جلد ذات… مؤقتاً !

عادل محمود -

هبوط مستوى الكتابة راجع إلى صعود مستوى الحدث.

ويصح في الكتابة العربية، تحت القصف أو فوق الأنقاض، القول إن «الطلقة هذه المرة ستنطلق من أخمص البندقية»!

لم نتعود، بعد، على أن للكلمة قوة العقد، وأنها اتزان الانحياز إلى العقل، وأنها بنت ذاكرة لها صوت، وأنها أيضاً إصغاء مكتوب!

تقف الريشة على فوهة الهزيمة، وينبري كثيرون لإدخال السياسة في رتبة الجنرال، لكن الضفادع كما يقول من يسمع نقيقها العالي لا تستطيع أن تجر سكة المحراث، ولا أن تدير دولاب معصرة الزيتون.

كما لا يمكن أن يصنع الفلاح من جلدها حذاء.

نحن في عصر الكوارث، (الكوارث تقريباً!؟)…

والكتابة العربية تبدو كاجتهاد خارج السياق، فلا يذهب شعاعها، الخارق أو الحارق، إلى مسرح عمليات الحماقة العربية شبه اليومية.

الكتابة اجتهاد متأخر، تعليق فائت، فكرة جدوى لا اعتراف بها.

الكتابة بشرت في العراق بما بعد صدام حسين.

فانجلي الغبار عن زعماء العشيرة، والطائفة والقبيلة.

ويدوس جندي المارينز عشر سنوات على أطنان من الكتابة العراقية، وعندما يخرج تكتشف الكتابة أن الحياة كلها مليئة بالبدائل الأسوأ: «توسيع المقبرة» وهو حدث بسيط، عادي، (مليون ونصف المليون فقط).

والآن نماذج جديدة… النماذج الجديدة هي: «تنويع المقبرة» لتشمل حسب دولة الخلافة كل البشرية ما عدا المسلم الطرازي النمطي، بمواصفات يضعها أمير المؤمنين.

تكتشف الكتابة ما سيحدث بعد عشر سنوات، وتشم الكتابة رائحة القتلة الباردين…

من مسافات الزمن السياسي العربي البعيدة، ولكن يعاقب من يكتشف، ويجدع أنف من يشم.

الآن…

لا جدوى من الفضيحة.

الفضيحة فخورة بنفسها.

في ليبيا لا يستطيع «عاشور طويبي» وهو كاتب هلل وزغرد لثورة التويوتا وطائرات الأطلسي، أن يعود إلى بيته، وعندما عاد قال له من احتلوه: «انس البيت». طلب أن يأخذ بعض الكتب والموسيقى…

فرفضوا.

الكتابة يجب أن تذهب إلى وصف كل شيء…الوصف المؤلم حيث لا يزين أحد، تحت أي ظرف ولأي سبب، فداحة ما يجري يومياً في المجتمعات العربية…

فداحة الحياة اليومية…

بل فضيحتها.

……………

سأترك هنا بقايا نص شهادة، قديم من عشر سنوات…ينتمي إلى نزف تلك المرحلة اللاحقة لسقوط بغداد ولدينا الآن ماهو الأسوأ.

……………………

«نحن محتالون سياسيون، ولكن بلا حيلة سياسية.

نمجّد الساعات والدقائق والثواني عندما تتوقف آلة الزمن في استرخاء الكروش واستتباب العروش.

نحن في حاجة إلى شارون الذي لم يعد أسوأ الأعداء بل أفضلهم بين متساوين.

نحن قراء جديدون نرتل: “النفط زينة الحياة الدنيا”، وحقودون جديدون لأن غيرنا، بقليل من المال، يأخذ ما لدينا بالكثير من الضحايا…

لأن عمر ذكائه سنوات، وعمر غبائنا قرون.

نحن في حاجة إلى ألف جلدة في الدقيقة، لكي نعرف كيف نتفادى سوط المستبدين وزنازين الطغاة.

نحن في حاجة إلى ديمقراطية مملكة الحيوان، الذي أشيع عنه خطأ أن قويَّه يأكل ضعيفه في دورة حياة الغابة.

وننسى أن ابن الفصيلة الواحدة متسامح غريزياً مع أقرانه.

نحن في حاجة إلى أمريكا شوارزكوف ورامسفيلد وبوشين أو ثلاثة…

لكي يجعلونا نخاف ثم نخاف من «عرقنة» الوطن العربي…فنخطو خطوتين باتجاه إصلاح الميزان قبل فوات الأوان.

نحن في حاجة إلى الغش في الامتحانات.

من أجل أن يزداد عدد «العباقرة» في بلادنا.

ونصبح يابانيين في الصناعة، وصينيين في الزراعة، وتايوانيين في الإلكترونيات.

وإسرائيليين في طريقة المفاوضات.

نحن في حاجة إلى.

..

معجزة !!

نحن في حاجة إلى إسلام ما بعد الكوارث، لا إسلام ما قبل التاريخ.

نحن مصابون بالأميبيديا، (مرض الفكرة المغشوشة عن الذات) ولا ندري به، ولا علاج له.

الإيدز لم نعترف به وسميناه «مرض الوصال العابر».نحن مصابون بغباء الجماعة، وبتشوهات زواج الأقارب، نحن في حاجة إلى قلة الأدب لا إلى كثرته دون جدوى قلة الأدب تلك التي قد تقود إلى كشف الفضيحة، ونبش السر المدفون.

«نحن في حاجة إلى نثر إلهي لينتصر الرسول» !