العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون في العالم العربي

السفير د. عبدالأشعل -

ولذلك لابد أن نوضح العلاقة بين هذه المفاهيم من الناحية النظرية ثم نختار منها ما يصلح لبداية متواضعة فى بلادنا رغم أن العالم العربى لا ينقصه شيء لكي يكون فى القمة بين أمم الأرض سوى الوعي والشجاعة وأدب الخطاب وغياب الانتهازية، وتكريس المصلحة العليا لدى الحاكم والمحكوم، وهذه كلها تنضج الآن على وقع التجارب القاسية التى يمر بها العالم العربى ونأمل أن يساعد الحاكم العربى على الوصول إلى المستوى المطلوب سلماً بدلاً من الثورة والفوضى والإرهاب وكلها بدائل انسداد الأفق وضياع البوصلة واستخدام القوة الخرقاء لقمع الأراء والمخالفين وتنميط النظم السياسية وهذا أمر مستحيل فى ظل انسياب وسائل الاتصال وشحنها للمواطن بعيداً عن إعلام السلطة الذى أصبح محسوباً عليها.

الديمقراطية هى توفير القدرة عند المواطن على اختيار ممثليه فى المجالس النيابية وقدرة هؤلاء الممثلين على محاسبة الحكومة فى نظام يستقل فيه القضاء ويستقيم فيه عود القانون، الذى يصدره الممثلون للمصلحة العامة. وهناك صور ومستويات وأدوات مختلفة للديمقراطية ولكن جوهرها جميعاً الحرية والمساءلة.

أما حقوق الإنسان فهى مجموعات الحقوق المرتبطة به كإنسان وتبدأ بالحق الطبيعى فى الحياة والحرية وما يلزم الحياة والحرية من حقوق ومكونات تتعلق بمشاركته فى الحكم والرأى والتعبير وبحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ومادامت هذه حقوق فلابد أن يكون الحاكم هو الطرف المطلوب منه الآداء ولكن معظم الحقوق الفردية مرتبطة بإدراك المجتمع بأنه لحمة واحدة، فإذا صلح المجتمع صلح الحاكم، ولا شك أن كل هذه الحقوق يجب أن تكفلها التشريعات الدولية والوطنية وأن يعرفها المواطن وأن يعرف طرق المطالبة بها على أنها حقوق وليست منحة من الحكومة، وأن يكون هناك قضاء يساند هذه الحقوق ويقيم العدل ويطمئن الناس إلى أنه الملاذ الأخير ضد انتهاك هذه الحقوق.

أما حكم القانون فيعنى الاحتكام إلى القانون وحده، ولكن أظهرت تطبيقات هذا المبدأ أن من السهل وضع القانون ومن السهل تطويع القانون ومن السهل تفسير القانون وتطبيقه لكي يكون أداة فى قهر المحتكمين ولذلك فإنه يقصد بحكم القانون أن تضع القانون هيئة تشريعية محترمة وأن يحوز على رضى المجتمع وأن يجتهد الفقهاء فى تقديم التفسيرات التقدمية وليس التعسفية له بما يحقق الأهداف التى وضع من أجلها حتى يسهل الطريق إلى العدالة وأن يطبق القانون على الحاكم قبل المحكوم وبإجراءات واحدة وبمفهوم واحد وأن تطبق القانون هيئة قضائية توفرت لها كافة ضمانات العدالة وهى حسن تكوين القضاة من الناحية العلمية وتفرغهم للقضاء بعيداً عن السياسة والإعلام والمصالح وأن يدركوا أنهم يمارسون وظيفة من وظائف الله سبحانه وهى العدل وهو أساس الملك فإذا اختل العدل فى ايديهم ضاع الملك وفني المجتمع. كذلك يجب أن يتمتع القضاة بعد الكفاءة والعلم والمهنية والاستعداد الفطري للقيام بالمهمة، بالاستقلال الكامل عن المصالح والنوازع والتدخلات لأن القاضي فى حكمه يضع ميزان الحق بين المتخاصمين ولذلك فإنه عندما يخرج من الدنيا فسوف يحمل معه وزر قضائه المنحرف والدنيا موصولة بالأخرة ولا تزر وازرة وزر أخرى يوم لا ينفع مال ولا بنون لأنها جميعاً من عرض الدنيا. ثم أن يكون لدى القاضي الشجاعة إذا أخطأ فى الرجوع إلى الحق فالحق أحق أن يتبع وأظن أن ذلك كله جزء من أدب التقاضي فى الإسلام.

فإذا فرغ القاضي من حكمه انتهت مهمته وصار الحكم فى يد السلطة التنفيذية التى يجب أن تحترم استقلال القاضي وأن تحترم القانون الذى يطبقه، الموضوعي والاجرائي وأن تلتزم بحكم القانون إذا كان فى مواجهتها لأن استقرار العدل فى النفوس يبعث الطمأنينة بالمجتمع والاستقرار فى الوطن وهي الوظيفة الأولى للحاكم. ويجب على السلطة التنفيذية أن تطبق القانون على اساس المساواة وألا يؤدي التطبيق المنحرف أو اغفال التطبيق إلى أهدار الاحكام القضائية.

ومن المؤكد أن السلطة التنفيذية فى المجال الدولي تمثل الدولة وهى مسؤولة عن أعمال القضاء خصوصاً إذا انتهكت الأحكام التزامات دولية وداخلية مستقرة، ويصبح نقد الدول الأخرى للأحكام أو لطريقة التنفيذ مبرراً للنظر المتدني إلى قيمة الدولة فى نظر المجتمع الدولي.

تلك هى عناصر مبدأ حكم القانون، وهذا المبدأ يتحقق فى النظم الديمقراطية الحقيقية، كما أن هذا المبدأ هو الضمانة الحقيقية لاحترام حقوق الإنسان وحرياته الاساسية، بل ان هذا المبدأ يكفي وحده فى انهاض الأمة حتى لو تعثرت صور الديمقراطية، لأن هذا المبدأ يؤدي بالمجتمع إلى دروب الديمقراطية.

وحكم القانون لابد أن يزدهر فى مجتمع يحرص عليه ويدافع عنه ضد الاعتداء عليه من السلطة أو من الأفراد فى المجتمع، فقد ثبت أن الضبط الاجتماعى احياناً اقوى من القانون فما بالنا إذا ترجم الضبط الاجتماعي إلى قانون يحكم العلاقة الموضوعية بين الجميع وتحرسه تقاليد الحرص المتبادل على اعراف المجتمع وتماسكه وسلامته.

إذا استحالت الديمقراطية، فليكن حكم القانون بالمعنى الذى قدمناه كافياً وبديلاً فى هذه المرحلة ولكن إذا تواطأت أجنحة السلطة على هذا المبدأ وفرضت مفهومها بالقهر على المجتمع، فإن الخطر يتزايد على الدولة والمجتمع، وسوف ينفجر المجتمع بالضرورة لأن المدخلات إليه أكبر بكثير من حالة الاحتباس والقهر التي تجبره على التغاضي عن هذا المبدأ.

وعلى المجتمعات العربية أن تختار العناصر المناسبة لها وفق تطورها الاجتماعي والقانوني من هذه المبادئ الثلاثة وأن يكون ذلك وفق برنامج متدرج يكون وسطاً بين الجمود والفجاءة لأن هذه المفاهيم مرتبطة بتطور المجتمع وتطور العلاقة بين الحاكم والمحكوم ومبدأ سيادة القانون أو حكم القانون هو الأقرب إلى العدل والشريعة الإسلامية التى تطبقها الدول العربية. ولا ضير مطلقاً أن يكون الإطار العام واحداً فى العالم العربى ولكن تختلف مستويات السرعة والآداء فى نطاق هذا الإطار العام.

والحق أن الرسالة التى بعثت بها حركات الشعوب فى العالم العربي يجب أن توضع فى مكانها دون التطرف فى تفسيرها والسؤال الذى يفصل بين نظريات المتطرفين هو ما إذا كانت الأوضاع تبرر المطالبة بما بعثت به هذه الثورات أم أن ذلك كان تجلياً على الحكومات. وقد أشرنا فيما سبق أن احتباس العدل جريمة فى الدنيا والآخرة ولكنه مدعاة إلى التطرف والإرهاب، ولذلك فإن انسجام المجتمعات العربية مع حكامها من أجل الصالح العام يؤدي إلى انسجام الدول العربية مع العالم الخارجى ومعايير القانون الدولي، ولا يجوز مطلقاً أن تتخلى الدول العربية عن العدل بل تعاقب المطالبين به وتعذبهم فلم تعد الشعوب العربية كما كانت فى السابق كما أن ثقتها في حكامها مهما كان مستوى العلاقة بينهما هو الذى يحفظ التطورات من الانفجارات والمؤامرات وهو الذى يصون المجتمعات العربية مما تعتمد به المنطقة من فتن وتحولات.