دعاة المساواة تجاهلوا الفروق فوقعوا في ظلم المرأة

الحياة الزوجية شراكة رأسمالها المودة والرحمة –

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني –

أوضح حسن بن علي بن سيف الشعيبي أثناء مشاركته في ندوة العلوم الفقهية الثالثة عشرة التي نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مؤخرا إن الإسلام الحنيف جاء بالحق والعدل، فأعطى كل ذي حق حقه، ففي الحياة الزوجية جعل لكل من الزوجين حقوقا كما جعل عليهما واجبات.. وإذا علم الزوجان ذلك تحققت العدالة في الأسرة وسادتها الطمأنينة والسكينة. وأكد أن دعاة المساواة تجاهلوا الفروق بين الجنسين وغضوا الطرف عنها؛ فوقعوا في ظلم المرأة من حيث يدعون أنهم ينصفونها؛ حيث كلفوها بما لا يناسب طبيعتها التي خلقت عليها.


وأشار الشعيبي إلى أن تشريع تعدد الزوجات جاء مشروطا بشروط أهمها العدل. مشيرا إلى ان المسلم إذا أقدم على التعدد وهو على يقين بعدم قدرته على العدل بين زوجاته في الأشياء المادية، كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت، فهو آثم عند الله وكان من الواجب عليه ألا يتزوج بأكثر من واحدة.. جاء ذلك في ورقته التي حملت عنوان «العدل وعلاقته بالمساواة في فقه الأسرة».. المزيد نقرأه في السطور التالية:

بين المساواة والعدل


وأشار حسن الشعيبي الى ان هناك فرقا بين المساواة والعدل فالمساواة تعني رفع أحد الطرفين حتى يساوي الآخر أما العدل فهو إعطاء كل ذي حق حقه، موضحا أن هناك من يخلط بين هذين المصطلحين ويظن أن معنى المساواة مرادف لمعنى العدل وهذا ليس صحيحا إلا في حالة تماثل المتساويين من كل وجه – وهذا لا يكاد يوجد – أما مع وجود الفروق, سواء كانت هذه الفروق دينية, أو خَلْقية, فإن المساواة بينهما تكون ضربا من ضروب الظلم لكنه ألبس شعار العدل والإنصاف ولو أخذنا على سبيل المثال – قضية مساواة المرأة بالرجل – لوجدنا أن هناك فروقا واضحة بين الذكر والأنثى ولذلك يقول الله عز وجل {وليس الذكر كالأنثى} ودعاة المساواة تجاهلوا هذه الفروق وغضوا الطرف عنها؛ فوقعوا في ظلم المرأة من حيث يدعون أنهم ينصفونها؛ لأنهم كلفوها بما لا يناسب خلقتها وطبيعتها التي خلقت عليها.

فالعدل هو ركيزة الحكم المراد منه تحقيق سعادة البشر، وهو ما أكدته النصوص الشرعية التي أسست لمفهوم المساواة؛ التي تدعو إلى المساواة والتمييز كليهما حين يتوقف عليهما العدل بين الناس، وهكذا؛ فإن المساواة إذا لم تكن في إطار العدل فإن الدعوة إليها تشكل في الحقيقة دعوة إلى التخريب والفوضى والاضطراب، لأنها خروج عن القانون الإلهي الذي قضى بالتمييز بين مخلوقات وفي مجالات، وبالمساواة بين مخلوقات وفي مجالات أخرى.

التسوية والتفريق


وأكد الشعيبي أن العدل يشمل التسوية والتفريق وكلاهما موجود في الشريعة. أما المساواة فهي تشمل التسوية فقط، فالإسلام دين العدل وليس دين المساواة المطلقة، لأن المساواة قد تقتضي التسوية بين شيئين الحكمة تقتضي التفريق بينهما. ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي فرق بين الذكر والأنثى؟! لكن إذا قلنا بالعدل، وهو إعطاء كل أحد ما يستحقه، زال هذا المحذور. فمن العدل التسوية بين الزوجات في النفقة، ومن العدل التسوية بين الأولاد في العطية، ومن العدل التفريق بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة.

العدل في النكاح


وأوضح ان الإسلام الحنيف جاء بالحق والعدل، فأعطى كل ذي حق حقه، ففي الحياة الزوجية جعل لكل من الزوجين حقوقا كما جعل عليه واجبات، يجب أن يعلمها خير علم، حتى يؤدي ما عليه من واجب خير أداء، ويطلب ما له من حق بصورة لائقة، وإذا علم الزوج والزوجة ما له وما عليه وبذل وسعه في أداء الحقوق التي عليه، تتحقق العدالة في الأسرة وتسودها الطمأنينة والسكينة، وتلك الحقوق تنظم الحياة الزوجية.

حق الزوجة


وأشار الى ان للزوجة حقوقا على زوجها يلزمه الوفاء بها، ولا يجوز له التقصير في أدائها، قال تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف». فالمرأة بحاجة في التعامل مع حقوقها بالعدل وليس بمساواتها بالرجل، فتعطى حقوقها كاملة التي كفلها لها ديننا الحنيف. وهذه الحقوق هي: النفقة: فقد أوجب الإسلام على الرجل أن ينفق على زوجته من ماله وإن كانت ميسورة الحال، فيوفر لها الطعام والشراب والمسكن والملبس المناسب بلا تقصير ولا إسراف. وحسن العشرة: حيث يجب على الرجل أن يدخل السرور على أهله، وأن يسعد زوجته ويلاطفها، لتدوم المودة، ويستمر الوفاق. قال تعالى: «وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا». وتحصين الزوجة بالجماع: فالجماع حق مشترك بين الزوجين، يستمتع كل منهما بالآخر، فبه يعف الرجل والمرأة، ويبعدا عن الفاحشة، ويُؤْجرا في الآخرة. والتبسم والملاطفة والبر: يجب على الرجل أن يكون مبسوط الوجه مع أهله، فلا يكون متجهمًا في بيته يُرهب الكبير والصغير، بل يقابل إساءة الزوجة بالعفو الجميل، والابتسامة الهادئة مع نصحها بلطف، فتسود المحبة تبعًا لذلك ويذهب الغضب. والمهر: وهو أحد حقوق الزوجة على الزوج، ولها أن تأخذه كاملا، أو تأخذ بعضه وتعفو عن البعض الآخر، أو تعفو عنه كله.

حق الزوج


وأكد الشعيبي ان الرجل يمثل في الأسرة دور الربان في السفينة، وهذا لا يعني إلغاء دور المرأة، فالحياة الزوجية مشاركة بين الرجل والمرأة، رأس المال فيها المودة والرحمة وقال تعالى: « الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ». ومن الحقوق التي يجب على الزوجة القيام بها اتجاه زوجها: الطاعة: وهي أوجب الإسلام على المرأة طاعة زوجها، ما لم يأمرها بمعصية الله تعالى، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد أعدَّ الله تعالى لها الجنة إذا أحسنت طاعته، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت). والتزين لزوجها: حيث يجب على المرأة أن تتزين لزوجها، وأن تبدو له في كل يوم كأنها عروس في ليلة. وحق الاستئذان: فيجب على المرأة أن تستأذن زوجها في جميع أمورها منها صيام التطوع ولا يجوز للمرأة أن تأذن في بيت زوجها إلا بإذنه، ولا أن تخرج من بيتها لغير حاجة إلا بإذنه. والمحافظة على عرضه وماله: حيث يجب على المرأة أن تحافظ على عرضها، وأن تصونه عن الشبهات، ففي ذلك إرضاء للزوج، وأن تحفظ مال زوجها فلا تبدده، ولا تنفقه في غير مصارفه الشرعية. وكذلك الاعتراف بفضله: فبما ان الرجل يسعى ويكدح؛ لينفق على زوجته وأولاده، ويوفر لهم حياة هادئة سعيدة، بعيدة عن ذل الحاجة والسؤال؛ فالزوج له فضل عظيم على امرأته ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها».

العدالة في التعدد


وأضاف الشعيبي قائلا: لقد جاء تشريع تعدد الزوجات في القرآن الكريم، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكن جاءت إباحة التعدد مشروطة بشروط أهمها هو العدل بين الزوجات. فقال تعالى: « فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». والمراد بالعدل في هذه الآية الكريمة هو العدل الذي يستطيعه الإنسان ويقدر على تحقيقه، والأصل في العدل أن يكون في كل شيء من المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والمعاملة بما يليق بكل واحدة منهن، فقد جاء عن الإمام جابر بن زيد – رحمه الله – أنه قال: «إن لي امرأتين وإني لأعدل بينهما حتى أني أعد القبل». أما العدل في الأمور التي لا يستطيعها الإنسان ولا يقدر عليها مثل المحبة والميل القلبي، فالزوج ليس مطالباً به لأن هذا الأمر لا يندرج تحت الاختيار، وهو خارج عن إرادة الإنسان، والإنسان – بلا شك – لا يكلف إلا بما يقدر عليه، كما يظهر في قوله تعالى: « لا يكلف الله نفساً إلا وسعها»، والعدل والمحبة والميل القلبي هو الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى: « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الناس معرفة بدينه وبمشاعره وأحاسيسه القلبية وأشد الناس حرصاً على تحقيق العدل بين زوجاته، كان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، وذلك بعد أن عدل بين زوجاته في كل شيء ما عدا ميل قلبه صلى الله عليه وسلم إذ كان يميل أكثر إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

تكفيه واحدة


واشار الى ان المسلم إذا أقدم على التعدد وهو على يقين بعدم قدرته على العدل بين زوجاته في الأشياء المادية، وهي المعاملة والمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت، فهو آثم عند الله وكان من الواجب عليه ألا يتزوج بأكثر من واحدة. وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدد على موضوع العدل بين الزوجات ووضح صلى الله عليه وسلم عقاب الزوج الذي يقصر في حق من حقوق زوجاته فقال: (إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشقه ساقط).