ترجمة قاسم مكي –
الإيكونومست –
حين سكتت المدافع حول غزة قبل شهر، تباهت حماس بأنها كسبت حربها التي امتدت لخمسين يوماً مع إسرائيل. ولكن بعد مسيرات النصر ها هي يتم إجبارها الآن على الانسحاب التكتيكي إن لم يكن الاستسلام وذلك في مساومة لتقرير مستقبل القطاع الذي حاق به الدمار. لقد استسلم قادة حماس في لقاء برئاسة المخابرات المصرية في القاهرة يوم 25 سبتمبر لشروط وضعتها السلطة الفلسطينية ومصر من أجل الشروع في إعادة إعمار قطاع غزة. ووافقت حماس على نقل السيطرة على المعابر الحدودية والجهاز الحكومي ومسؤولية إعادة الإعمار إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وإلى ثلاثة آلاف فرد من حرسه الرئاسي. ويقول المسؤولون الفلسطينيون: إن الاتفاق نصَّ أيضاً على انسحاب قوات حماس من منطقة فاصلة بحوالي خمسة كيلومترات على طول الحدود مع مصر. ويقولون: إن لجنة ستبدأ خلال أسبوعين إجراءات فحص وتدقيق الموظفين الحكوميين التابعين لحماس وأن ضباطا مصريين سيبدأون خلال ثلاثة أشهر في غربلة قوات حماس الأمنية بغرض تشكيل قوة مسلحة واحدة تحت قيادة عباس. وكل هذا يزيد كثيراً عن اتفاق المصالحة حول اقتسام السلطة الذي سبق أن أعلنت عنه في ابتهاج الجماعات الفلسطينية المتنافسة في أبريل 2014. لقد حصلت حماس منذ ذلك الوقت، بفضل الحرب مع إسرائيل، على دعم شعبي. (وهي حرب كان أحد أسبابها رفض إسرائيل لاتفاق الوحدة). وبدا عباس وقتها عاجزاً في نظر العديد من الفلسطينيين بعد أن بقي على هامش الصراع. فهو غير قادر على جلب السلام عبر المفاوضات مع إسرائيل، ورغماً عن ذلك، غير راغب في محاربة المحتل. والآن ومع توقف القتال يبدو عباس عازماً على إعادة بسط نفوذه. إنه في الواقع يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ليس فقط لأسابيع ولكن لسنوات فيما هو يسعى لاستعادة سيطرته على غزة. وهي سيطرة كان قد فقدها في صدام مسلح استمر لأربعة أيام مع حماس في عام 2007. لقد ذكر عباس في اجتماع مع رجال أعمال من غزة أواخر سبتمبر في رام الله أن مسؤولي السلطة الفلسطينية لن يعودوا إلى غزة حتى تتخلى حماس عن حكومة « الظل». وقال: إنهم لن يهينوا وزراءه مرة أخرى كما حدث حين استقبلوا وزير صحة السلطة في أثناء حرب غزة بالطماطم. ونقل أحد المشاركين في الاجتماع أنه قال لهم إذا تردد قادة حماس «فيمكنهم أن ينسوا إعادة الإعمار». وأضاف: «دعوهم ينتظرون حتى موسم هطول أمطار الشتاء حين ينقلب على حكام حماس مائة ألف فلسطيني تركتهم الحرب في العراء». كوادر حماس، الغاضبة من التضحية بالمئات من الرجال والأقارب في حرب انتهت بحصار لا يزال قائماً، ارتاعت من شروط عباس وتشككت في إمكانية تطبيقها. أما موافقة عباس على تقديم أجور جزئية لما يصل إلى 25 ألفاً من موظفي الخدمة المدنية، ولكن ليس لأي فرد من أفراد الأمن والاستخبارات (15 ألف فرد)، فلم تفعل شيئا سوى زيادة سخطهم. لقد قللت صحف حماس من قيمة الاتفاق وتحدثت فقط عن العموميات. كما تجنب وعاظها الإشارة إليه في خطب الجمعة. وكذلك فعل الموقع الإلكتروني لجناحها العسكري(ألوية عز الدين القسام). ويقول قادة حماس: إن انفجاراً ربما يقع إذا لم تحدث إعادة الأعمار. ولكنهم يزعمون أن مثل هذا الانفجار سيوجه ضد إسرائيل وليس ضدهم. وضمن استعداد محتمل لجولة أخرى من القتال، شوهد أفراد ميليشيا حماس، وهم يضعون إعلانات تدريب خارج المساجد لإنشاء «جيش شعبي.» ويشكو بعض الكوادر من أن حماس لا تضحي فقط بمواقعهم العسكرية ولكن أيضا بالمبادئ، بما في ذلك رفض الاعتراف رسميا بإسرائيل. وذكر المفاوضون أن الاتفاق يرقي إلى أن يكون التزاماً من حماس تجاه دولة فلسطينية تنشأ إلى جانب إسرائيل على أساس حدود 1967 التي تعود إلى تاريخ سابق لاحتلال إسرائيل غزة والضفة الغربية. ولم يتضح حتى الآن ما يعنيه هذا بالضبط. فحماس تطالب بكل إسرائيل والأراضي الفلسطينية. ولكنها في السابق قالت: إن إيجاد دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة سيكون ممكناً في مقابل وقف طويل الأمد لإطلاق النار، وليس اتفاق سلام دائم يعترف بشرعية الدولة اليهودية. وربما ما هو أهم من ذلك أن كبير مفاوضي حماس في القاهرة موسى أبو مرزوق اقترح أيضاً أن تنظر حماس في إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بدلاً عن المفاوضات غير المباشرة الحالية. وحتى الآن لدى حماس خيارات قليلة. لقد فقدت قدراً كبيراً من قوتها المالية والعسكرية. كما أن مصر ناصبتها العداء عقب إقصاء مرسي عضو حركة الإخوان، المنظمة الأم لحماس. وزاد من إضعاف حماس قرار مصر بإغلاق أنفاق التهريب عبر الحدود وفقدانها للإيرادات التي كانت تحصل عليها من الضرائب على الواردات. وكلفها القصف الإسرائيلي الكثير من ترسانة سلاحها وقوتها البشرية. ربما تكون الحرب قد جددت شعبية حماس ورأسمالها السياسي. ولكن كي تحافظ على تأييدها الشعبي فإنها يلزمها أن تفي بوعدها بإعادة إعمار غزة. وهي تخشى، إذا لم تتخذ خطوات جادة نحو تسليم السلطة إلى عباس قبل انعقاد مؤتمر عون دولي في القاهرة في 12 أكتوبر، من امتناع المانحين عن تنفيذ إعادة الإعمار الموعود به. ورغما عن ذلك يحاول مسئولو حماس التماسك وإبداء الجلد. وعلى خلاف حركة الإخوان في مصر فإن حركتهم لم تحظر أو تحبس ولا تزال حماس هي القوة الأكثر نفوذاً في غزة. وعلى الرغم من أن مصر تصر على إبعاد حماس لقواتها عن الحدود قبل إعادة فتح معبر رفح إلا أن كوادر حماس يقولون أن مقاتليهم يمكنهم في الواقع الاختباء بسهولة وسط السكان. وهذا سيضمن في نظرهم أن الوجود الرسمي للسلطة الفلسطينية لن يزيد كثيراً عن أن يكون رمزياً. وفي الأجل الطويل، كما يرى البعض، فإن حماس ستحوز على كل ما سيأتي به محمود عباس من إعادة إعمار إلى غزة اليوم. ذلك حين تستعيد حماس السلطة الكاملة سواء عبر ورقة الاقتراع أو البندقية. وتقول الأمم المتحدة أن الحرب مع إسرائيل ألحقت الدمار أو الضرر الشديد بحوالي 18 ألف منزل و148 مدرسةً وأكثر من نصف إجمالي مستشفيات غزة (32 مستشفى.)
ولكن لا تزال الحدود مع مصر وإسرائيل مغلقة أمام مواد البناء والسفر لمعظم سكان غزة (1.8 مليون نسمة). وحتى مشروعات البنية الأساسية السابقة للحرب التي مولتها قطر بقيمة 400 مليون دولار توقفت لعدم وجود المواد. وعلى الرغم من تمكن المهندسين من إصلاح محطة الكهرباء التي قصفتها إسرائيل خلال الحرب إلا أن الخلاف بين حماس وعباس حول من الذي يجب أن يدفع قيمة الوقود لا يزال يحرم الفلسطينيين من الكهرباء طوال اليوم باستثناء ستة ساعات فقط.