المسلم مطالب بالتصالح مع ذاته وإصلاح أمره مع الله -
متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -
«العقيدة الصحيحة» تدفع إلى الخير وتحمي من الفتن والمسلم مطالب بالتصالح مع ذاته وإصلاح أمره مع الله .. هذا ما قاله فضيلة الشيخ خالد بن سالم الخوالدي في محاضرته «من أسباب السلامة في الدنيا والعقبى».
وأوضح الشيخ الخوالدي ان النبي صلى الله عليه وسلم ربى الصحابة على العقيدة الصحيحة التي رسخت فيهم الايمان الحقيقي والاخلاص لله تعالى لذلك ثبتوا أثناء بداية الدعوة على دينهم وعقيدتهم رغم الابتلاءات والفتن والايذاء الذي تعرضوا له من مشركي قريش.
وأشار فضيلته الى ان المؤمن دائما يخشى الفتن ولا يأمن الابتلاءات التي تؤثر في إيمانه وتضعف يقينه فيحرص كل الحرص على أن يحصن نفسه منها.
وبيّن الخوالدي أن الانسان لا يترك نعيم الدنيا بل يأخذ ما يسّره الله تعالى له منه لكن لا يظن بأن المنزلة بقدر نعيم الدنيا إنما منزلته تكون بقربه من الله جل وعلا وبعده منه .. وإلى ما جاء في الجزء الأول من المحاضرة.
تطرق الخوالدي في بداية محاضرته إلى أن الانسان خلق في هذه الحياة لغاية سامية وهدف نبيل وهي عبادة الله وتعمير هذه الأرض وفق طاعة الله لهذا خلقه ربه جل وعلا فالله جل وعلا ليس مفتقرا إلى الخلق ليخلقهم وليس محتاجا إلى إعانتهم ليستعين بهم بل خلقهم لأجل مهمة أرادها جل وعلا ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) فخلق الله تعالى هذا الخلق لأجل ان يؤدي هذه المهمة.
وان كل شخص يسير وفق المنهج الذي أراده الله في الطريق التي توصل إلى الغاية التي خلقه الله تعالى من اجلها هو شخص سائر وفق مراد الله، لكن يحدث ان الناس في هذه الحياة يتعرضون للكثير من الفتن والمغريات وللكثير من الصعوبات والعقبات والله جل وعلا خلق الحياة والممات لأجل ان يبلونا في اعمالنا «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا» هذه في حد ذاتها اشكالية أي ما قد يعرض على الانسان في هذه الحياة من الابتلاء من الفتن والمحن والمغريات وهذه الامور تزداد في كل يوم وتنظف على مريدي الخلاص والراغبين في طاعة الله حياتهم ونتكدر عليهم صفو عيشهم ويبقى الواحد مترددا امام هذه المكلفات والمغريات ولربما يحدث منه زلات وهفوات وهكذا يحتاج الانسان في اثناء مسيره في هذه الحياة الى ما يقوي ايمانه ويشحذ عزيمته ويجعله صامدا أمام هذه الفتن والتحديات.
ليس هنالك شخص من بني البشر معصوم من الخطأ الا ما جعل الله تعالى له العصمة واما بقية الناس فإنهم يصيبون ويخطئون ويتعرضون للفتن وتترادف عليهم الأزمات.
ويذكر الخوالدي، كان ابن مسعود رضوان الله تعالى عليه يقول «اقتدوا بالأموات فإن كل حي مفتون» أي عليكم ان تقتدوا بمن مات ممن تعرفون أنه مات على طاعة الله وعلى صلاح وخير واستقامة وفضل عرفتم ذلك احببتموه في الله جل وعلا وعرفتم سيرته وطاعته فإن كل حي مفتون اي الاحياء متعرضون للفتنة وللانحراف وللزيغ وهذا امر لا يقصد منه ابن مسعود رضوان الله تعالى عليه، كما هو معلوم ان يغض الناس الطرف عن الاقتداء بالأحياء من الناس، ولكن المعنى ان يحذر الأحياء ولا يغتر بما ربما يكون الواحد منهم قد وصل اليه من فضل او صلاح او خير فيظن انه بلغ المنزلة ويظن بأن الفتنة بعيدة عنه هذا غرور ورسول الله صلى اله عليه وسلم رغم انه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان اجل الناس اعمالا، كان يصلي بالليل حتى تتورم قدماه، فإذا ما كلم عن ذلك تفعل ذلك يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال افلا اكون عبدا شكورا، وكان صلى الله عليه وسلم يسأل ربه حسن الخاتمة وكان يسأل ربه الثبات على الطاعة «اللهم احسن عاقبتي في الامور كلها وأجرني من خزي الدنيا والآخرة» وكان يقول «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» ويقول «اللهم يا مصرف القلوب صرّف قلبي الى طاعتك» هذا فعل رسول اله صلى الله عليه وسلم فما بالك بفعل من هو دونه.
وجل العارفين بالله
ويسرد الخوالدي، كان عمر رضوان الله تعالى عليه كان في اخريات حياته يسأل حذيفة رضوان الله تعالى عليه يسأله بالله أن يخبره هل اخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم انه من المنافقين لان حذيفة كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اخبره عن اسماء اهل النفاق كان يعرفهم بأسمائهم فكان عمر يسأل حذيفة يقول له «أسألك بالله هل عدني رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولئك النفر من المنافقين الذين اخبرك بهم» فيقول حذيفة: «اللهم لا ولا ابرئ بعدك احدا».
هكذا كان السلف الصالح وجلين من اعمالهم يخشى احدهم الفتنة ولا يأمن من ان يبتلى بشيء من الازمات التي قد تؤثر في ايمانه وقد تضعف يقينه.
الانسان بنفسه بحاجة الى ان يهتم بذاته وبحاجة الى يعرف مساره وبحاجة الى ان يدرك ان حياته الحقيقية لا تكون الا في ظلال ما اراده الله تعالى منه فكل ما يحيط بالإنسان من امور المال او الوجاهة او الاهل او الولد او الى ما ذلك من اموال الدنيا الزائفة هي في الحقيقة لا تقدم ولا تؤخر ولا تنفع بشيء ان فسد حال الانسان مع ربه جل وعلا، ولذلك على المسلم دائما ان يحرص اتم الحرص على ان يهتم بذاته يهتم بنقاوة سريرته يهتم بإصلاح امره مع الله جل وعلا فإن المنازل لا تقاس بما حقق الانسان مع الناس ولا تقاس بما اكتسب الانسان من مباهج الدنيا وانما تقاس بمقدار قربه من ربه او بعده عنه «إن أكرمكم عند الله اتقاكم» هذه هي شرعة الاسلام.
ولذا يكون الغافل حقا من يتعلق بالسفاسف الدنيوية التي لا تقدم ولا تؤخر وينسى الاصل وهو إصلاح حاله مع ربه جل وعلا.
نحن لا نقول بأن الانسان يترك نعيم الدنيا بل يأخذ ما يسره الله تعالى له منه لكن لا يظن بأن المنزلة بقدر نعيم الدنيا ولا يظن بأن الحياة هي الانصراف الى نعيم الدنيا بل الحياة الحقيقية حينما يصلح الانسان ما بينه وبين الله، ولذلك نجد بعض العلماء العارفين كان يلتحف السماء ويفترش الارض ويأكل فتات الملح اليابس مع الملح الجريش ومع ذلك كان يقول «الحمد لله إننا لفي نعمة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف» هذه النعمة ليست نعمة المال لأنه معدم وليست نعمة الوجاهة لأنه ليست له وجاهة وإنما هي نعمة الصلة بالله نعمة الاطمئنان للقرب من الله جل وعلا وهذه هي التي تثلج الصدور وتنير الدروب وهي التي تريح النفوس وهي التي تجعل الانسان يشعر بسعادة ما بعدها سعادة.
هذه الطريق كلنا بحاجة الى ان نسير فيها كلنا بحاجة الى ان نهتم بها كل بحاجة الى ان نعتني بها اتم العناية لأنها طريق سعادتنا في هذه الدنيا و فلاحه في الآخرة كم من شخص نال مالا عظيما او وظيفة كبيرة او منزلة اجتماعية رفيعة او ولدا كثيرا او غير ذلك من اسباب الراحة الدنيوية التي يظنها الناس ولكنه مع ذلك كان اتعس الناس لأنه كان خالي القلب من الايمان بالله جل و علا خالي النفس من الصلة بالله فما اغناه ماله ولا وجاهته ولا منزلته ولم تشبعه هذه الامور جميعا ولم تملأ الفراغ الذي يسيطر على نفسه وفي الجانب الاخر تجد ان المعدم من هذه الامور يشعر بالسعادة لأنه حسن الصلة بالله.
الفتنة امر يعرض على كل واحد منا والملهيات والمغريات عن امور الطاعة يعرض على كل انسان ولكن ما الامور التي تعين الواحد منا ليسلم من هذه الآفات وليبعد نفسه عن هذه المؤثرات وليثبت امام الازمات التي تعترضه والمحن التي يلاقيها والملهيات التي تحاول صرفه عن المنهج الرشيد.
لا بد من العناية
وينبه الشيخ الخوالدي، هنالك امور لابد من العناية بها وكل واحد منا لا بد ان يعتني بها وهكذا المربي ان يربي بها اولاده و يربي عليها طلابه ويهتم بها غاية الاهتمام، وأول هذه الامور العقيدة السليمة لان العقيدة هي الاساس التي ترتكز عليها حياة الانسان وهي الضابط للسلوك وهي الدافع للعمل ايضا، فالإنسان كما هو معلوم افعاله وتصرفاته انما هي ترجمة لما يقتنع به من عقائد راسخة ومبادئ ثابتة تكتنفها نفسه وتسيطر على ذاته فإنك تجد بأن قناعات الانسان هي التي تحكم سلوكه في غالب الاحوال.
قد يكون في بعض الاحيان بعض المؤثرات الخارجية تؤثر على سلوك الانسان لكنها حالات فردية مثل الاكراه او الجبر لفعل ما لا يحب او النسيان في بعض الأحيان او الخطأ في بعض الاحيان بمعنى ان الانسان لا يفعل الفعل وهو يقصد الاتيان به وانما يفعله تحت تأثير، نقص في التفكير النسيان او اكراه وهذه الامور امور فردية قليلة ولذلك رفع الاثم فيها فالنبي صلى الله عليه وسلم «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» حتى ليست في الامور العملية بل حتى في الامور العقيدية كان بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم عذبهم المشركون عذابا ألما شديدا حتى يتفوهوا بشيء من السب للدين والنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من صبر كبلال ولم يمكنهم من شيء ابدا ومنهم من ناله عذاب شديد الى درجة انه لم يصبر كانوا يأتون بالحديد المحمي الذي يكون كالشهب ويجعلونها امام اعينهم حتى ان شحم اعينهم يكاد يذوب من شدة لهب النار ويقول له اكفر بمحمد وآمن باللات والعزى او امدحها او الى ما الى ذلك من الامور، فبعض المسلمين ضعف أمام ذلك الامر وتكلم بكلام فيه سب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما تكلم بذلك افلتوه فذهب إلى رسول الله يبكي ولا يعد نفسه إلا من الكافرين لان سب رسول الله كفر وسب الدين من الكفر عياذا بالله، فذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ما يرفع الاثم مع انهم تكلموا بشيء عظيم جدا «إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان» وقال له النبي صلى الله عليه وسلم «وإن عادوا فعد»، ماذا تصنع أمام الإكراه.
اما بقية سلوكيات الانسان تكون نابعة عن قناعة حتى العلاقات الاجتماعية تكون نابعة عن قناعات حتى الاختلاط بالناس واختيار الصاحب واختيار العلاقات الاجتماعية بين الناس، بل السلوكيات الخاصة الذاتية فيما يتعلق بالكلام والنظر والسمع والاكل والشرب والطاعات والمحرمات كلها تخضع للقناعات والعقيدة، فإذا كانت العقيدة راسخة مؤثرة فيه فإنها تدفعه الى الخير دائما واذا كانت العقيدة متهلهلة ضعيفة فإنها لا تؤثر فيه بل ربما لا تدفعه الى شيء لانه يعيش خواء داخليا لا تكون لديه القوة ليقوم بتلك الاعمال.
ولذلك نجد ان الرب سبحانه وتعالى لما اراد اعداد الرجال الذين سيحملون على عواتقهم عبء الدعوة كان التركيز في العهد المكي على جوانب العقيدة جوانب ترسيخ الإيمان نزلت سور القرآن كلها تقوي الجانب الايماني وكان اعداد رسول الله صلى الله عليه وسلم لشباب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في جامعة الاسلام الاولى في دار الارقم بن ابي الارقم كانت كلها اعداد عقدي.
والتكاليف العملية كثير منها فرض في المدينة بعد ان قوي المسلمون وتمكن الايمان من قلوبهم واصبح الواحد منهم جبلا شامخا لا تزعزعه الرياح ولا تلعب به الاعاصير الهوجاء هذا كله يدلنا على ان التركيز على الايمان بالله تعالى والعقيدة الراسخة منبع كل خير، لا بد ان يهتم الانسان ايما اهتمام بذلك.
فنحن عندما نقرأ في سيرة السلف الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى امورا لا يمكن ان تكون نابعة عن عواطف او صدف او اختيارات شخصية خاضعة للإرادات الذاتية بمعنى أن الانسان يقدر فيها ما ينفعه ويبتعد فيها عما يحب بل نجد ان تلك الصور الناصعة التي نقرأها في سيرة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كلها صور تدلنا على ان المحرك كان «الايمان» وهو الذي استحكم في نفوسهم وهو الذي طهر قلوبهم وهو الذي جعلهم اقوياء في وجه الفتن والمغريات وينبغي الا نظن ان حالهم كحالنا اليوم، نحن نشأنا في بيئة اسلامية، آباؤنا وأمهاتنا مسلمون وجيراننا واخواننا جميعا مسلمون وفي بلدة تمارس فيها شعائر الإسلام لكن هؤلاء لم يجدوا هذا انما وجدوا الكفر والاصنام التي تملأ ساحة الكعبة وجوفها وجدوا المشركين يقفون بالمرصاد لكل من نطق بالتوحيد بل مسألة إظهار العبادة ابن مسعود يقول «أدركنا زمانا في بداية الدعوة ما كنا نستطيع ان نصلي عند البيت، كنا نذهب الى شعاب مكة إذا اراد الواحد منا ان يصلي حتى اسلم حمزة وعمر رضوان الله تعالى عليهما خرجا بالمسلمين، يقول، فصلينا أول صلاة لنا عند البيت بشكل علني» كانوا في بيئة لا تعين على الخير وفوق هذا وذاك تعرضوا للكثير من الضغوط والأذى الذي كان يمكن ان يدفع بالواحد لو كانت عقيدته ضعيفة وايمانه متزعزعا كان يمكن ان يدفعه عن البعد عن الثبات على الدين لأنه يلحق به الكثير من الضرر لكنهم ثبتوا على الحق لانهم ربوا على العقيدة الصحيحة.
«مزجت حلاوة الايمان بمرارة العذاب»
ويذكر فضيلته عن الصحابي بلال بن باح رضوان الله تعالى عليه، كان يسحب على رمال مكة المحرقة و يضرب بالسياط ويرجم بالحجارة وتوضع على صدره الصخرة التي لا يطفئ حر لهيبها الا الصديد الذي يتصاعد من بدنه ويراوده سيده أمية ليقول كلمة الكفر لكنه لا يزيد عن نشيده الخالد «أحد أحد، أحد أحد»، ولما منّ الله تعالى عليه بالخلاص بعد ان اعتقه الصديق رضوان الله تعالى عليه كان المسلمون يسألونه: كيف تحملت وصبرت يا بلال على الأذى؟، فيقول مزجت حلاوة الايمان بمرارة العذاب فطغت حلاوة الايمان على مرارة العذاب فلم اكن اشعر بشيء مما يصنعون، هذه مرتبة عظيمة سامية ما وصل اليها بأماني وعواطف وانما وصل اليها بإيمان حقيقي.
كان الواحد منهم يتعرض لضغوط شديدة حتى من قبل اقرب الاقربين وضغوط الاهل عادة تكون بالغة على الانسان لانهم اقرب الناس اليه فيمكن ان يعينوه على الخير ويمكن ان يدفعوه الى الشر والانسان لا يستغني عن قرابته مهما كان ولذلك اذا ما اتحدوا عليه دافعين له نحو الخير اثر ذلك فيه وإذا ما اتحدوا عليه يدفعونه بذلك الى الشر اثر ذلك فهي ايضا والصحابة تعرضوا لمثل هذه الامور بل الرسول صلى الله عليه وسلم تعرض لذلك وفي وقت من الأوقات لم يبق له نصير من الناس الا من المسلمين الذين كانوا معه لكن رجالات قريش لم يكن احد منهم يقف بجانبه كان معه عمه ابوطالب وكان سيدا مهيبا مطاعا في قريش، ولكنه في وقت من الاوقات جاءه عمه يقول له ان قومك جاءوني، يقولون بأنك قد سببت آلهتهم وسفهت احلامهم وعبت دينهم فاترك هذا الامر يا بني ولا تحملني ما لا اطيق، ومعنى هذا الكلام، انني لا استطيع الوقوف بجانبك من كثرة ضغوط قومي ولا استطيع ان افقد قومي احب لك الخير ولكني ارى بأن هذا الطريق الذي تسلكه طريق لا استطيع تحمل هذه الضغوط أمامه ولا تحملني ما لا اطيق من مدافعة القوم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت امام هذا الضغط العظيم وعلم عمه وعلم الامة ان مصدر عزته من بين البشر وانما عزته يستمدها من الله سبحانه وتعالى وقال له «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله او أهلك دونه». هذا ثبات علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة.
ويذكر ايضا، مصعب بن عمير، كان شابا مترفا كان يلبس الثوب ليوم واحد وكان اذا مر من طريق عرف اهل مكة جميعا ان مصعبا قد مر منها لرائحة الطيب المميزة التي يعرفونه بها وكانت امه تكرمه وتغدق عليه وتدلـله، أسلم، فلما اسلم امرته أمه ان يترك الاسلام فأبى، فضغطت عليه من حيث يشتد عليه الوجع قطعت عنه الرفد والشخص الذي يتعود على الرفاهية لا يمكن ان يتأقلم مع انتقاله مرة واحدة من غنى الى فقر ومن جدة الى عدم او من ترف الى تقشف يمكن ان ينتقل الناس من هذه لهذه بشكل تدريجي اما بهذه الطريقة يتعب، ولكنه لم يرضخ لها ثم حبسته في بيتها ووضعت في يديه القيد ووضعت عليه الحرس واستطاع ان يتخلص من حبسها وتركها ومضى بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اول سفير في الاسلام ارسله الى المدينة فدعا اهل المدينة فآمن خلق كثير منهم على يدي مصعب الخير رضوان الله تعالى عليه.
ثم مضى متقشفا زاهدا في الدنيا، وان تعجب فعجب حاله حينما وقف في معركة أُحُد وهو يحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقط شهيدا في ميدان التضحية والفداء، عجبا حاله عندئذ حينما جاءوا ليكفنوه لم يجدوا عليه الا ثوبا واحدا ان غطوا به رأسه ظهرت قدماه وان غطوا به قدميه طهر رأسه رآه صلى الله عليه وسلم فبكى قال: «والله لقد رأيته وهو فتى بمكة وليس بين فتيان مكة من هو اترف منه وها هو ذا الآن وليس عليه هذا الثوب الذي ان غطيت قدماه به ظهر رأسه وان غطى به رأسه ظهرت قدماه» فأمرهم صلى الله عليه وسلم ان يغطوا به رأسه ويضعوا على قدميه شيئا من «الاذخر» وهو نبات. هذا لا يمكن ان يكون بمجرد عواطف ولكن هنالك عقيدة تدفع الى ذلك، كان الواحد منهم يتعرض للفتنة عن دينة يتعرض لفتن شديدة ليس فقط من قبل الاقارب بل من قبل اعداء الاسلام ومع ذلك لا يرضخ لذلك، قد يتعرض لضغوط يمكن ان تهفو اليها النفس البشرية ضغط المال او الوجاهة او حب الدنيا او ما الى ذلك من الامور ولكن لا يساوم بالعقيدة ابدا.