عاصم عبدالخالق –
assem@ahram.org.eg –
القاعدة السياسية المستقرة في إسرائيل تقول إن الفوز في الانتخابات يمر فوق أشلاء الفلسطينيين.
كلما تبارت الأحزاب في الدعوة إلى قتل المزيد من الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتدمير أرزاقهم، كانت فرصها أكبر في الحصول على أصوات الناخبين.
وكلما أوغلت الحكومة القائمة في إراقة الدم الفلسطيني زادت حظوظها في إعادة انتخابها.
وطبيعي أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو الذي يستوعب ذلك لن يدخر وسعا في القيام بكل المطلوب منه حتى موعد الانتخابات المبكرة في السابع عشر من مارس المقبل.
التصعيد ضد الفلسطينيين تحكمه دائمة علاقة طردية مع الانتخابات الإسرائيلية، وكلما اقتربت الانتخابات زادت وتيرة العدوان. ولن تكون المعركة الانتخابية الحالية استثناء من هذه القاعدة التي التزم بها السياسيون في إسرائيل على الدوام.
لا يعني هذا أن العدوان على الفلسطينيين لا يتم إلا بصورة موسمية، ذلك أن القيادات الإسرائيلية باختلاف انتماءاتها الحزبية لا تنتظر سببا ولا موسما لشن حربها الهستيرية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. ولكن في فترة الانتخابات وما قبلها يتم توظيف العدوان بصورة واضحة لتحقيق أهداف سياسية داخلية محددة.
بدأ نتانياهو مبكرا تنفيذ هذه الأجندة السياسية المخضبة بدماء الفلسطينيين مع تفاقم الأزمات الداخلية التي تحاصره، وزيادة حدة الانتقادات الدولية له بسبب تعنته في عملية السلام التي قضى عليها قضاء مبرما. وكان واضحا منذ أشهر أن التفاعلات الداخلية والموقف السياسي المأزوم سواء داخل الائتلاف الحاكم أو على صعيد المشهد السياسي الإسرائيلي عموما تقود إلى نتيجة واحدة هي الدعوة إلى انتخابات مبكرة، ومعها بدأ نتانياهو سلسلة من الإجراءات العدوانية لإنقاذ شعبيته المنهارة.
لم تكد نيران حرب غزة تخمد حتى نقل المعركة، بصورة مختلفة، إلى الضفة عبر عمليات الدهم العشوائية والاعتقالات وهدم البيوت ثم قتل المدنيين بأيدي المستوطنين في جرائم بشعة لم تتعامل معها السلطات الأمنية بجدية.
ووصل الاستفزاز إلى قمته بإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين في سابقة لم تحدث من قبل. ثم أخيرا قتل الوزير الفلسطيني زياد أبو عين بدم بارد خلال مظاهرة شارك فيها ضد الاستيطان. ولم يتوقف نتانياهو وفريقه المتطرف خلال هذه الفترة عن التوسعات الاستيطانية في القدس وباقي أنحاء الضفة الغربية.
ومن المؤكد أن نتانياهو لا يقدم على هذا التصعيد لمجرد إشباع رغبته الهستيرية في الانتقام وسفك دماء الفلسطينيين (وهو ما يحدث يوميا) ولكن له أهداف سياسية محددة بدقة يسعى إلى تحقيقها.
وبجانب تدعيم شعبيته وتقديم نفسه إلى الرأي العام باعتباره الزعيم القومي القادر على مواجهة الفلسطينيين وقمعهم، يسعى نتانياهو جاهدا إلى مغازلة الأحزاب اليمينية المتطرفة التي يعرف من الآن أنه لا مفر أمامه سوى التحالف معها إذا أراد إعادة تشكيل الحكومة المقبلة بعد الفوز الذي يتوقعه في الانتخابات.
ولأنه يتوقع أن يؤدي الضغط المستمر على الفلسطينيين إلى ردود فعل انتقامية بصورة فردية أو جماعية من جانبهم فإنه يستعد لتوظيف هذا التطور أيضا بمزيد من الضربات الموجعة التي سيتم تسويقها إعلاميا بالزعم أن الدولة تواجه معركة إرهاب حقيقية، (كان قد أطلق عليها منذ أسابيع اسم معركة القدس) وما دامت الدولة في حالة حرب فإن كل الصفوف يجب أن تتراص وتحتشد خلف القيادة الحالية لمواجهة الهدف الأكبر وهو الانتصار في هذه الحرب.
بعد ذلك تأتي المعارضة من اليسار ( العمل) ويمين الوسط (كاديما) حيث يسعى نتانياهو لسحب البساط من تحت أقدام قادتها وتجريدهم من أهم الأسلحة التي يحاربونه بها وهو الفشل على صعيد مسيرة السلام ومباحثاته.
ويضمن له إشعال الموقف في الأراضي المحتلة إسكات الأصوات الإسرائيلية المنادية بإحياء مسيرة السلام. فلا مجال للتفاوض في وقت تدور فيه رحى حرب وجود كما يريد أن يصورها.
هذا الهدف تحديدا، أي إسكات الأصوات المزعجة المطالبة بالتفاوض، هو أغلى وأهم أهداف نتانياهو في الواقع. وهو ليس فقط مكسبا ينتزعه من المعارضة الداخلية بل ورقة مهمة يلوح بها في وجه المطالبات الأمريكية اللحوحة بإحياء عملية السلام واستئناف المفاوضات. ولا شك أن الموقف الأوروبي أيضا سيكون حاضرا بقوة في ذهن نتانياهو بعد أن توالت اعترافات البرلمانات الأوروبية بدولة فلسطين، ثم قرار المحكمة الأوروبية بعدم اعتبار حماس منظمة إرهابية. هذا التطور يضعف نتانياهو كثيرا أمام خصومه الداخليين الذين يحمّلونه مسؤولية هذه الكارثة الدبلوماسية بسبب إفلاس سياسته الخارجية تماما.
رسالة نتانياهو، الذي لا يعنيه سوى دق المسمار الأخير في نعش مفاوضات السلام، هي أن الوقت ليس وقت تفاوض بل وقت حرب دفاعا عن النفس. وهو يأمل أن تستغرق هذه الحرب الجديدة العامين الأخيرين المتبقيين على انتهاء رئاسة الرئيس الأمريكي بارك أوباما.
ولا شك أن نتانياهو يدرك أن أوباما الذي لا يبادله مشاعر الود أصبح محاطا بكونجرس مناوئ بأغلبيته الجمهورية. وأنه مثل كل الرؤساء الأمريكيين الذين مروا بهذا الوضع لا يكون أمامه الكثير ليفعله داخليا، ومن ثم يركز جُل اهتمامه نحو تحقيق إنجاز على صعيد السياسة الخارجية.
ومن المؤكد أن تكون القضية الفلسطينية أحد أهم الملفات الخارجية التي يحاول الرئيس الأمريكي أن يفعل شيئا بشأنها وهو ما يثير قلق وانزعاج نتانياهو بطبيعة الحال.
لذلك فإنه يتعمد إشعال التوتر في الأراضي الفلسطينية في هذه التوقيت بالذات، لتسميم الأجواء وإيجاد مناخ من العداء والتوتر يستحيل فيه إجراء أي مفاوضات.
كل ذلك يعني أن الأوضاع في الأراضي المحتلة ستبقى مشتعلة إلى أن تنتهي الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وإلى أن يطمئن نتانياهو إلى أنه تم وأد جهود السلام تماما. وهذا أهم بند على جدول أعماله المخضب بدماء الفلسطينيين.