هلال اللواتيا -
لم تزل ولا تزال المشاهد المؤلمة تنتشر في أرجاء غزة، تنتظر من أخوها الإنسان أن يمدها بيد العون والمساعدة، حيث الطفل اليتيم، والزوجة المرملة، والأم المثكلة، والاب الثكول، والزوج المتألم، والأسرة المنكوبة، والعائلة المسلوب عنها الراحة والطمأنينة، أجل إنها مشاهد تحمل مجموعة من الرسائل إلى الإنسان أيما كان، وفي أي زمن وجد، ومن تلكم هذه الرسائل ..
أولاً: ختم الشهادة.
فإنه لا يكاد أحد تفوت عليه مشاهد الألم التي تعيشها غزة، فهي شاهد على عصرها يوم تقف أمام ربها لتقول يا رب لقد شهد ألمي كل العالم، وقد ختمت على رسالتي بـ»شاهد على العصر»، وشهادة المظلوم على الإنسان في المحكمة الإلهية وإن كان هذا الإنسان ليس هو ظالمه تكون شديدة، لأنها تحيطه بمجموعة من التساؤلات، والتي منها .. ماذا فعلت حيال ظلامتي!.
ثانياً: حياة القلوب الحية.
إن المشاهد المؤلمة من طبيعتها أن تحرك مشاعر الضمائر الحية، وتبعث فيها الحياة، فهنا نجد من المآسي المروعة تحمل في ذاتياتها ما يحرك الضمير الحي نحوها، وبذل الجهد لمساعدة الإنسانية المظلومة والتي تمثلت في مختلف صورها في غزة، لذا فإن كانت هناك قلوب قد فقدت إحساسها ومشاعرها للآخرين فإن غزة قد أحيت هذا الشعور والإحساس، وما هذا الإحساس والشعور سوى نبض وكرامة الإنسانية الحية.
ثالثاً: التبصرة والوعي.
وما من مشهد في الحياة إلا وهو يحمل عبرة وحكمة؛ والمشاهد التي تمر على الإنسان ليست إلا درساً للفرد والمجتمع، والدروس الحياتية تكون عبرة لأولي الألباب والأبصار والعقول، فهل من مدكر، وغزة قد وسمت جبين التاريخ بسمة الكرامة ترافقها آلام الإنسانية وجراحاتها، فتوقظ العقل النائم، وتنبه اللب الغافل، وتلفت انتباه الفكر الملتهي بملذات الدنيا إلى ضرورة الاهتمام بشأن الإنسان المجروح، ليسعفه بالمساعدة التي يستحقها من غذاء، ودواء، ومسكن، وملبس وما هنالك من ضروريات العيش.
ومن هذا الوعي يفتح لنا باب كي يلهمنا أمراً مهما وهو: كيفية نصرة الإنسان في هذا العالم، وهنا أود أن أقف مشيراً إلى مسألة مهمة وهي:
إن نصرة الإنسان لأخية الإنسان أمر من ذاتيات الفطرة التي جبلت عليها البشرية، فإذا انتفت كان هذا دلالة على موت الضمير الحي، ودخول الإنسان في غيبوبة العقل والفكر، ولكن هذا لا يعني أن انتصار الإنسان للآخر أمر لا يخضع لضوابط إنسانية أو غيرها، كلا؛ فإن الأمر ليس مطلق العنان، فينتصر هذا لهذا كيفما كان، فيمكننا أن نلحظ هذه الخاصية الفطرية بلحاظين:
اللحاظ الأول: اللحاظ المعرفي التشريعي.
اللحاظ الثاني: اللحاظ العملي التنفيذي.
فإما اللحاظ الأول فإنه من الأهمية بمكان إذ يحتاج إلى إسناد معرفي متين وصحيح، تتوافق عليه البديهة العقلية، والضوابط الفطرية، والأسس الإنسانية، فلابد من أن تكون هذه الضوابط المعرفية بمستوى لا توقع الإنسان في محذور فعله، فيريد أن ينتصر لأخيه الإنسان إلا أنه لعدم وجدانه لتلكم الضوابط يقع في ظلم أخيه الإنسان، وهذا يعني أن على الإنسان أن يعرف الحق أولاً وبالذات، وأن يعرف أسس وضوابطه، وأن يعرف طرق تحقيقه بشكل جيد.
وأما اللحاظ الثاني فإن مجرد معرفة الحق غير كاف في تحقيقه خارجاً، فالاحتياج الآخر هو في كيفية تفعيله في الخارج، وهذه المهمة لربما تكون أصعب من المهمة الأولى، فهي تتعامل مع المتغيرات ومع نفوس مختلفة، وإدراكات متنوعة، وشخصيات متعددة، فيها الجاهل وفيها العالم، وفيها المدرك وفيها الغافل، وفيها المشتبه وفيها المتعمد، وفيها المخطئ وفيها المعتقد بصوابية طريقه، لذا على المرء أن يأخذ بأسباب نصر أخيه الإنسان قبل الإقدام على هذه المهمة الجميلة الرائعة الصعبة، فإن التوازن أساس النجاح.