«الحقيقة الدامغة».. تبين منهج الإباضية وترد على المغرضين

الخليلي: أصحابنا أول المعترضين على متنكري السنة والمشككين فيها –

طمس الحقيقة وتغيير معالمها وتشويه صورتها.. أهم أهدافهم –

عرض: سالم بن حمدان الحسيني –

صدر حديثا كتاب «الحقيقة الدامغة» لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي- المفتي العام للسلطنة تضمن ردا من سماحته على ما أثاره بعض المغرضين عبر وسائل الاتصال الحديثة، ينذر فيه أصحابه خطورة الاتصال بالإباضية خشية التأثر بهم في معتقداتهم.. مشيرا سماحته إلى انه لم يَجِدْ في ذلك ما يبرر به هذا التحذير إلا أن يفترى على الإباضية الكذب، ويعزى إليهم ما هم براء منه من الضلالات، كزعم أنهم لا يأخذون بالسنة لأنهم غير مؤمنين بها!!!.


مؤكدا سماحته من خلال «الحقيقة الدامغة» أن علماء الإباضية هم أول من اعترض على هؤلاء عندما شرعوا في طريق الضلال بتنكرهم لسنة النبي- عليه الصلاة والسلام- وتشكيكهم في الثابت الصحيح منها. موضحا أن الرواية إن أسندت إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- كانت مصدرًا من مصادر الدين لذلك اعتنى الإباضية بنقد الروايات وتمحيصها للتمييز بين الثابت وغيره منها، ولم يقتصروا في النقد على الأسانيد دون المتون، وإنما اهتموا بالنظر في المتون كالأسانيد لأنها أوعية الهداية التي تأتي من قبله- صلوات الله وسلامه عليه- لأجل ذلك لم يتقبلوا ما جاء من الروايات الآحادية مخالفًا لما دل عليه القرآن، إلا أن يكون مخصصا لعموماته فيما يسوغ فيه التخصيص، وكذلك ما تواتر يمكن أن يكون ناسخا لما في القرآن فيما يسوغ فيه النسخ. مشيرا إلى ذلك هو منهج الإباضية في الحكم على الرواية وهم في هذا مستهدون بهدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وسائرون على نهج أصحابه رضي الله تعالى عنهم، فقد روى الإمام الربيع بن حبيب رحمه الله في مسنده الصحيح عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنكم ستختلفون من بعدي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني». وعلى هذا جرى أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كعمر وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم، ففي مسند أحمد ما نصه: «حدثنا علي بن عاصم، قال حصين بن عبد الرحمن: حدثنا عامر، عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا، فأتت النبي- صلى الله عليه وسلم- تشكو إليه، فلم يجعل لها سكنى ولا نفقة. قال عمر بن الخطاب: لا ندع كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لعلها نسيت».

وعند الشيخين بإسناديهما إلى ابن جريج، أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة، قال: فجئنا لنشهدها، قال: فحضرها ابن عمر، وابن عباس، قال: وإني لجالس بينهما، قال: جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان: وهو مواجهه، ألا تنهى عن البكاء، فإن رسول الله، قال: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه». فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك، لعائشة فقالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد، ولكن قال: «إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه» قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، قال: وقال ابن عباس عند ذلك: والله (أضحك وأبكى)، قال ابن أبي مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء.

وعن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد: يزعمون «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الأهلية؟» فقال: قد كان يقول ذاك الحكم بن عمرو الغفاري، عندنا بالبصرة ولكن أبى ذاك البحر ابن عباس، وقرأ: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما). مع أن النهي عن أكل الحمر الأهلية روي بطرق متعددة ولم يكن من طريق الحكم بن عمرو وحده، وهذا يدل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا حرّاصا على نقد الروايات وردها ولو أتتهم من طرق صحابة عدول عندما يلحظون فيها أدنى مخالفة لما في القرآن الكريم، ولم يكن ذلك تجريحا لرواتها، ولكن لما يتصورونه من احتمال الالتباس عند حمل الرواية أو عروض النسيان، وهذا ما يدل عليه قول عائشة رضي الله عنها: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها، فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها.

الاحتياط واجب


وأضاف سماحته قائلا: إذا كان هذا في عهد الصحابة مع تلقي الرواية عن الصحابي الذي تلقاها عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -من غير واسطة سواه، وما عرف به الصحابة من الضبط في الرواية وإتقان التلقي والدقة في الأداء، فما بالك بما تناقله الرواة راو بعد آخر مع تقادم العهد وكثرة الوسائط، وما حدث في الأمة من زوابع الأهواء التي محت رسوم الدين وبلبلت الأفكار وحيرت البصائر، أفلا يكون الاحتياط بعرض الحديث على القرآن هو المنهج الأسلم والميزان الأعدل؟ ناهيك أنه منهج رسمه النبي- صلى الله عليه وسلم- وسار عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم خير القرون، وقد كانوا أورع وأدق وأحوط وأخبر بطرق النقد. على أن علماء المصطلح لم يكونوا عازفين عن ذلك، فهذا البغدادي يقول في كتابه (الفقيه والمتفقه): «وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رد بأمور: أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه، لأن الشرع إنما يَرِدُ بمجوزات العقول، أما بخلاف العقول فلا. والثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة، فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ. والثالث: أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ، أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه. والرابع: أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه، فيدل ذلك على أنه لا أصل له؛ لأنه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم. والخامس: أن ينفرد برواية ما جرت العادة بأن ينقله أهل التواتر، فلا يقبل لأنه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية».

تطاول


وتساءل سماحته قائلا: وعليه فأي غرابة فيما أخرجه الربيع رحمه الله من حديث عرض الحديث على القرآن حتى يتطاول المتطاولون فينسبوا هذا الكلام إلى الزنادقة والملاحدة أو من تأثر بهم واستجاب لضلالتهم، كما يزعم ذلك الألباني ومن قال قوله ممن سبقوه أو تأخروا عنه. وليت شعري؛ أين يضع الألباني ومن قال قوله عُمَرَ بن الخطاب وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم الذين عملوا بهذا؟ هل يصنفونهم مع الزنادقة أو الملاحدة أو مع الذين تأثروا بهم واستجابوا لضلالتهم؟ فإن هذا هو صنيعهم في نقد الروايات، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان لاشتهر وتناقله الرواة، وإذا كان هذا منهج خير القرون فمن أولى بالاتباع منهم مع أنهم نشأوا في كنف النبوة فاقتبسوا من أنوارها وارتووا بمعينها وساروا على هداها؟!. على أن الألباني ناقض نفسه بنفسه عندما أصر في كتابه المسمى (آداب الزفاف في السنة المطهرة) على نقض الإجماع الذي حكاه غير واحد على أن الذهب حل للنساء، بدعواه أنه حرام عليهن كحرمته على الرجال، فقد عول فيما ذهب إليه على قول ابن القيم: «ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة والسنة على الإجماع وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة».

وأكد سماحته من خلال هذا الكتاب أن الحق والحقيقة صنوان متلازمان، فحيثما وجدت الحقيقة فثَمَّ الحقُّ، وإن فقدت فقد معها، لذلك كان أعداء الحق حرّاصا دائما على طمس الحقيقة وتغيير معالمها وتشويه صورتها، وهذا واضح في مجادلات جميع الأمم التي كفرت بربها وكذبت رسله، ووصفت ما جاءتهم به الرسل من عند الله بالإفك والسحر والأساطير.

مضيفا سماحته القول: كم تجد في مجادلات هؤلاء تصاممًا عن نداء الفطرة الذي يصخ الأسماع، وتعاميا عن أنوار الحقيقة التي تملأ الوجود، وتدهش بجمالها وطاقتها البصائر والأبصار، فتراهم يُسَفِّهُونَ دعوتهم إلى توحيد الله تعالى بإخلاص العبودية والعبادة له، وأمرهم بإقصاء ومفارقة ما يعبدونه من دونه تعالى من معبودات يصنعونها بأيديهم ويصورونها كما شاءوا، ويشاهدون حالها أنها لا تسمع ولا تبصر، ولا تعقل ولا تفكر، ولا تنفع ولا تضر، ولا تحيي ولا تميت، ولا تطوي ولا تنشر، ولكنهم يتمسكون بها وبعبادتها وإشراكها مع الله الواحد ومثل ذلك مجادلتهم في بعث الأجساد بعد أن تفارقها الحياة. وكم تجد فيما يقصه القرآن في مجادلات هؤلاء ومجادلات من قبلهم- من الأمم البائدة التي كذبت الرسل وارتكست حتى هوت إلى غير قرار- مما يعكس أحوالهم ويجسد أفكارهم من العناد ومكابرة الحق وإنكار الحقيقة، حتى يكاد العقل لا يتصور أن يهوي إنسان إلى هذا الحضيض الأسفل من الضلال مع ما أوتي من الفهم والإدراك.

وضوح الحقيقة


وأضاف: وإذا كان الإنسان يحار من أمر هؤلاء كيف يجادلون في الحقيقة مع وضوحها إلى حدّ أن تفضَحَ الشَّمْسَ بإشراق سناها؛ فإن هذه الحيرة تتضاعف عندما تصدر المجادلات بالباطل لإدحاض الحق مِنْ قوم يرفعون راية القرآن، وينتمون إلى أمة الإسلام، ويتدثرون بعباءة سنة النبي الخاتم عليه أفضل الصلاة و السلام، ومع ذلك لا يستحيون أن يكابروا- على علمٍ– حقيقةً تخفق راياتها على هضبات الكون، ويجلجل صوتها في جنبات الوجود، فيحاولون – عن قصد وإصرار- طيَّ راياتها الخفاقة، وإسكات صوتها المجلجل، من غير أن يحسبوا حسابا لافتضاحهم أمام الرأي العام، عندما تزداد – بمكابرتهم وإصرارهم- الحقيقة جلاء ووضوحا، ويزداد وجهها إشراقا وبهاء وصوتها قوة وشيوعا.