عدالة القضاء

سيف بن زاهر العبري -

wadiasahtan@hotmail.com -

عندما تلغي المحكمة المختصة قرار الوزير فذلك مدعاة إلى التفكير في حيثيات الأمر، ومن ذلك أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات مهما كان لدى أحدهم صفة رسمية أو اجتماعية قد يعتقد البعض بأنها قد تمنحه حصانة من الوقوف أمام القضاء العادل، كذلك لم يعد الأمر كما كان الاعتقاد السائد بأن الوزير المختص لديه حرية التصرف في تسيير أمور وزارته ولو كان ذلك على أسس شخصية، فقد يصدر قرارا بتعيين أو ندب أو نقل أو ترقية موظف أو خصم علاوة، أو أي تصرف غير قانوني يلحق الضرر بالموظف المعني، وقد يأخذ القرار الوزاري بعدا آخر أكثر من كونه قرارا كيديا أو تعسفيا، ولربما يأتي القرار كنوع من تصفية الحسابات بين الوزير وبعض من موظفي وزارته، ووجد الوزير أن الوقت قد حان للقيام بذلك، من خلال إجراء تعيينات وتنقلات ترفع من شأن البعض وتخفض مستوى البعض الآخر.

إن المتابع لتطور العمل القضائي في السلطنة يجد أن كثيرا من الأمور قد تغيرت، والتي من أهمها تمكين الشخص من الحصول على حقه من جهات الاختصاص في حالة تعرضه لأي إجراء يلحق به الضرر، ومن ذلك الموظف الذي قد يصدر بحقه قرار ينتقص من مكانته الوظيفية، أو يحرمه من حق مكتسب أعطي لموظف آخر رأى الوزير بأي سبب كان بأنه الأحق في ذلك. فتنظر المحاكم قضايا متشابهة مرفوعة من موظفين أو من مراجعين ومستفيدين من الخدمات التي تقدمها تلك الجهات لم تحقق لهم ما ينبغي تقديمه من خدمات أوكلت لها مهمة إنجازها على الوجه المأمول. وبالتالي يستدعي هنا تحليل هذه الحالة التي تجعل الوزير لا يقدم على إصدار قرار سوف يواجه بقرار قضائي يلغيه، فإما أن يكون الوزير قد تعمد إصدار القرار برغم حيثيات العمل به، أوأن الوزير يجهل قواعد العمل بالإجراءات التي تسبق صدور القرار، أو عدم تأكد الدائرة القانونية من وجود مخالفة أو شائبة لا تضفي عليه الصفة القانونية للتطبيق الفعلي، برغم وجود المستشارين والخبراء المحيطين بدائرة مكتب الوزير، ومنهم من ذوي خبرة عملية طويلة وبعضهم من حملة الشهادات العلمية العليا، ولديهم اطلاع واسع بالقوانين والإجراءات التي يتطلب العمل بها وفق دستور الدولة المحدد بالنظام الأساسي.

وإذا كانت القرارات الوزارية الملغاة من قبل المحاكم المختصة في تزايد، ففي ذلك حاجة ماسة لدراستها من قبل الجهات المختصة، والتي يتطلب معها زيادة الوعي القانوني لدى الوزراء بأهمية تطبيق مبدأ الشفافية والوضوح عند إصدار القرارات، بحيث لا يشوبها شك في حيثياتها، ولا تكون بها مقاصد ظنية، ولا تعد قرارات تعسفية وضعت عن سبق وإصرار في النيل من مكانة الموظف المعني بالقرار الصادر، ومع ذلك فإن دراسة ما يعرض على المحاكم من تظلمات مرفوعة من قبل الموظفين كفيلة بتحديد مدى قدرة الوزراء على فهم القوانين الكفيلة بتسيير العمل وفق الإجراءات المتبعة الناصة عليها مواد النظام الأساسي كل في مجال اختصاصه. وبلا شك فإن المحاكم تستقبل الدعاوى المرفوعة من كل شخص اعتباري يعيش على هذه الأرض الطيبة، ومن ثم تصدر قرارها بالتأييد أو البطلان، ومع ذلك فهناك إجراءات تمنح المدعى عليه حق الدفاع عن نفسه من خلال استئناف قرار المحكمة، حتى لا يعد تقديم الشكوى إلى المحكمة مجرد فرصة من وجهة نظر الموظف في إلغاء قرار الوزير، بل يجب أن يكون لدى الموظف أيضا معرفة تامة بأن القانون الذي كفل الحقوق والواجبات للجميع لا يميز بين الموظفين أيا كانت وظيفتهم حتى ولو على رأس الوزارة المختصة، ومن ثم فإن الثقافة القانونية يجب أن تشمل الموظفين أيضا إلى جانب الوزراء أو المسؤولين بوجه عام، بما ينسجم مع روح القانون الذي يؤكد على منهجية الدولة الحديثة في السلطنة القائمة على العدل والمساواة دون تمييز.