«دولة الخلافة».. مخلب قط لتمزيق المنطقة العربية

وائل الليثى -

لقد ظهر تنظيم داعش الإرهابي للمرة الأولى في أبريل 2013، وقدم على أنه نتيجة اندماج بين تنظيمي «دولة العراق الإسلامية» التابع لتنظيم «القاعدة»، و»جبهة النصرة» السورية، إلا أن الأخيرة رفضت الاندماج على الفور، ما تسبب في اندلاع معارك بين الطرفين في يناير الماضي ولا تزال مستمرة حتى اليوم في بعض مناطق سوريا. واعترض داعش علناً على سلطة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ورفض الاستجابة لدعوته إلى التركيز على العراق وترك سوريا لجبهة «النصرة». وحقق تنظيم الدولة الإسلامية الذي يقاتل الجيش السوري والميليشيات الكردية وقوات العشائر السنية مكاسب سريعة فى سوريا منذ أن سيطر على مدينة الموصل أكبر مدن شمال العراق يوم العاشر من يونيو الماضي وأعلن الخلافة الإسلامية في الأراضي التي يسيطر عليها في سوريا والعراق.

وآثار تنظيم داعش الإرهابي، الذي يوصف بأنه أكثر تطرفا من تنظيم القاعدة، جدلا طويلا منذ ظهوره في سوريا حول نشأته وممارساته وأهدافه وارتباطاته، الأمر الذي جعله محور التحاليل والتقارير في الصحف والإعلام، والثابت أن داعش هو تطور لفرع القاعدة بالعراق الذي كان يعاني من الضعف حتى قبل انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011، لكنه خرج عن سيطرة القاعدة العام الماضي، ولكن ما السر في ظهوره المفاجئ بتلك القوة ومن أين جاء بأسلحته، وربما لا يخرج الاتهام عن أحد احتمالين الأول النظام السوري لكي يستخدم في الفتك بالمعارضة بفصائلها المدنية أو الدينية، وهناك أيضا الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل اللتين من مصلحتهما تقسيم العراق وإضعاف سوريا بل وإدخال المنطقة في دوامة صراع قد يتحول إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة تضعف الطرفين.

وللتدليل على الاحتمال الأول نجد أن التنظيم يخوض معارك على أكثر من جبهة في الداخل السوري، واحدة ضد «النصرة» وثانية ضد «الجيش السوري الحر» التابع لائتلاف المعارضة السورية، وثالثة ضد الأكراد السوريين الذين قرروا إقامة نوع من الحكم الذاتي في مناطقهم في شمال سوريا، هذا بالإضافة إلى سيطرته على حقول للنفط، مما حرم المعارضة من مصدر تمويل رئيسي. وفى فبراير الماضي، تمكن مقاتلو داعش من اغتيال ممثل الظواهري في سوريا المدعو أبو خالد السوري بتفجير مقره في مدينة حلب. وهنا نرصد ظهور بعض الدعوات حاليا في الغرب إلى إعادة النظر في التعامل مع نظام بشار الأسد باعتباره الأقل ضررا حاليا، مما يعنى نجاح الخطة وتغير المعادلة لصالحه حتى لو على المدى القصير.

أما الاحتمال الثاني الخاص بالولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل نجد أن الغزو الأمريكي للعراق هو الذي جر البلاء عليه وعلى المنطقة بأسرها، وكرس لتقسيم العراق بين الشيعة والسنة والأكراد، خاصة بعد تمكين الشيعة الذين أقاموا نظاما طائفيا بامتياز همش السنة وساعد على تمدد داعش. وإذا كان التقسيم هدفا فليس أفضل من أن يتم ذلك بأيدي العراقيين أنفسهم، لتقوم محل العراق كيانات صغيرة ضعيفة متناحرة فيما بينها.

وقد عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن ذلك خلال حديثه لبرنامج «واجه الصحافة» على محطة «إن بي سي» الأمريكية في يونيو الماضي عندما تطرق إلى قضية داعش، قائلا إن نظامه سيواصل نشر الاضطراب الداخلي في الدول المجاورة لإسرائيل، وضرورة إضعاف السنة والشيعة معا بتغذية الاقتتال بينهما.

وفى إطار تنفيذ المخطط الطائفي، بدأ داعش بعد وقت قصير من إعلان «دولة الخلافة» تهجير المسيحيين من الموصل إلى مناطق بغداد والمناطق الكردية في شمال العراق، كما استهدف الطائفة الأيزيدية، واستعاد أسلوب الزرقاوي بتنفيذ إعدامات بحق عناصر من جماعات أخرى منافسة وقطع رؤوسهم في الساحات العامة، ثم لم يلبث أن بدأ في اعتقال الضباط السابقين في الجيش العراقي، مما أدى إلى توتر كبير مع «حزب البعث» العراقي واندلاع اشتباكات بين الجانبين يحتمل أن تتوسع.

وبعد هذا التمدد الجغرافي الكبير للتنظيم، اعتمد التنظيم تنويع مصادر دخله لتمويل عملياته ودفع رواتب مقاتليه، وصار يبيع بأسعار منخفضة النفط الخام والبنزين من الحقول والمصافي النفطية التي استولى عليها في سوريا والعراق. كما فرض رسوما على محطات بيع الوقود بالتجزئة، وعلى المركبات والشاحنات، فضلا عن ابتزاز أموال الشركات والمؤسسات المحلية في المناطق التي يسيطر عليها.

ومن الطبيعي أن يكون لهذا التنظيم تأثيره على أماكن ودول أخرى في المنطقة، فقد ظهر في مصر أيضا بعدما أعلن تنظيم «أنصار بيت المقدس» مبايعته للدولة الإسلامية (في العراق والشام سابقا)، وزعيمها وخليفتها المعلن أبو بكر البغدادي، واعتبر التنظيم المصري نفسه ذراعا لتنظيم الهلال الخصيب في مصر.

وتبنى التنظيم الذي أطلق عليه تنظيم «الدولة الإسلامية (داعش) – مصر» الهجوم الإرهابي الذي استهدف نقطة حرس الحدود في مدينة الفرافرة بالصحراء الغربية الشهر الماضي.

ويرى مسؤول أمني أن «داعش» تريد مجرد «موطئ قدم» وعمليات تحمل بصمات لها في مصر، حتى وإن كانت مصطنعة، ومن دون قدرة حقيقية منها على الوجود الفعلي على أرض مصر، بحسب تعبيره. وربما يرجع هذا لوجود دولة متماسكة وقوية في مصر مقارنة بالدول الرخوة التي انتشر فيها، لكن ذلك قد لا يمنع قيام التنظيم بأعمال إرهابية مفاجئة من وقت لآخر.

وإلى ليبيا التي تخوض غمار حرب أهلية طاحنة، قد يجد المتطرفون الإسلاميون وتنظيم داعش أيضا الفرصة سانحة لبسط سيطرتهم ، فقد أكد المتحدث باسم الجيش الليبي مشاركة مقاتلين من داعش من مصر والجزائر وفلسطين وجنسيات أخرى في المعارك الأخيرة التي شنها المتطرفون ضد الجيش الليبي في بنغازي، لكنه أكد استمرار عملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر ضد المتطرفين. ولاستشعار مصر والجزائر الخطر الليبي فقد شكلتا لجنتين أمنية وسياسية لمتابعة الوضع في ليبيا وتداعياته على البلدين.

وإلى الغرب أيضا وتحديدا في المغرب، وضع «داعش» قدمه فعلياً هناك بعد أن أعلن تنظيم القاعدة هناك تخليه عن التنظيم الأم وانضمامه، وانتقد التنظيم في المغرب ضمنياً قيادة القاعدة وفروعها.

وإلى الأردن التي تعد في طليعة الدول المهددة بخطر «داعش»، نظراً لتنامي التيارات الإسلامية فيها، وخصوصاً تلك المتطرفة منها. فقد حذرت مراكز الأبحاث الأمريكية من استهداف وشيك للمملكة الهاشمية، البوابة الوحيدة المطلة على البحر للدولة الإسلامية في العراق والشام.

وخليجيا، تخشى السعودية من نشاط داعش الإرهابي وعززت من إجراءات تأمين حدودها خاصة الشمالية، فى ظل وجود فرع لتنظيم القاعدة في اليمن قد ينضم إلى داعش ويهاجمها من الجنوب. كما ساعدت المملكة لبنان أيضا في مواجهة خطر داعش، حيث رصدت مليار دولار لتقوية الجيش اللبناني لكي يتسنى له مقاومة تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يسعى إلى التوسع باتجاه شاطئ البحر المتوسط، وربما كان اشتباك عرسال الأخير مجرد «بروفة» لذلك.

وكان الموقف التركى مما يفعله داعش غريبا، حيث أنه سيصب في مصلحة الأكراد العراقيين الذين قد يستغلون الفرصة لإعلان دولتهم المستقلة وهو الأمر الذي كان من المحرمات لدى تركيا، بل على العكس لم تقدم تركيا أي مساعدة في الضربات الجوية الأمريكية ضد داعش وأبدت مرونة بشأن استقلال الأكراد الذين أصبحوا الحليف الأفضل لها في العراق بعد توقيع اتفاق تصدير البترول عبر تركيا.

ولطالما شكل رفض استقلال كردستان نقطة تقاطع بين كلٍ من العراق وتركيا وإيران، لكن هذا الاستقلال سيكون في هذه الحالة خطراً دائماً على إيران وسوريا.

وبالطبع إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، فمن المرجح أن تساعد الحكومة المركزية فى بغداد لمواجهة خطر داعش بالسلاح وربما الرجال، وكذلك استخدام نفوذها لدى بغداد لمنع احتمال استقلال الأكراد.

وربما لا بد أن يكون الحل لمعضلة داعش عربيا فقط، حيث حذرت مجلة «نيوستيتسمان» البريطانية من مغبة تدّخل الغرب عسكريا للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وقالت إن القضاء على هذا التنظيم لن يكون إلا بقيادة عربية إسلامية.

ويؤكد الصحفي البريطاني صني هاندال في مقاله بالمجلة أن داعش واحد من أسرع التنظيمات الإرهابية نموا وأكثرها ثراء على الإطلاق بفضل أعمال الابتزاز والتهريب وسرقة الأموال من البنوك والاستيلاء على حقول النفط وبيع منتجاتها في السوق السوداء، بالإضافة إلى استيلائه على ترسانة من الأسلحة العصرية من الجيش العراقي، مما أجبر القوات الكردية (البيشمركة) رغم تدريبها الجيد على التراجع أمامه في بعض المعارك. وأشار إلى أن التدخل الأمريكي سيأتي بنتائج عكسية وقد يكسب التنظيم مزيدا من التعاطف، كما أن الضربات الجوية لن تقضى عليه والتدخل البرى محفوف بالمخاطر. ولكن الأمر الذى يطرح نفسه بشأن التحرك العربي والإسلامي الموحد ضد داعش، وهو الحاجة إلى اتفاق تام على الهدف والوسيلة وهو ما لم يحدث بعد، فمتى سيفيق العرب والمسلمون قبل فوات الأوان وضياع الأوطان؟