الأيام: أزمة العملية السياسية : تعالوا نعكس «أوسلو»!

في زاوية آراء كتب أشرف العجرمي مقالا بعنوان: أزمة العملية السياسية : تعالوا نعكس “أوسلو”! جاء فيه: مهما بلغ تفاؤل المتفائلين، وبغض النظر عن استمرار الجهود الأمريكية من عدمه، أصبح واضحاً بصورة كبيرة أن عملية المفاوضات الثنائية مع إسرائيل في الإطار الحالي أو أي إطار شبيه يبقي إسرائيل صاحبة القرار في تحديد مرجعيات المفاوضات أو تقرير القبول والرفض فيما يعرض عليها، ودون الاستناد إلى المرجعيات الدولية المتفق عليها وخاصة قراري مجلس الأمن 242 و338 والمبادرة العربية للسلام وخارطة الطريق ورصيد المفاوضات السابقة، فاشلة تماماً، إلا إذا تغيرت مواقف حكومة بنيامين نتانياهو بشكل كامل وجوهري، وهذا على ما يبدو ضرب من ضروب الأوهام على الأقل في هذه الأيام التي تبدو فيها هذه الحكومة كمن فقد عقله، فهي لم تف بمطلب صغير مثل الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، فكيف يمكن توقع حلول في قضية الأرض والقدس. وأضحى واضحاً كذلك أن خطوة الرئيس أبو مازن بالتوقيع على وثائق الانضمام لمعاهدات ومواثيق دولية هي إشارة لمسار سياسي بديل للمفاوضات العقيمة التي لم تنتج شيئاً والتي وصلت إلى طريق مسدود قبل نهاية مدتها المقررة تصديقاً للتوقعات المتشائمة المبنية على وقائع الفشل الذي رافقها منذ اليوم الأول والذي عبر عنه بوضوح توجه حكومة نتنياهو التي ضاعفت الاستيطان بـ 123%.

الفكرة الرئيسية في اتفاق أوسلو الانتقالي هي الدخول في مسار يبدأ بخطوات متراكمة تصل في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل وإنهاء الصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي. ولكن هذا لم يحدث بسبب عدم التزام إسرائيل بالمواعيد المقررة للبدء بالمفاوضات في إطار تطبيق شعار «لا مواعيد مقدسة» وعدم التزامها أصلاً بتطبيق بنود اتفاق أوسلو وخاصة تنفيذ النبضة الثالثة من الانسحاب في مناطق(ج) التي من المفروض أن تنسحب إسرائيل من غالبيتها ويبقى وجودها فقط في المستوطنات والمواقع العسكرية. واليوم هذا أمسى حال كل العملية التي لم يعد فيها أي شيء ملزما لإسرائيل. حتى المواقف التي عبر عنها رؤساء حكومات سابقون في عهد أيهود باراك وأيهود أولمرت لا تعتبر بأي حال موقفاً للحكومات اللاحقة، وكل رئيس حكومة له مرجعياته الخاصة ويريد أن يبدأ من الصفر، وليس مهماً كم تستمر العملية التفاوضية بل المهم هو أن حقوق إسرائيل مصانة والمفاوضات تغطي على سياساتها الاحتلالية وخاصة الاستيطان الماضي في طريقة مرة بكثافة كبيرة ومرة بكثافة أقل بدون أي عقبات أو مشاكل، وكلما امتدت المفاوضات كلما استطاعت إسرائيل فرض الأمر الواقع الذي تريد وأيضا تأجيل القرار في قضايا الصراع الجوهرية.

الآن لم يعد مقبولاً ولا منطقياً البقاء أسرى عملية بدأت خطأً بغض النظر عن نوايا أصحابها، ولم يعد مسار أوسلو يصلح بعد أن اختبرناه مراراً وتكراراً بعد الوساطة الأمريكية في كامب ديفيد وبعد وساطة مماثلة في أنابولس ودخول اللجنة الرباعية على الخط، وأخيراً جهود وزير الخارجية جون كيري الخارقة والخارجة عن المألوف، والمطلوب هو البدء في عملية عكسية تماماً، فإذا كان اتفاق أوسلو يؤدي إلى دولة في النهاية وهذا لم يحصل، علينا أولاً الحصول على الدولة ومن ثم نتفاوض على التفاصيل، أي تذهب القيادة الفلسطينية إلى عملية هدفها الأول هو الحصول على الاعتراف الكامل بدولة فلسطين على أساس حدود يونيو من العام 1967 هذا الاعتراف الذي بدأ جزئياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن المفروض أن يستكمل في مجلس الأمن، وصولاً إلى اعتراف إسرائيل الواضح بدولة فلسطين، عندها يمكن للمفاوضات أن تبدأ على قاعدة واضحة تؤدي حتماً إلى اتفاق حول رسم الحدود ووضع القدس واللاجئين والأمن والمستوطنات والمياه والأسرى والعلاقات المستقبلية بين الدولتين.

ربما يبدو هذا المسار صعباً الآن بسبب الضغوط التي قد تمارس ضد القيادة والسلطة ولكن هذا المسار هو الذي يمكن أن ينجح لو اشتغلنا عليه بصورة جدية في إطار خطة واضحة تبدأ بالولايات المتحدة صاحبة حق النقض الذي قد تستخدمه عندما نتوجه إلى مجلس الأمن مرة أخرى.

والحوار مع أمريكا يجب أن ينطلق من التأكيد على أن أي قرار أمريكي بتعطيل أو تأجيل فرص الدفع بعملية السلام في هذا المنحى لن يكون في صالح أحد بمن في ذلك إسرائيل على قاعدة تحذيرات الرئيس أوباما نفسه لإسرائيل من مغبة مواجهة تداعيات دولية لا تستطيع الولايات المتحدة منعها إذا استمرت إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية والبناء الاستفزازي في المستوطنات في الضفة الغربية.

ولو نجحت الولايات المتحدة في اتخاذ قرار أل”فيتو” فلن تنجح فيه دائماً، وتاريخ مجلس الأمن يشهد بقرارات كثيرة لم تكن في صالح إسرائيل واضطرت واشنطن لتمريرها، كما أن المعادلات الدولية والعلاقات القائمة بين الدول العظمى التي لا بد وأن يكون لها ثقلها ستجعل استمرار الولايات المتحدة على مواقفها أمراً صعباً للغاية، فما بالنا وإسرائيل هي التي أفشلت جهود أمريكا ووجهت إهانات لا تغتفر لقادتها الذين على علاقة بالعملية السياسية وعلى رأسهم كيري.

قد تستمر عملية أوسلو المعكوسة زمناً طويلاً نسبياً في ظل التعقيدات الدولية ولكنها ستتسارع حتماً عندما نتقدم على طريق الانضمام لباقي المنظمات الدولية المتخصصة، وعندما نعمل بجد ومثابرة مع المجتمع الدولي ونحرث الأرض لتحقيق هذه الغاية، خصوصاً مع منظمات المجتمع المدني الغربية التي ساعدتنا كثيراً في قرار دمغ ومقاطعة بضائع المستوطنات.

ونحن بحاجة للوصول إلى كل مستويات التأثير والقرار في أوروبا والولايات المتحدة والدول الصديقة، والدعم العربي والتنسيق مع الأشقاء مهم جداً حتى وبعضهم يمر بمحن ومتاعب خاصة.