محمد الحضرمي -
Fuyodh2@yahoo.com -
أليس من المُحزن أن عُمان التي تنمو في أراضيها الخصيبة، أكثر من ثمانية ملايين نخلة، من أجود أصناف النخيل، ليس فيها مصنع واحد للتمور؟!، حقا الأمر محزن، لأن فيه هدرا لثروة وطنية طائلة، وكأن النخيل لا تزال في عِداد الهامشي والمهمل من خطط الارتقاء بالمنتج الزراعي، رغم وجود وزارة خاصة بالزراعة، تدعم المشاريع الزراعية باستمرار، ورغم إقامة ندوتين مستدامتين للقطاع الزراعي، بأوامر سلطانية سامية، (سمائل 2007، وعبري 2009).
وتوطئة لهذا الحديث، أتذكر أنني في مطلع الثمانينات الماضية، شاركت في رحلة مدرسية، زرنا فيها مصنع التمور بنزوى، ولأول مرة أدخل مصنعا به آلات وموظفين يعملون على تنقية التمور، ولأول مرة أرى حبات التمر تسير في آلات متقاربة، من أول غرفة تتكدس فيها، إلى آخر آلة تقوم بتغليفه، في أكياس مختومة باسم «تمور عمان»، كانت زيارة مبهجة لنا نحن الطلاب أبناء النخيل والقرى، رأينا فيها مصنعا لتعليب التمور، وقد تولد في داخلنا إحساس بأن كل تمرة تباع في الأسواق، إنما تحمل معها اسم أرض عمان الطيبة.
وكنا نعرف ونحن في ذلك العمر الغض، أن السلطنة بها مصنعان للتمر، أحدهما في نزوى والآخر في الرستاق، وكان الحلم يراودنا أن نرى مصانع أخرى، يقينا من أن التمور بحاجة إلى مصانع عديدة، لتعليبها وتسويقها إلى الخارج، وفق مبادلات تجارية مع الدول الأخرى، مفاخرين بأن ما تنتجه أرضنا الطيبة، هو مما يحفظ للإنسان صحته ويغذيه وينميه.
كانت مصانع التمور هي الحلم الأبهى للمزارع البسيط، والذي كل همه أن يجد لمنتج نخيله سوقا، ولا يزال ذلك الحلم يكبر عاما بعد عام، وستظل الأحلام في الوجدان والمخيلة، ما لم تحقق بتوجيهات وأوامر، ومع ذلك فقد صدر الأمر السامي بزراعة مليون نخلة في أنحاء متفرقة من السلطنة، من نوع «الخلاص والفرض وأبو نارنجة والفحل»، ولا نعرف إلى أين وصل هذا المشروع؟ وهل سينصب الاهتمام عليه فقط، أم ستشمل الخطة الانتفاع بثمار الملايين الثمانية من أصناف النخيل؟.
هذه الأيام تشهد أسواق بيع التمور تكدسا لآلاف الأطنان!، وأحدث التقارير الزراعية كشفت عن كميات هائلة من التمور المنتجة محليا، وخلال الموسم الماضي 2013، بلغت كمية التمور 308 آلاف طن، مقارنة مع 281 ألف طن لموسم 2012، و263 ألف طن لموسم 2011، و276 ألف طن لموسم 2010، و257 ألف طن لموسم 2010، وأن إنتاج السلطنة من التمور قد زاد بنسبة 20% خلال موسم 2013، عما كان عليه في عام 2009، هذه نتائج تبشر بالخير لو وجد لها تسويق رائج، يثري المزارع، ويعوضه عما بذله من تعب وجهد، لكنه يفاجئ بأن تموره لا تجد من يشتريها بالثمن الذي يرضيه، فالتمور كاسدة في الأسواق، والأسواق مكتظة بها، ومصانع التمور التي تغنت بهما مناهجنا الدراسية مغلقة، ووحدات تجهيز التمور، لا تأخذ إلا النزر اليسير، وأعداد النخيل في ازدياد عاما بعد عام، فما هو الحل؟
في قديم الزمان، لم يعرف أهالينا المجاعة إلا في مواسم الجدب وانقطاع المطر، والذي يؤثر على ثمر النخيل، فقد كان اعتمادهم على التمر، الذي هو وجبتهم المفضلة، فهو «التقدوم» الذي يقدم للضيف العزيز في المجالس، وهو الطعام الذي يُستشفى به، حتى أن تمر الفرض يطلق عليه «مسمار الرِّكعة»، إشارة إلى فوائده على صحة الإنسان، وفي السنوات الغابرة، التي عاشت فيها عمان قلاقل سياسية، لم يعرف العمانيون الجوع، كانت النخلة تطعمهم من شماريخها، وكان الرطب والتمر الطعام الذي يلذ في الأفواه، ولأن النخلة كانت ولا تزال حلم الإنسان العماني الأبهى، فإننا ما زلنا نحلم بخطط مثرية، وذات جدوى اقتصادية لتسويق التمور، حتى لا تفسد تمورنا في النضود والمخازن، وحتى لا توصف بأنها بضاعة كاسدة.