحليل عينة الدم الملتقطة من مسرح الجريمة وعينة دم المشتبه فيه معرفة أنهما لشخص واحد، لوحدة الشيفرة الوراثية، وكذلك قد يوجد الشعر نتيجة تشابك بين الجاني والمجني عليه في حوادث القتل فيمكن إجراء اختبار الشفرة الوراثية والتوصل إلى الجاني، وقد يلتصق جزء ولو بسيط من أنسجة الجاني في أظافر المجني عليه الذي نبشها فيه.

وبالتالي يمكن من خلال تحليل هذه الأنسجة واستخلاص الشيفرة الوراثية منها إثبات الجريمة في حق المشتبه فيه الذي تؤخذ منه ذات الشيفرة.

شروط قبول البصمة الوراثية في إثبات الجرائم .

إن الاعتماد على الدليل العلمي المستمد من تحليل الحمض النووي يتوقف على مراعاة الشروط التقنية لاستخدام البصمة الوراثية بمعني الاعتماد على الدليل العلمي في الإثبات الجنائي يقتضي توافر شرطين:

الشرط الأول: التأكد من مصداقية نتيجة تحليل الحامض النووي: يجب التأكد على أن قيمة اختبار الحامض النووي تعتمد كلياُ على جودة طريقة البحث والدقة في تفسير النتائج التي أسفر عنها، وهذا التحليل يحتاج إلى خبرة واسعة وتخصص رفيع ومعمل ذي كفاءة عالية، ولذلك فإنه من الضروري مراقبة الطريقة الفنية في المعمل الذي يقوم بالفحوص الجينية ويجب أن يتم أخذ العينة في حضور الأطراف حتى يتأكدوا من مصدر العينات وإلا فإن عمل الخبير يكون باطلا لمخالفته لمبدأ المواجهة.

ولأن تحليل الحامض النووي هو طريقة فنية جديدة فإنه يجب وضع قواعد لحفظ العينات والمعلومات التي تنتج عن هذا التحليل، فقوة البصمة الوراثية في الإثبات تعتمد على طريقة جمع العينات وحالتها وكميتها وكفاءة المعامل وجودة الفحوص.


الشرط الثاني: ضرورة الحصول على العينة من المتهم بطريق مشروع: لكي يكون الدليل المستمد من تحليل الحامض النووي مقبولاً يجب أن تكون وسيلة الحصول عليه مشروعة، بمعني أنه يجب أن تكون الإجراءات التي اتبعت للحصول على الدليل مطابقة للإجراءات المنصوص عليها قانونا فإذا كان الدليل قد وصل إليه القضاء بوسيلة غير مشروعة انهار وأصبح لا قيمة له.

واستخدام الحامض النووي كدليل علمي في الإثبات الجنائي يثير بعض المشاكل فيما يتعلق بالمبادئ العامة للإجراءات الجنائية وحقوق المتهمين والضمانات المقررة لهم، حيث إن اختبار الحامض النووي يقتضي الحصول على خلية من جسم الإنسان، لأنه في ظل الوضع العلمي الحالي لا يمكن إجراء هذا البحث إلا على الدم والحيوانات المنوية والشعر أو أي نسيج خلوي. فاللعاب لا يحتوي على كمية كافية من الحامض النووي إلا أن مسحة من الغشاء المخاطي للفم، والذي يتكون من خلايا مدارية يحتوي على كمية كافية من هذا الحامض أما عن إمكانية استخدام مخلفات الجسم مثل البول فهي لا تزال تحت البحث العلمي ولم يتم التوصل إلى نتيجة فيها بعد.

وعلى ذلك فلابد من اقتطاع جزء من الجسم حتى يمكن إجراء اختبار الحامض النووي، مما يعتبر مساسا بالسلامة الجسدية للمتهم والتي يحميها القانون ومع ذلك فإن الحق في سلامة الجسد ليس حقا مطلقا؛ فكثيرا ما تقيد القوانين هذا الحق.

وتطورت التجارب واستخدمت المجسمات المشعة وغير المشعة لمضاعفة كمية حمض النواة المستخلص من أي نسيجأو إفراز آدمي مهما صغرت كميته وتسمي هذه الطريقةPCRوهي المستعملة في العينات صغيرة الحجم.

وهناك نوعان متميزان من الحمض النووي هما: الحمض النووي الوظيفي، والحمض النووي غير الوظيفي، والنوع الأول يقوم بدور في انتقال الصفات الوراثية، فالذي يهمنا في مجال هذا البحث هو الحمض النووي غير الوظيفي كدليل علمي في إثبات الجرائم.

إن الدول الأوروبية هي الأكثر استخداما للحمض النووي في الإثبات الجنائي وبالذات جرائم القتل ونظرا لاحتمال تعارض التشريعات الأوربية فيما يتعلق بإمكانية استخدام الحمض النووي في مجال الإثبات الجنائي فقد أصدر المجلس الأوروبي شروطا لاستخدام الحمض النووي وهي:

1. عدم استخدام تقنية تحليل الحمض النووي إلا في أغراض البحث الجنائي، أي لإثبات أو نفي الاتهام، وفي حدود الأشخاص المطلعين بأمر التحقيق فحسب، وبناء على ترخيص من المشرع الوطني ولا تستعمل العينات التي تؤخذ من جسد شخص المتهم في أي غرض آخر (علمي أو تجريبي) إلا بعد طمس كل المعلومات التي من شانها الكشف عن هوية صاحب العينة (المتهم).

2. ألا يسمح بإجراء هذا التحليل إلا بإذن من السلطة المختصة بالتحقيق، وذلك في حالة رفض المتهم استقطاع هذه الأنسجة من جسمه أو الحصول على العينة.

3. ألا يسمح بإجراء هذا التحليل إلا في نطاق الجرائم التي على درجة معينة من الخطورة الإجرامية، وأن ينص القانون على هذه الجرائم.

4. يجب إجراء هذه التحاليل في معامل طبية لوزارة العدل أو حاصلة على ترخيص بذلك.

5. فيما يتعلق بحفظ العينات والأنسجة المستقطعة والمعلومات المتحصلة منها فإنه يجب محوها والتخلص منها إذا لم تعد لها أهمية في الدعوى، ويمكن الاستمرار في حفظها إذا أظهرت النتائج إدانة المتهم صاحبها في جريمة خطيرة من جرائم الاعتداء على الأشخاص، ولكن يجب على المشرع الوطني – في جميع الأحوال – أن يحدد المدة القصوى لهذا الحفظ.

6. على الدول الأعضاء ضمان استعمال نتائج هذه التحاليل كوسائل إثبات مقبولة، أمام القضاء سواء للادعاء أو للدفاع عن المتهم، وأن تمكن الدفاع بنفس الوسيلة من استعمال هذه النتائج سواء كان ذلك بإذن قضائي أو عن طريق وسيط (خبير مستقل)، مع التأكيد دائما على السهر على عدم الإخلال بحقوق الدفاع، حتى ولو كانت النتائج المهيأة محدودة ومقيدة .