سالم بن حمدان الحسيني –
الإنفاق في سبيل الله على الفقراء والمساكين وابن السبيل من أعظم القربات عند الله سبحانه وتعالى إذ جاء الحث على ذلك والثناء على فاعله في مواضع عدة في القرآن الكريم، فالمنفق ماله على تلك الفئة التي ذكرها الحق سبحانه إنما هو زكي النفس قريب من الله قريب من عباده محبوب عندهم تتضاعف حسناته وتتضاعف أمواله (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) والشواهد على ذلك حاضرة حيث من اتبع هذا النهج القويم تحصنت أمواله فلا تتعرض للتلف وتتبارك وتنمو وتزيد وذلك وعد الله الذي لا يخلف وعده (.. وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)، فالمؤمن السوي يدرك تمام الإدراك إنما ذلك المال مؤتمن فيه يأتمر بأوامر رب المال يوجهه حيثما يأمره به فعندما يخاطبه قائلا: (آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ).. فليس له ان يعصي الأوامر فلربما يتعرض لسخط المالك الحقيقي لذلك المال فينزعه منه او يقيله عن تلك الأمانة ويستخلف عنه غيره باعتباره ليس اهلًا لتحمل تلك الأمانة.
ولشدة التأكيد على أهمية الإنفاق في هذا السياق وبعدما كانت الدعوة من الحق سبحانه على سبيل الحث عليه ووعد فاعله بمضاعفة المال ومضاعفة الأجر العظيم جاء السياق في مواضع اخرى تشديد النكير على الذين لا تزال أنفسهم شحيحة وأيديهم مغلولة عن هذا الخير العظيم فجاء الوعيد الشديد على تلك النفوس لعلها تزدجر عن ذلك وان لم تفعل فوعد الله ووعيده لا شك واقع بها وهنا تغليظ العقوبة على عدم الاستجابة لأمر الله تعالى ليس بالأمر الهين فليستعد من لم يطع مولاه وولى بوجهه مستكبرا وعصاه لهذا المصير المحتوم الذي ينتظره حيث يخاطبه الحق سبحانه فيقول: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).. انه فعلا هو الجهل المركب فذلك المال في حقيقته ليس ماله وعندما يأمره صاحب المال الحقيقي بصرفه لمن يستحقه تأخذه العزة بالإثم وكأنما يقول لربه (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) وكانت النتيجة: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ).. أليست تلك أنانية ما بعدها أنانية فلذلك كانت العقوبة مضاعفة.
وهذا حال صاحب المال الذي اكتسبه من الباب الحلال فكيف بمن جمعه بالتحايل والطرق الملتوية وغيرها من الأبواب كالربا والسرقات والرشاوى والظلم والقهر والجبروت على حساب الفقراء والمساكين والأيتام والمعوزين.. كيف به ينوء بذلك الحمل العظيم الذي يثقل كاهله (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).. أم كيف يقابل ربه عندما يحصى عليه ما اكتسبه الكثير والقليل فليحاسب على النقير والقطمير .. (قيل ولو كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال ولو كان قضيبا من أراك).. (والقليل من أموال الناس يورث النار).. فهل يربأ الانسان بنفسه فيحاسبها قبل ان تحاسب.. أم يتبع نفسه هواها فتقوده إلى المصير المحتوم والعياذ بالله؟.