محمد الشحري -
تطرح ريسوت نفسها كمكان وذاكرة للكتابة عنها، خاصة بعد أن أُزيل اسمها من خارطة الموانئ البحرية، واستعيض عنها باسم ميناء صلالة، مع أن اسم ريسوت اشتق من وظيفتها الدلالية من الرُسُوّ، والمَرسى، وقس عليها كلمات مثل المرساة والرواسي، كما تذكر كتب الملاحة البحرية في جنوب الجزيرة العربية، ميناء ريسوت الطبيعي، ولهذا لم يتوفق من محا ريسوت من خرائط المرافئ والموانئ المطلة على بحر العرب.
لقد فرض ميناء ريسوت نفسه على المنطقة المحيطة به، فأقيمت المصانع والمعامل حوله، وكنتيجة حتمية لواقع التطور فقد تضاعفت أعداد المعامل والمصانع البتروكيماوية ومضخات الطاقة، ولا نتحدث هنا عن أضرارها البيئية فطبقة السخام الخضراء التي تظلل المنطقة صباحًا تغني عن مئات المقالات، وفي المقابل لا نستعرض الخدمات التي تقدمها بعض الشركات الوطنية للأهالي في المنطقة، المتضررين والمستفيدين في الوقت ذاته من وجود هذه المصانع، ولكن نكتب عن الطريق المؤدي إلى الميناء وإلى المصانع، فالدوار المؤدي إلى المنطقة الغربية وإلى منطقة المغسيل السياحية هو ذاته الدوار الذي يتفرع منه الطريق المؤدي إلى الميناء، ومن يسلك هذا الطريق المكتظ بالشاحنات المحملة بالحاويات والآليات الثقيلة التي تتسبب في بطء حركة المرور وكأنه طريق للنمل، سيعرف مدى الإهمال الذي تُرك عليه الطريق المتضرر والمحفور بعجلات الشاحنات، فلا الجهات الحكومية مثل وزارة النقل والاتصالات، ولا مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار ممثلا ببلدية ظفار، قامت بتطوير الشارع وتعديل الدوار الذي أراه على شكل معين لا على شكل دائرة، ولا حتى الشركات الموجودة في المكان، التي يفترض بها تطوير الشارع، الذي يخدم أعمالها قبل المجتمع، قدمت خدمة لصالحها وصالح مرتادي الطريق، الذي يعبره كل عام آلاف السائحين القادمين من الميناء في طريقهم إلى مدينة صلالة، ويقينا فإن عين السائح لا تخطئ ما يظهر أمامها من طريق متهالك ناهيك عن افتقار المحيط إلى خدمات أساسية يحتاجها السائح وغيرهم ممن ترتبط أعمالهم بالميناء، مثل المطاعم ودورات المياه، هذا بالإضافة إلى عدم وجود بنية أساسية مثل: الجسور، التي أصبح وجودها ضروريًا في منطقة باتت معرضة للمنخفضات الجوية والسيول الجارفة، خاصة وأن حركة المرور المؤدية إلى الميناء تمر عبر واد يمكن أن يتوقف في حالة جريانه بالمياه مما سيؤدي إلى قطع الحركة نهائيا، مع العلم أن المنطقة المحيطة بالميناء، منطقة حيوية تحتوي على مولدات كهربائية، وصهاريج الغاز التي تغذي محطة توليد الطاقة بسهل آشور، ولذلك فإن الهاجس الأمني لابد وأن يأخذ حقه في تطوير منطقة ريسوت، هذا إذا وضعنا في الاعتبار الظروف الاقليمية المحيطة بالسلطنة، والتي تستدعي إعادة النظر في العديد من المشاريع والأماكن الحيوية، وتشديد الرقابة الأمنية عليها، وإشراك المجتمع المحلي في تحمله مسؤولية الحفاظ على المكتسبات والممتلكات العامة والخاصة.
أخشى كل ما أخشاه أن تكون المنطقة الصناعية المحيطة بميناء صلالة غير قابلة للتطوير، نظرًا لوجود شبكات من أنابيب الغاز والتوصيلات الكهربائية، التي قد تسبب أزمة في حالة قطعها، حيث تم بناء المصانع دون إيجاد بنية أساسية مناسبة، وكأننا بذلك وضعنا العربة أمام الحصان.
يحدونا الأمل أن يتم تطوير المنطقة المحيطة بالميناء، حتى تستوعب التوسعات القادمة مثل إنشاء محطة للركاب والمسافرين، والتي يفترض أن تكون قائمة منذ فترة، هذا إذا كانت هناك نية حقيقية لاستيعاب أعداد من السائحين ممن يرتادون الخطوط البحرية، الذين أصبحت ميناء صلالة إحدى محطاتهم، خاصة بعد عرض فيلم الامريكي القبطان فيليبس ( Captain Phillips) للمخرج بول غرينغراس وبطولة توم هانكس، والذي تظهر فيه ميناء صلالة كمحطة غادرتها السفينة التي تعرضت للقرصنة عام 2008.