التزوير في القانون العماني 2

تقسيم طرق التزوير:

قام الفقه الجنائي على تقسيم طرق التزوير إلى تزوير مادي وتزوير معنوي.

1ـ التزوير المادي: وهو الناتج عن تغيير الحقيقة بطريقة مادية يمكن أن تترك أثراً تدركه الحواس أو يكتشفه الخبراء وسواء كان ذلك بزيادة في البيانات المسطرة أم بالحذف منها أو تعديلها أو اصطناع محرر لا وجود له في الأصل.

2ـ التزوير المعنوي: وهو لا ينصب على ماديات المحرر وشكله وإنما يأتيه الجاني في مضمون المحرر ومعناه وملابساته.

ويلاحظ أن المشرع لم يرتب أي نتائج قانونية على التفرقة فيما بين النوعين من التزوير، حيث تقوم جريمة التزوير ويستحق الجاني عقابه سواء كان سلوكه يمثل تزويراً مادياً أم معنوياً ، هذا وسيأتي ذكر كل منهما تفصيلاً .

أولاً: التزوير المادي:

حدد المشرع خمس طرق يمكن أن يقع بها التزوير المادي: وضع إمضاءات أو أختام مزورة- تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات- وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة- التقليد- الاصطناع.

ـ الإمضاء المزور: ومعيار الفصل في تزوير الإمضاء من عدمه هو إرادة من ينسب إليه الإمضاء وليس المزور، بمعنى أن الإمضاء يعتبر مزوراً طالما أن وضعه في المحرر ليس تعبيراً عن إرادة صحيحة لمن ينسب إليه. ويستوي بعد ذلك أن يكون الإمضاء المزور كتابياً أو مطبوعاً. وتقوم جريمة التزوير أيضاً حتى لو كان الإمضاء صحيحاً في ذاته، كما لو حرر شخص مستند يثبت فيه تصرفاً ثم يحصل على التوقيع من صاحبه عن طريق المباغتة أو التدليس بأن يضع المستند ضمن أوراق أخرى سيوقعها المزور عليه فيضع إمضاءه الصحيح على السند المزور دون أن يلتفت إلى مضمونه.

ـ الختم المزور والبصمة المزورة: تقوم جريمة التزوير بوضع توقيع الختم المزور على محرر بغض النظر عما إذا كان الختم منسوباً لشخص معلوم أو مجهول، وفي حالة التزوير بالختم: لا يشترط أن يكون الختم تقليداً للختم الصحيح، فيتوافر التزوير حتى ولو كان الختم المزور صحيحاً في ذاته.

أما في حالة البصمة المزورة: فقد جعل لها المشرع قوة الإمضاء. وتأسيساً على ذلك يعد مغيراً للحقيقة ويسأل عن جريمة التزوير من يضع بصمته أو بصمة غيره ثم ينسب البصمة إلى شخص ثالث.

ـ التغيير في صلب المحرر بالإضافة أو الحذف أو التعديل:

1ـ التزوير بالإضافة: يتم إذا قام المتهم بإضافة كلمة أو عبارة أو رقم مما يؤدي إلى التغيير في دلالة المحرر.

2ـ التزوير بالحذف: يتم بحذف كلمة أو عبارة أو رقم مما يغير من معنى المحرر.

3ـ التزوير بالتعديل: فيعني تغيير مضمون أحد البيانات أو الإمضاءات أو الأختـام وغالباً ما يتم ذلك بالحذف والإضافة حيث يقوم الجاني بحذف كلمة وإضافة غيرها محلها أو تغيير رقم برقم آخر.

أما بالنسبة لزيادة الكلمات فهي لا تخرج عن نطاق التغيير بالإضافة حيث تقوم بإضافة كلمة أو عدة كلمات مما يؤدي إلى تغيير مضمون المحرر ، ومثال ذلك: إضافة عبارة (واستلمت المبلغ جميعه) إلى عبارة (لحصول الصلح تنازلت عن الشكوى) ولا يشترط أن تكون الكلمات الزائدة موقعاً عليها أو مختومة ممن أراد المتهم نسبتها إليه متى كانت توهم بذلك .

ـ وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة: ويقصد بوضع أسماء أشخاص آخرين مزروة، وهي استبدال الأشخاص أو انتحال شخصية الغير أو التسمي باسمه. وهذه المسميات لا تخرج عن كونها ترجمة للسلوك الذي يقوم به الشخص بإثبات حضور شخص أو أشخاص غائبين لأن حضورهم لازم لإنشاء المحرر يستوي بعد ذلك أن يكون من وضع اسمه في المحرر شخصاً حقيقياً، أو أن يكون شخصاً وهمياً لا وجود له في الحقيقة. أما وضع صور أشخاص آخرين مزورة، فيقصد بها وضع صورة شمسية أو فوتوغرافية لشخص على محرر لا يتعلق به مما يترتب عليه نسبة مركز قانوني أو صفة معينة لصاحب الصورة على خلاف الحقيقة. ومثال ذلك وضع صورة شخص على بطاقة إثبات الشخصية التابعة للغير أو على جواز سفر أو بطاقة عضوية نادي أو رخصة قيادة.

ـ التقليد: هو صناعة شيء على غرار شيء آخر . وفي مجال التزوير بصفة خاصة ، فيقصد به إنشاء محرر أو جزء منه يشبه المحرر الصحيح أو كتابته الأصلية بهدف نسبة بياناته إلى الشخص المقلد خطه . ولا يشترط في التقليد أن يكون متقناً وإنما يكفي أن يعطي انطباعاً بصدوره عمن نسب إليه . فالتقليد يتحقق متى كان من شأنه خداع الجمهور.

ـ الاصطناع: ويقصد به إنشاء محرر بأكمله ونسبته إلى شخص آخر غير محرره، ويختلف الاصطناع عن التقليد في أن المزور لا يهتم بأن يكون خطه مشابهاً لخط الغير في الاصطناع في حين أن هذا التشابه هو أساس طريقة التقليد. وفضلاً عن ذلك فإن الاصطناع يرد على المحرر برمته، في حين أن التقليد قد ينصب على جزء من المحرر فقط. والاصطناع قد يقع في محرر رسمي مثاله كمن يصطنع صورة حكم ناسباً صدوره لمحكمة معينة، فتقوم جريمة التزوير ولو كان مضمون المحرر المصطنع مطابقاً للحقيقة لأن التزوير يتحقق بنسبة المحرر على خلاف الحقيقة إلى سلطة لم تصدره، وقد يكون الاصطناع في محرر عرفي ومثاله: كمن يصطنع عقداً أو سنداً وينسبه إلى آخر.

ومن الجدير ذكره بأن تجميع المتهم لأجزاء سند ممزق ولصقها بحيث تعود إلى ما كانت عليه يشكل جريمة تزوير ، لأن التمزيق يعدم السند ومن ثم فإن جمع الأجزاء الممزقة ولصقها يعتبر إنشاء جديد للمحرر.

ب ـ التزوير المعنوي:

1 ـ تغيير إقرار أولي الشأن.

2ـ جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة.

3ـ جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها.

أولاً: تغيير إقرار أولي الشأن: ويقصد بهذه الطريقة أن يقوم المزور بتغيير الشروط أو البيانات التي طلب منه صاحب الشأن إثباتها في المحرر. ويفترض هنا أن أطراف المحرر أو أحدهما قد عهد إلى المزور بإثبات بيانات أو شروط معينة فيثبت ما يخالفها. ويترتب على ذلك أن تنسب إلى ذوي الشأن بيانات مخالفة للحقيقة التي أرادوا إثباتها.

ولا يدفع الجريمة عن المزور أن يكون قد قرأ المحرر على المجني عليه فلم ينتبه إلى التغيير الذي حدث فيه وقام بتوقيعه بعد سماع تلاوته ، فمن الممكن أن لا يلتفت إلى التغيير لأي سبب كان ثم أنه غير مكلف بهذه المراقبة وكل هذا بطبيعة الحال ما لم يثبت أن المجني عليه انتبه بالفعل إلى التغيير وأقره ولو ضمنياً بتوقيعه على المحرر.

ثانياً: جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة: وهذه الطريقة تعتبر أوسع طرق التزوير وأكثرها عموما ، ويقصد بها إثبات الواقعة على غير حقيقتها. وبهذه العمومية فإن طريقة جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة تشمل الطريقة الأولى للتزوير المعنوي المتمثلة في تغيير إقرار أولي الشأن، ولكن تبقى عمومية الطريقة التي نحن بصددها هي الأساس المميز لها عن غيرها من الطرق. فكل تغيير في إقرار أولي الشأن “يعتبر جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة” والعكس غير صحيح لأن هذه الطريقة الأخيرة باتساعها تشمل حالات أخرى “غير تغيير أولي الشأن” كما لو تم إثبات ما يريده أطراف التصرف من بنود ولكن يزاد إلى ذلك وقائع أخرى مكذوبة في صورة وقائع صحيحة.

• (حالات من جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة)

ـ التزوير بانتحال الشخصية أو الاسم: يعتبر انتحال المتهم لشخصية الغير أو اسمه نوعاً من التزوير المعنوي الذي يحدث بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، ويستوي في ذلك أن يكون الاسم المنتحل خاص بشخص له وجود حقيقي أو أن يكون لشخص خيالي لا وجود له.

ولا يخفى أن فعل الانتحال شبيه بجريمة النصب باتخاذ اسم كاذب، غير أنه في التزوير يلزم أن يتم ذلك كتابة، في حين يكفي وقوعه بالقول المجرد في النصب.

ـ انتحال الشخصية في تحقيق جنائي: قد يلجأ المتهم الذي يخضع لتحقيق جنائي إلى أن يتسمى باسم غيره أو ينتحل شخصيته لكي يبعد عن نفسه الاتهامات، وفي ذلك يجب التفرقة بين أمرين: الأول: أن لا يكون للاسم المنتحل وجود، والثاني : أن يكون الاسم المنتحل لشخص معين وله وجود حقيقي.

ففي الحالة الأولى: الراجح فقهاً وقضاءً بأنه لا تزوير في الأمر وسواء وقع الشخص بالاسم المنتحل أم لم يوقع به. وأساس ذلك انتفاء الضرر الخاص الذي قد يحيق بالغير من جراء انتحال اسمه لأن هذا الغير غير موجود في الحقيقة.

وأما عن الضرر العام الذي يصيب المصلحة العامة بإهدار الثقة في المحررات الرسمية بتغيير الحقيقة فيها، فإن المجتمع يتنازل عنه من أجل كفالة حق آخر أولى بالرعاية وهو حق المتهم في الدفاع عن نفسه حتى ولو كان ذلك بانتحال اسم شخص وهمي وإخفاء اسمه دفعاً للتهمة عن نفسه.

الحالة الثانية: بأن ينتحل المتهم اسم شخص معين وله وجود حقيقي، ففي هذه الحالة تقوم جريمة التزوير، وسواء وقع المتهم بهذا الاسم أم لا. وقد أيدت محكمة النقض المصرية هذا الرأي في العديد من أحكامها.

ثالثاً: جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها: ويقصد بهذه الطريقة أن يقوم الجاني بإسناد اعتراف كاذب إلى متهم عن واقعة لم يعترف بها. وفي الحقيقة أن هذه الطريقة ليست طريقة مستقلة للتزوير المعنوي وإنما هي لا تعدو أن تكون تطبيقاً للصورتين السابقتين.

(التزوير بالترك)

وقد يلجأ الجاني أحياناً في سبيل تغيير حقيقة المحرر إلى الامتناع عن إثبات أمر أو بيان كان يجب عليه إثباته ومثال ذلك: أن يمتنع كاتب الجلسة عن إثبات بعض طلبات الخصوم أو الموثق الذي لا يثبت بعض شروط المتعاقدين. خلاصة القول في طرق التزوير: إن المشرع حاول جاهداً أن يسد جميع الثغرات أمام كل من تسول له نفسه بأن يغير الحقيقة في أحد المحررات ،فاضطر من أجل ذلك أن يتوسع في حصر الطرق التي يمكن أن يتبعها الجناة في التزوير .فاضطر إلى التكرار أحياناً وإلى العمومية أحياناً أخرى. ولكن من الواضح أنه مهما أوتي المشرع من فصاحة فمن الصعب أن يواكب بنصوصه دائماً أحدث التطورات والابتكارات التي يتفتق عنها ذهن المجرمين في مجال طرق التزوير.