ناصر أبو عون – باحث بمركز الدراسات والبحوث -
إنَّ (سياسة تنويع الاقتصاد الوطني) التي أطلقها جلالة سلطان البلاد المفدّى في مطلع السبعينات من القرن العشرين استوت على سوقها ونضجت ثمارها مما شجّع حكومة جلالته على تدشين العديد من الأنشطة الصناعية والتجارية والزراعية موزّعة على مناطق استراتيجية في السلطنة فكان من نتيجتها المباشرة وجود قناعة تحوّلت إلى عقيدة اقتصادية فيما بعد لدى شرائح الرأي العام كافة تمثلت في ضرورة التحوّل من (الاعتماد الكلي على «النفط» كرافعة اقتصادية وحيدة حيث بدأت (بواكير النتائج الإيجابية تتضح وتسير التنمية الصناعية الحقيقية بمستوى جيد)، وفي القلب من هذه المعادلة تأتي سياسة التوجّه نحو استحداث العديد من المناطق الصناعية والحرّة في السلطنة بهدف تحقيق غايات التنمية الاقتصادية بعيدة المدى، واستغلال المواد الخام المحلية، وإيجاد المزيد من فرص العمل للمواطنين عبر بناء قاعدة اقتصادية موسعة تفتح مجالات أكبر في فرص التوظيف واستيعاب الزيادة المطردة في عدد السكان.
تحديات وتساؤلات
وانطلاقًا مما سبق فإنّ (المعنيين بالتخطيط الاقتصادي) يقع عليهم عبء كبير خاصةً إذا كان السؤال الكبير يبحث في مسألة (الأمن القومي والسلام الاجتماعي) وهو: (كيف نجعل من سلطنة عُمان كيانا اقتصاديا عملاقا وجاذبا للاستثمارات؟) تنبثق عنه أسئلة فرعية ومحاولة الإجابة عنها من جانب المخطط الاقتصادي، والسعي الدؤوب من جانب الأجهزة التنفيذية لتحويلها إلى واقع ملموس يمثل التحدي الأكبر ومن أهم هذه التساؤلات أو بعبارة أخرى التحديات:
أولا- ما هي الآليات الفاعلة للاستفادة من المناطق الصناعية في تنويع مصادر الدخل الوطني؟ ويمكن مواجهة هذا التحدي بوضع استراتيجية عبر هذه المسارات «مساهمة القطاع الخاص في التنمية/ التوظيف الجيد لموارد النفط والغاز/ تنمية القطاعات الاقتصادية الواعدة: (صناعة وسياحة – توفير مناخ لجذب الاستثمارات – إنشاء مناطق اقتصادية حرة جديدة – تكوين شراكات استراتيجية مع شركات عالمية – تحديث القوانين والتشريعات – جلب إيرادات ضريبية أخرى للموازنة – تكوين كوادر وطنية فاعلة – الاستثمار في الصناديق السيادية).
ثانيا – ما هي سبل الاستثمار (الآمن) في مصادر الدخل غير النفطية؟ ولن نصل إلى هذه السبل إلا إذا استطعنا وضع منهاج عمل يحقق نتائج أفضل على المحاور التالية: «البرامج التدريبية ودورها في تنمية المهارات التنموية الخضراء – دور الإدارة والتسويق في نجاح المشروعات الإنمائية – دراسة سبل تنويع مصادر الدخل الوطني من خلال التجارب الدولية الإيجابية – الاستفادة من أهمية الموقع الاستراتيجي العماني في إمكانية تنويع مصادر الدخل الوطني».
ثالثًا – تقديم دراسات واقعية ومتزامنة يستفيد منها صانع القرار الاقتصادي وواضع السياسة العامة حول انعكاسات النجاح في تطبيق استراتيجية تنمية (المناطق الصناعية) ودورها في تنويع مصادر الدخل الوطني على مستوى معيشة المواطن «زيادة الأجور – تمتع المواطنين بمستوى عالٍ من الخدمات الصحية والتعليمية – تحقيق نسب يعتد بها للاكتفاء الذاتي من السلع والخدمات – رفع معدلات الصادرات والحد من الواردات – تزايد حجم التجارة الخارجية – تزايد قيمة المساعدات الاجتماعية – ارتفاع قيمة الاستثمارات الخارجية».
تحديث الأهداف
وانطلاقًا مما سبق فقد شهدت سلطنة عُمان نشاطًا مكثفًا في (الأداء الاقتصادي) على مدى أربعين عامًا من تاريخ نهضتها الحديثة وخاصةً في الجناح الفاعل في عملية التنمية وهو (الصناعة) وثَمَّ شهدت خارطة المناطق الصناعية بروز أماكن عديدة وفق خطة تدريجية بدأتها حكومة السلطنة بتدشين منطقة (الرسيل 1983) وتليتها منطقة (صحار)، و(ريسوت)، و(نزوى)، و(صور)، و(البريمي)، و(المزيونة) وصولا إلى (الدقم) ومن قبلها (واحة المعرفة) المتخصصة في صناعة تقنية المعلومات بالإضافة إلى منطقة (سمائل الصناعية) التي أعلن عنها في عام 2010م. تشرف على إدارتها جميعًا (المؤسسة العامة للمناطق الصناعية) وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه المناطق حوالي 88٫300 مليون متر مربع. والمستقبل يحمل في طياته خططا لمناطق أخرى.
وإذا ما أردنا توجيه كل الطاقات نحو (تفعيل دور المناطق الصناعية) وتحويلها إلى بيئة جاذبة للاستثمار لتكون أحد أذرع عملية التنمية المستدامة يتوجب علينا الاتكاء على ثلاثة أهداف رئيسية وهي:
1- تزويد صانعي القرار ومتخذيه بمعلومات أساسية ووافية ومحدّثة وواقعية وقارئة للمستقبل عن أنشطة المناطق الصناعية بصورة متوازنة ومتناغمة في آن واحد، من شأنها تسهيل عملية التقييم والمقارنة وتحديد الأولويات للمبادرات والمشروعات المطروحة للمنافسة.
2- الاسترشاد بالدراسات التطبيقية للمناطق الصناعية في (الدول الصاعدة اقتصاديا) والتجارب العالمية الناجحة في توجيه فرق العمل بغرض تكوين الرؤى ورسم الخطط اللازمة للإعداد للمشروعات المرتقبة والمناطق الصناعية المستحدثة على خريطة السلطنة.
3- ضمان تخصيص الموارد استناداً إلى (أسس تجارية سليمة) ومتماشية مع أولويات وسياسات وموازنة الدولة الراعية للمناطق الصناعية.
ومن النتائج المتوقعة لتلك السياسات خلافًا لتطبيق فلسفة (تنويع مصادر الدخل القومي) كمورد اقتصادي وكرافعة اقتصادية متعددة الأذرع وتراجع الاعتماد على النفط فإنه من النتائج المتحققة على مدى زمني طويل سنجد رسوخًا لثقافة النشاط الصناعي، كمنافس قوي للنشاط الزراعي الأساسي في السلطنة وربّما على المدى البعيد يكون هو النشاط الرئيسي والداعم الأكبر لحركة التنمية فضلا عن شيوع ثقافة التصنيع، والترويج للمنتج العُماني المستند إلى الاعتزاز بالشخصية الوطنية وبما تنجزه من صناعات تصديرية تحمل اسم عُمان.
الطاقة البديلة والتنمية
وإذا كانت المالية العامة العُمانية تعتمد على الوارد النفطي، والذي يمثل أهم مصادر الثروة المحلية في سلطنة عُمان، كما تعد الصناعات النفطية والبتروكيماويات صناعات رائدة فيها، وعلى الرغم من أنَّ خامي النفط والغاز الطبيعي من الموارد غير المتجددة، إلا أن حجم إسهام القطاع النفطي يمثل نسبة عالية قالت بعض مراكز الإحصاءات: إنَّ نسبة مساهمة هذا القطاع في حدود 82% من قيمة الدخل القومي، وهو تحد كبير في الرؤى المستقبلية نحو إيجاد الطاقة البديلة، وتحقيق التنمية المستدامة.
ومن ثَمَّ فإنه يتوجب على التنفيذيين والمسؤولين عن إدارة المناطق الصناعية في ظل مناخ صحي مدعوم من القيادة السياسية القيام قبل البدء في تدشين العديد من المناطق الصناعية الجديدة بدراسة تحديات عملية التنمية في المناطق الصناعية الناشئة والمستحدثة تكون من ضمن أسئلتها الثانوية: كيف يمكن استخدام (الطاقة البديلة) في إدارة المناطق الصناعية؟ وهل تتوافق الخصائص الطبيعية والبشرية والتجهيزات مع عملية تنمية المناطق الصناعية؟ ما واقع الأنشطة الاقتصادية الموجودة في تلك المناطق التي تقرر تحويلها إلى مدن صناعية؟ وما هي أهم العلاقات الإقليمية للمنطقة ودورها في عملية التنمية الصناعية؟ وما هي الاستراتيجية التسويقية التي يمكن الاعتماد عليها في تصريف الإنتاج محليا وعالميا؟ هل لدينا خطط لاستيعاب أكبر عدد من الأيدي العاملة الوطنية؟ هل هناك رؤية مستقبلية لحماية البيئة الطبيعية المجاورة لتلك المناطق؟ وما حجم نسبة مساهمة كل منطقة في الدخل الوطني؟ وما نسبة مشاركة الأيدي العاملة الوطنية في مشروعات التنمية؟ وكيف يمكن زيادتها؟