حيدر بن عبدالرضا اللواتي -
يتجدد موضوع الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي سنويا نظرا لأهميته للاقتصادات الوطنية، خاصة وأن هناك اليوم محاولات عديدة بدفع الجيل الحالي للانخراط في العمل الحر وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تستطيع في يوم من الأيام أن تصبح شركات كبيرة سواء في إطار الشركات العائلية أو شركات مساهمة عامة.
وخلال العقدين الماضيين شهدت دول المجلس تحويل بعض من ملكية الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة، في الوقت الذي نرى فيه هناك فرصة أكبر في المنطقة بتحويل المزيد منها إلى شركات مساهمة عامة يستفيد منها الجميع في المنطقة.
ومن هذا المنطلق تستعد دولة الكويت الشقيقة استضافة الملتقى الخليجي للشركات العائلية في شهر ديسمبر المقبل تحت شعار “ركيزة الاقتصاد المستدام”، حيث يهدف الملتقى إلى مناقشة التحديات التي تواجه العديد من الشركات العائلية في دول الخليج بالاضافة إلى تقديم الاستطلاعات والدراسات لحالات عديده بغية الاستفادة منها، والمساعدة في تذليل العقبات التي تواجه تلك الشركات العائلية، والعمل على تجنبها، بجانب توفير منصة لتبادل المعلومات حول أفضل الممارسات وأساليب العمل المستقبليه، وتعزيز الروابط والعلاقات بين مجتمعات الشركات العائلية الخليجية والعربية.
والكل يعلم بأن الشركات العائلية تشكل ركيزة أساسية للاقتصادات في دول مجلس التعاون الخليجي وذلك من خلال سيطرتهاعلى نسبة تصل 75% من نشاط القطاع الخاص في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وفق آراء الخبراء في هذا الصدد، حيث نجحت بعض تلك الشركات العائلية بتأسيس علامة تجارية لنفسها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي اكسبتها شهره إقليمية ودولية مميزة وذلك بفضل اعتمادها وتطبيقها لافضل الممارسات العالمية في إداره أعمالها.
كما أن هذه الشركات تستوعب اليوم في دول المجلس ثلثي القوة العاملة، وبذلك تمثل ركيزة اقتصادية واجتماعية رئيسية، وأنها ستبقى كذلك لأمد طويل في ظل الانتشار المحدود للشركات المساهمة الكبرى، خاصة إذا نجحت في مواجهة التحديات الماثلة أمامها في عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي، والتطور التكنولوجي ومتطلبات الاندماج في حركة السوق العالمية، وأن تواكب حركة التغيير العالمية حتى يمكنها الاستمرار والمنافسه أمام الشركات الأخرى.
وقد نجحت بعض تلك الشركات في تقديم تجربتها الناجحة إلى العالمية، وتعاملت بكل حرفية مع المتغيرات والتحديات التي مكنتها من تجاوز أصعب المراحل المتعلقة بالازمات الاقتصادية عصفت العالم خلال السنوات الماضية.
ووفق بعض البيانات المتاحة فان الشركات العائليّة تشكل دعائمَ الاقتصادات العربيّة في ظلِّ سيطرة الشركات المملوكة للعائلات على نسبة 70% إلى 90% من نشاط القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فيما استطاعت بعض منها في تأسيس علاماتٍ تجاريّة اكتسبت شهرة إقليميّة ودوليّة في آن بفضل اعتمادها أفضل الممارسات الدوليّة، الأمر الذي يتطلب اليوم تأمينَ استدامتها واستمراريّتها في المنافسة العالمية، خاصة وأن بعضها سُجّلت حالاتٌ التعثر والانهيار نتيجة عدم قدرتها في التكيّف بالسرعة المطلوبة والكافية في ظل العوامل المتغيّرة التي شهدتها المنطقة العربية والخليجية.
ففي دول مجلس التعاون الخليجي هناك تفاوت في عدد الشركات العائلية من دولة إلى أخرى، حيث تتراوح النسبة في الغالب لإجمالي عدد الشركات العائلية من 68% إلى 92% من عدد الشركات العاملة في دول المنطقة.
كما أن بعض الأرقام الاخرى التي تتحدث عن الشركات العائلية في دول الخليج تشير إلى أن 98% من حجم الشركات الموجودة هي شركات العائلية، وأن هناك مليارات من الدولارات مجمدة في الشركات العائلية بسبب النزاعات الداخلية، أو بسبب المشاكل السياسية مع دول أخرى.
كما تشير إلى أن 33% من افرادها من الجيل الثاني للعائلات تدير هذه الشركات، و15% من الجيل الثالث، و4% من الجيل الرابع من العائلات بالاضافة إلى المؤسسين.
كما يرى البعض أن وفاة مؤسس الشركة أحيانا قد تسهم بشكل كبير في تشتت الشركة أو انهيارها أو فشلها أو تراجع نجاحاتها.
فالتجارب التي تتحدث عن الشركات العائلية في دول الخليج توضح أن هناك العديد من الفوائد لاستمرارية الشركات العائلية منها استمرار نمو الثروات في ظل العائلة وأثرها الفعّال على الأسرة عموماً، وهي تكون هنا أكبر مما لو كانت متفرقة بين الأفراد.
ويؤدي ذلك أيضا إلى تنمية أبناء العائلة في ظل الثروات والبيئة التي حباها الله للمؤسسين، وتستطيع تلك الشركات احتواء عدد أكبر من الأجيال تحت مظلة الشركة وتوفير الوظائف لأبنائها في ظل قلة فرص العمل في المؤسسات والشركات، بالاضافة إلى أنها تستطيع المحافظة على الثروات بروح الجماعة وليس الفردية، وتزيد من الترابط العائلي، وبقاء مكانة العائلة التجارية في المجتمع، بجانب إتاحة الفرص لأبناء العائلة المجيدين في إبراز إمكاناتهم وإبداعاتهم، وتوفير الروح الجماعية والمشاركة في اتخاذ القرار والمخاطرة مما يخفف العبء على أفراد العائلة.
وفي مقابل ذلك تواجه الشركات العائلية اليوم عدة تحديات أمام في دول الخليج تتمثل في خطّة التعاقب الوظيفي بين مؤسسيها وأفرادها، وكيفية تقليص المناصب في ضوء زيادة عدد أفرادها، بالاضافة إلى تحدي السيطرة والتحكم، وكيفية مواجهة تحدي المنافسة، والخروج بأقل الخسائر في ظل الازمات الاقتصادية التي تواجه العامل بين الفينة والاخرى، بالاضافة إلى كيفية حل النزاعات الداخلية وفي اختيار المرشحين لمجالس إداراتها.
ومن هذا المنطلق فلا بد للقائمين على هذه الشركات المحافظة على استمراريتها وإنمائها لتتمكن من المنافسة في ظل العولمة من خلال صياغة وبناء الإطار القانوني المتكامل المناسب لبيئة العائلة، وتكوين نظام عائلي مؤسسي متكامل يدير علاقات أفراد العائلة فيما بينهم، فيما يتعلق بشؤون العائلة الداخلية والاستثمارية، وضرورة الالتزام برؤية واستراتيجية لمسار استثمار أموال العائلة، مع مراعاة بأن تكون لديها الرؤية والاستراتيجية الطموحة للمستقبل، فيما يتطلب من أفرادها القبول بمبدأ التضحية لتحقيق الهدف الأسمى لتلك الاستراتيجية التي يجب أن تتحول إلى خطط تنفيذية متوسطة وقصيرة الأجل، وضرورة إيجاد آليات التدقيق والمتابعة، ومواصلة العملية التطويرية والرقابية، وتوفير البيئة المشجعة لاستقطاب المتخصصين والكفاءات من خارج العائلة في وظائف قيادية وتفويض السلطة لهم.
ولا شك بأن هذه الأسس سوف تعمل على استمرارية الشركات العائلية في أعمالها وخططها، وإلا سوف تصاب بالفشل في حالات أخرى خاصة إذا ضعفت روح التأسيس لدى أصحابها، او توسعهم في مشاريع استثمار غير مجدية، أو عدم قدرة أصحابها على إدارة تلك المؤسسات من الاجيال الجديدة، أو تسرب كفاءات أبنائهم إلى خارج الشركات لعدم توافر البيئة المناسبة، أو نتيجة لانعدام نظام الحوافز العادل داخل الشركات مقارنة بسوق العمل، أو بسبب تداخل البعد العائلى مع البعد الاستثمارى أي المحاباة بين الأقارب، وعدم الإيضاح والشفافية لكثير من المعلومات بين أبناء العائلة فيما يتعلق بالشركات.
وأخيرا فان دخول النساء في مجالس إدارات الشركات من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة الشركات العائلية التي تترأسها النساء في المنطقة.
فهناك اليوم عدةصاحبات أعمال عربيات دخلن المجالات التجارية ولهن تأثير كبير في إدارة الشركات العائلية في المنطقة، حيث أصبحت نسبة عدد صاحبات الأعمال القياديات في الشركات العائلية وغير العائلية في دول المجلس يتراح ما بين 22% و34% بحسب كل دولة خليجية، ويشاركن إدارة هذه الشركات مع أفراد عائلاتهن حسب خبرتهن وعلمهن. وعموما فان هناك اليوم عدة تحديات في عصر العولمة والنظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي أزال كافة صور الحماية والدعم والاحتكار، وعمل على تنشيط أسواق مفتوحة، منافسة شرسة، الأمر الذي يتطلب تهئية الشركات العائلية لمواجهة تلك التحديات بصورة تستطيع ضمان استمرارها ونموها في هذه البيئة.