العلاقة بين المستوى المعيشي والدعم الحكومي للأسعار

د. محمد رياض حمزة -

dirwa2000@yahoo.com -

كانت نتائج اجتماع منظمة التجارة العالمية ال159 الذي عُقد في ديسمبر 3013 بمنتجع جزيرة “بالي” في إندونيسيا بمثابة الانتصار للدول الناشئة فقد تم التوصل إلى اتفاق أتاح للمنظمة البقاء بعد خمسة أيام من المباحثات التي كادت أن تقضي عليها بسبب إصرار الهند تصر على دعم الزراعة، إذ أصرت الهند على موقفها برفضها إلغاء الحد الأعلى الذي تفرضه منظمة التجارة العالمية على الدعم الزراعي في حال كان هذا الدعم يستخدم في تنفيذ برامج غذائي.


وحذر وزير التجارة الهندي “اناند شارما” “لن نتراجع أبدا..

وان موقف الهند مبدئي ولن نلتزم بالسقف الذي حددته المنظمة للدعم الزراعي وإن لنا الحق في تحقيق الأمن الغذائي غير قابل للتفاوض،انه حق تعترف به الأمم المتحدة .وتحقق للهند ما أرادت بأن حكومتها ستواصل تقديم الدعم للزراعة ولعدد غير قليل من السلع الأساسية.

الدعم المالي الحكومي للأسعار (Subsidizing) مصطلح استخدم في الكتابات الاقتصادية منذ عام 1795 في إنجلترا، وسبق أن عُرفَ مبدأ إعانات الحكومة البريطانية لفئات المجتمع الفقيرة بإعفائها من الضرائب عام 1513، واعتبر أول تشريع للدعم المالي وللرعاية الاجتماعية اقتصاديا.

ويُعرَّف الدعم المالي الحكومي للأسعار بأنه مساهمة الحكومة في الإنفاق على مختلف السلع والخدمات الأساسية عندما ترتفع أسعارها (التضخم) وتصبح فئات المجتمع الأقل دخلاً غير قادرة على شرائها رغم أن تلك السلع أساسية لأنشطة الإنسان ولنظامه الغذائي.

وتقدم معظم حكومات الدول النامية في العالم الدعم المالي للأسعار ولمختلف السلع والخدمات.

تلجأ الحكومات لدعم الأسعار مضطرة، كخيار لابد منه، عندما تدرك أن هناك فجوة في القوة الشرائية بين متوسط لمعظم طبقات المجتمع الأقل دخلاً وبين المستوى العام للأسعار.

بمعنى: أن التضخم تسبب في تآكل القوة الشرائية لمعظم المستهلكين بما قد يؤثر سلباً على الاستقرار الاجتماعي.

ومعروف، على مستوى العالم، أن صندوق النقد الدولي يوصي الدول كافة بعدم اللجوء إلى دعم الأسعار، وإيجاد السبل البديلة لتنشيط الاقتصاد ورفع مستوى الدخل الفردي، حفاظا على المال العام وتوجيهه نحو الاستثمار في المشاريع ذات الإنتاج المادي.

وطالما تدخل صندوق النقد الدولي في شؤون الدول التي تدين له بمبالغ مستحقة وتعجز عن الإيفاء بها، فيقترح على حكوماتها إنهاء دعم الأسعار لخفض الإنفاق العام للإيفاء بمبلغ القرض المستحق وفوائده.

في الموازنة التقديرية للسنة المالية للسلطنة 2013 م.

وفي جدول المصروفات نحسب دعم أسعار كل من (مبلغ دعم فوئد القروض التنموية والإسكانية 35 مليون ريال)، و (مبلغ دعم السلع الغذائية الأساسية 25 مليون ريال)، و (مبلغ دعم قطاع الكهرباء 260 مليون ريال)، و(مبلغ دعم المنتجات النفطية 740 مليون ريال)، ويكون مجموع دعم هذه الفقرات (1050 مليون ريال).والملاحظ أن دعم أسعار تلك الفقرات أمر مستحق وواجب إنْ كان المستفيد منه هم المواطنين ذوي الدخل المحدود، غير أن هناك مستفيدا من الدعم من فئات ومنشآت قادرة على التعامل مع الأسعار الحقيقية للسلع والخدمات، كما الحال في قطاعي الكهرباء والمنتجات النفطية. وتسجل الذاكرة أن رفع دعم الأسعار المباشر تسبب في إضطرابات وأعمال عنف في معظم الدول النامية.

أما في الدول المتقدمة الغنية فهناك أوجه كثيرة للدعم الذي تقدمه حكوماتها لأنشطة محددة تمكنها من منافسة المنتج الأجنبي في الأسواق، فبرامج دعم مختلف الأنشطة الزراعية مطبقة في معظم دول العالم، على اعتبار أن هناك علاقة وثيقة بين الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، كما أن الأنشطة الزراعية تتعرض لظروف غير مواتية كالتغيرات في الطقس من جفاف وأعاصير وآفات،كما أن أسعار المنتجات الزراعية عرضة للتراجع لوفرة المعروض في بعض الأحيان.

أما دعم المنتجات النفطية والطاقة الكهربائية فبقدر ضرورة دعم أسعارها للمستهلكين من ذوي الدخل المحدود، فإن الدعم الحكومي لأسعارها هدفه أيضا تشجيع الصناعات القائمة التي تعتبر المستهلك الأكبر لهذه المنتجات والكهرباء.

وتلجأ معظم حكومات دول العالم إلى دعم عدد من السلع لإدراكها بأن الدخل الفردي للمواطنين لم يعد كافيا لتدابير المعيشة بسبب توالي تصاعد التضخم.

ويأتي قرار الحكومات الدعم في ضوء دراسات ميدانية.

إذ يقاس المستوى المعيشي للمجتمعات بحصة الدخل الفردي من الدخل القومي للدولة، أي بقسمة الدخل القومي مقيّما بالعملة على جملة السكان في المجتمع، ذلك هو الشائع في الحسابات القومية، ويعتبر ذلك مضللا، إذ لا يعبر عن واقع المستوى المعيشي لأفراد المجتمع كافة، إذ يتفاوت الدخل الفردي من شخص لآخر حسب نشاطه الإنتاجي أو انتمائه الأسري أو طبيعة عمله، إذ يوجد فقراء في مجتمعات عرفت بالرفاهية والغنى، كما يمكن أن نجد أناسا ميسورين مرفهين في مجتمعات فقيرة.

ومع ذلك يعتبر متوسط الدخل الفردي مؤشرا مقبولا لتقييم مستوى معيشة الفرد في الدولة إن تم تحديده لأوسع فئات المجتمع عددا، على أن يؤخذ بنظر الاعتبار انحراف مستويات الدخول لفئات القوى العاملة عن متوسط الدخل الفردي.

كما أن المقارنات بين تكاليف المعيشة وبين الدخل الفردي التي تجريها الجهات الحكومية المختصة يمكن أن تسهم في تطوير التشريعات الخاصة بتحديد الحد الأدنى من الأجر.

وعند استعراض برامج الحكومات في معظم دول العالم لوجد أنها حريصة على زيادة حصة الدخل الفردي من الدخل القومي، أو إيجاد أفضل السبل للقرب من عدالة توزيع الدخل القومي، وذلك هدف نسبي وصعب التطبيق في دول العالم كافة، فالدخل الفردي عرضة للتآكل مقيما بالعملة (الراتب أو الأجر النقدي)، كما أنه الطرف الأضعف في معادلة (متطلبات الأنفاق الفردي أو الأسري) من جهة و(تكاليف المعيشة) من الطرف الآخر.

ويتعرض لعدد من المتغيرات المؤثرة في قدرته على الإيفاء بالإنفاق على متطلبات المعيشة وهي: 1 التضخم (ارتفاع أسعار السلع والخدمات): إذ تتعرض القوة الشرائية للدخل الفردي للتآكل عند حدوث ظاهرة التضخم، التي تعتبر ظاهرة ملازمة للاقتصاد في أوقات النمو وفي الأزمات، كما أن ارتفاع الأسعار أمر واقع مع تقادم الزمن.

2 ضعف النظام النقدي أو انهياره: إذ إن الأجور والرواتب المقيمة بالعملة عرضة للتآكل بسبب ضعف القوة الشرائية للعملة أو انهيارها في حالات الأزمات والحروب.

وبذلك يكون الدخل الفردي من ضحايا الأزمات المالية وتداعي النظم النقدية.

3 تتضاءل القدرة الشرائية للدخل الفردي المحدود المعيل لأسرة، كلما زاد عدد أفراد الأسرة واتسعت حاجاتها الضرورية، فالدخل الفردي محدود بأجر يمكن أن يزداد سنويا وبنسبة ضئيلة جدا، فيما يزداد الإنفاق على متطلبات المعيشة من سنة لأخرى.

4 قليل من دول العالم من يتحقق فيها توزيع عادل للدخل القومي على أفراد المجتمع، على اعتبار أن ذلك الأمر تحكمه تطبيقات عدد من النظم التي تسير الحكومات عليها، فالدخل الفردي سواء في النظم الرأسمالية أو الاشتراكية أو المختلطة معرّض للتآكل للأسباب المذكورة ذاتها مع التفاوت في مدى وضع الدولة الاقتصادي قوة أو ضعفا.

فالنظم الضريبية أو نظم الضمان الاجتماعي من العوامل المؤثرة في قوة أو ضعف الدخل الفردي.

أما تكاليف المعيشة في المجتمعات فإنها ترتفع أو تنخفض بتأثير عدد من العوامل: 1 الاستقرار السياسي وأهلية الحكومات في تطبيق نظم عادلة في توزيع الدخل القومي، والحد من نسبة الباحثين عن العمل في المجتمع، وذلك من شأنه أن يجعل تكاليف المعيشة قريبة من متوسط الدخل الفردي.

2 حجم الدخل القومي ذو العائد المتواتر المضمون يتيح استقرارا لتكاليف المعيشة وأقل عرضة للتضخم، فكلما كانت واردات الدولة أكبر كلما شمل توزيعها معظم فئات المجتمع.

3 حجم الناتج المحلي الإجمالي وشمول فئات المجتمع في تكوينه، فكلما كبر وشاركت في تكوينه أوسع الفئات الاجتماعية وأنشطتها الإنتاجية والخدمية ضمن استقرارا لتكاليف المعيشة.

4 تختلف تكاليف المعيشة حسب التوزيع الجغرافي.

فتكاليف المعيشة في المدن أعلى منها في الأرياف، والمدن الكبيرة أعلى تكلفة من المدن الصغيرة.

5 ترتفع تكاليف المعيشة في الدول ذات الرقعة والمساحة المحدودة، وذات الكثافة السكانية الكبيرة، وفي المدن ذات الأعمال والأنشطة الاقتصادية الكثيفة.

6 وترتفع تكاليف المعيشة لتلك الأسباب التي ذكرت في الدخل الفردي كالتضخم وقوة أو ضعف العملة.

ويمكن اعتبار التشغيل الكامل للقوى العاملة وعدالة نظم الأجور التي تحدد بالتوازي مع تكاليف المعيشة، من الأهداف التي تسعى الحكومات لتحقيقها لمجتمعاتها.

ومما يتوقع أن يترتب على ضخ سيولة إضافية في الأسواق مصدرها الحد الأدنى المعدل لأجور القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص أن تشهد الأسواق موجة تضخمية، حيث ترتفع الأسعار، وذلك إنْ عمل القطاع الخاص على رفع أسعار منتجاته من السلع والخدمات بحجة ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج (الأجور) بهدف الحفاظ على نسبة الربح المحددة أو حتى المبالغة فيها.

لذا تطلب السيطرة على مستوى الأسعار وإلاّ سيبتلع التضخم أي زيادة في الأجور.