الفساد المالي.. أسبابه ونتائجه

المال وسيلة.. وليس غاية -

ناصر بن عبدالله الصوافي –

النظرة التي يجب أن ينظر الإنسان بها إلى المال بأنه وسيلة لنيل المطالب وتحقيق الرغائب وبسط الأمن ونشر العدل في المجتمعات والمساواة في أخذ الحقوق وأداء الواجبات لكي لا تضطرم نار العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع الواحد.


223172الفساد ضد الإصلاح والفساد المالي آفة ابتليت بها الأمم والشعوب نتيجة بعدهم عن منهج الحق والعدل وانحرافهم عن الطريق المستقيم ونتيجة حبهم للشهوات ورغبتهم في الملذات واكتناز الثروات ظنا منهم أنها الطريق السريع للسعادة وأنها الطريق الأسهل لنيل المرغوب وتسهيل المطلوب بلا منازع ولا مراقب وان سلمنا بحدوث مثل هذه التصرفات والتجاوزات في أمم غير مسلمة ولا تتبع منهج الحق ومنهج الشرع والدين الرباني الذي أنزله رب العزة والجلال فكيف نسلم او نصدق انه يحدث مثل تلك التجاوزات في بلاد مسلمة تؤمن بمنهج الحق وتتبع نبي الرحمة ولديها من الأنظمة الربانية والمعرفة الشرعية ما يجعلها تخاف من المراقبة الالهية التي لا تخفى عليها خافية انه بلاء عظيم وخطر جسيم لا ينبغي ان نتجاهله او نسكت عنه لان من يفعل ذلك هم أبناء ملتنا واتباع شريعتنا الغراء فلو تركناهم وسلمنا بأفعالهم لهلكنا جميعا فالله تعالى حذرنا من ذلك أيما تحذير فقال سبحانه: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).والمال جعله الإسلام وسيلة لمنفعة الخلق وتسهيل منافعهم ومصالحهم، وأمرهم ببذل المجهود والعمل لتحصيله ووعد من اتبع الطرق التي أوجبها وأحلها له بان له أجرا وثوابا وان الله تعالى يطرح البركة في ماله وعمره وكامل حياته ولكن أن تجاوز تلك الإشارات والتنبيهات وحاد عن الطريق التي رسمها له الشارع الحكيم في تحصيل الاموال فإنه يعاقب أشد العقاب وسوف يتعب في معاشه ويشقى في حياته ولا يحصل له إلا ما كتبه الله له وما قسمه له، ولكن الإثم كبير والوزر عظيم.فلا ينبغي للإنسان أن يكون هدفه الاسمى وغايته في الحياة هو تحصيل الأموال كيفما كانت وبأي وسيلة كانت لان المال وان كان هو زينة الحياة الا ان الباقيات الصالحات خير وأبقى عند الرب والمولى قال سبحانه مبينا هذه المعاني (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).

وبما ان المال عنصر اساسي في الحياة ومهم لقوامة الحياة فإنه سبحانه وتعالى جعل ضوابط للحصول عليه وحرم بعض الطرق والأساليب التي يمكن أن تأتي به لأنها تحدث ضررا بالغا بالآخر وتهضم الحقوق وتؤدي الى الظلم وبالتالي الى حقد وكره وبغض مما يجعل المجتمع يعيش في تنازع وتخاصم وتختفي منه العدالة والمساواة ولذلك نرى ان الاسلام حرم الغش والربا والاحتكار والسرقة والقمار والرشوة وتجارة المحرمات وهناك من الايات القرآنية الكثيرة التي تبين لنا مدى اهتمام الاسلام بالمال وتوضيح الغاية منه وبيان طرقه ووسائل الحصول عليه ونحن هنا ليس بصدد ذكرها او شرحها ولكن ننبه الى موضوع مهم بل غاية في الاهمية وهي اننا ايها الأخوة اتباع ملة ربانية ومنهج رباني ودين الحق والعدل والمساواة ولذلك وجب ان ننتبه في تعاملاتنا المالية وفي ممارساتنا الوظيفية لكي لا ننزلق الى تلك الطرق الخبيثة والأساليب الملتوية التي حرمها شرعنا ونهى عنها ديننا الاسلامي لان عاقبة تلك الأساليب والطرق وخيمة وعقابها شديد.

فكيف لإنسان يؤمن بالله ربا وبمحمد نبيا ورسولا ان تسول له نفسه ان يأخذ مالا من غير حقه ويطعمه أولاده وأسرته او يخلفه لورثته ونسي او غفل ان الله تعالى يراه ويرقبه ويتابعه وان كل أعماله مدونة ومسجلة وان عاقبة فعله دمارا وخسارا لأنه عصى سيده ومولاه وخالقه وربه ومعبوده الذي خلقه فسواه فعدله وأمره باجتناب الحرام وإتباع الحلال.. استمع الى هذا الوعيد من الله تعالى لمن كان همه جمع المال وبذل وسعه وجهده في سبيل الحصول عليه واتبع كل الطرق الخبيثة والمحرمة لجمعه وتكثيره (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ، يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ، كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ، نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ، إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ).. هذه صورة يرسمها القرآن الكريم لبعض أولئك الذين عبدوا الدرهم والدينار وأساءوا الى انفسهم ومجتمعاتهم وارتكبوا في سبيل جمع المال كل الأساليب المحرمة وأصبح المال معبودا لهم لأنهم ظنوا أن المال الذي جمعوه سيكون حاميا وراعيا لهم من كل سوء ومن كل فتنة وسيكون لهم أمنا وأمانا ولكنهم اساؤوا التقدير وانحرفوا بالتفكير فيرد الله تعالى عليهم ويوجههم بان المال سوف يكون سببا في هلاكهم ودمارهم وعذابهم في الاخرة.. ان النظرة التي يجب ان ينظر الانسان بها الى المال بأنه وسيلة لنيل المطالب وتحقيق الرغائب وبسط الامن ونشر العدل في المجتمعات والمساواة في أخذ الحقوق وأداء الواجبات لكي لا تضطرم نار العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع الواحد فيسود الصراع والخوف وتضطرب المقاييس وتنهدم عرى القيم والمبادئ في التعاملات والمعاملات بين أفراد المجتمع ولذلك حذر الله سبحانه من جمع المال والإكثار منه بدون وجه حق والمبالغة في طلبه والاغترار به فمهما كثر مالك وبالغت في الثراء والاكتناز من الثروات فان ذلك ليس حبا ولا خيرا انزله الله اليك وإنما هو استدراج واختبار وابتلاء قال تعالى (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ). وقال سبحانه (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) فالإنسان سيحاسب على كل صغيرة وكبيرة عملها او اتى بها في هذه الحياة لان الحساب دقيق والعدالة الالهية تقتضي التدقيق مهما كان العمل دقيقا او صغيرا او هينا فلا تغفل ولا تحيد عن طريق الحق والعدل والإنصاف..والآن انظروا الى العقاب الذي ترتب على المفسدين في الارض او الذين يسعون في الارض فسادا حيث قال سبحانه: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).. ذلك لان الفساد عواقبه ونتائجه وخيمة وعظيمة وضرره بالغ في هدم بنيان المجتمع وزعزة أمنه واستقراره وجلب الضرر له وتأخر نموه وتطوره واشاعة الظلم والعداوة بين أفراده وبث روح العداوة والبغضاء والشحناء بين أبنائه ولو علم المفسد وتحقق لديه تلك العقوبة لما أقدم على فعله ولانتبه لتعاملاته ولصدق في عمله ووظيفته وكان أمينا حريصا مخلصا خائفا من محاسبة ومعاقبة ربه له في الدنيا والاخرة ولكن لما خف أو بعد الناس عن منهج الحق وشريعة الاسلام وانتفت لديهم المراقبة الالهية.


الإسراف في استهلاك الموارد العامة –


عبدالرحيم الشيزاوي –


غياب الوازع الديني والضمير الحي ومراقبة الله عز وجل، وضعف القيم والأخلاق لدى الموظف.. أهم أسباب الفساد.. فلو كان الضمير حيا والوازع الديني قويا والقيم الأخلاقية حاضرة لخشي الفرد على دينه ولم يرتكب مخالفة دينية في أموال الدولة.


223093الفساد المالي في اعتقادي كل انحراف وإساءة في التصرف في المال، سواء كان في المال العام أو الخاص، فالخاص يتعلق بمسائل السفه والإسراف ويكون أثره محدودا على الشخص أو أسرته، وأما العام فهو يؤثر على الدولة، ويكون الفساد فيه من باب استغلال السلطة واستخدام المنصب لتنفيذ مصالح مالية شخصية دون النظر للمصلحة العامة، ويكمن في رغبة الانسان في الحصول على مكاسب مادية ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى إليها عن طريق وسائل ملتوية المسالك عن طريق المحسوبية أو الواسطة أو اختلاس المال العام، ويدخل في ذلك الابتزاز وهو إجبار الشخص على دفع مبالغ مالية تحت التهديد كما يدخل فيه دفع الرشاوى لتمرير المعاملات والمناقصات وهذا فساد ظاهر من الراشي والمرتشي ومن الفساد المالي كذلك إساءة تقدير ثمن السلع والبضائع أو التلاعب في أسعار السلع المدعومة وشراء المناقصات والإسراف في استهلاك الموارد الحكومية واستخدام النفوذ في توظيف الأقارب دون وجه حق وتقديمهم على المستحقين وغير ذلك من الصور.الأسباب التي تؤدي إلى وجود هذا الفساد متعددة، وعلى رأسها غياب الوازع الديني والضمير الحي ومراقبة الله عز وجل، وضعف القيم والأخلاق لدى الموظف، فلو كان الضمير حيا والوازع الديني قويا والقيم الأخلاقية حاضرة لخشي الفرد على دينه ولم يرتكب مخالفة دينية في أموال الدولة، وكذلك ضعف الرقابة الخارجية وعدم معاقبة الموظف المخطئ ومرتكب الفساد، وقد قالوا قديما «من أمن العقوبة أساء الأدب» أو عدم وجود عقوبات رادعة لمواجهة الأخطاء والتهاون في المحاسبة والعقاب، ولهذا يستشري الفساد حينما تكون العقوبات غير رادعة أو معدومة، وقد يكون الفقر وانخفاض الدخل أحد الأسباب التي تؤدي بالموظف للفساد المالي، لأنه يريد تحسين وضعه في ظل الغلاء وهنا يكثر ابتزاز أمثال هؤلاء وإغرائهم بالمال لتمرير المعاملات والمناقصات، وقد يكون ضعف التوعية بالدور المنوط بالموظف هو السبب فقد يتصرف من حيث لا يعلم بأن هذا التصرف إساءة لأموال الدولة.

نتائجه تكمن في ضرب الاقتصاد وخاصة إذا كان الفساد المالي طاغيا، فتقل التنمية بحيث تتعطل عجلة بناء المجتمع ويسود الفقر ويقل الاستثمار الخارجي وتتوقف المشاريع الكبيرة أو تتأخر كثيرا عن موعدها، وقد يفضي ذلك إلى جرائم أكبر كغسيل الأموال وضرب المؤسسات الصغيرة، وقد تؤدي إلى زيادة نسبة الباحثين عن عمل، وهروب رؤوس الأموال للاستثمارات الخارجية.