مآثر إسلامية قديمة ومبانٍ معمارية تعود لأكثر من 1200 سنةالزراعة وتصدير الكهرباء والأخشاب والمعادن أبرز مواردها -
السياحة العلاجية ومصحات العلاج بالمياه الكـبــريتـية أسلوب مبتكر للبوسنيين -
سراييفو – أحمد الكندي -
هي المرة الأولى التي تتاح لي فيها الفرصة لزيارة البوسنة والهرسك هذه الجمهورية التي سمعنا عنها كثيراً إبان الحرب اليوغسلافية السابقة وسمعنا كثيراً عن حجم الدمار الذي لحق بها وكذلك عن الجانب الايجابي أيضاً كونها من البلدان الجميلة ولكن من سمع ليس كمن رأى حيث كان الانطباع السائد قبل وصولنا إلى سراييفو أنها بلاد جميلة تحاول النهوض واستعادة أمجادها بعد أربع سنوات من الحرب ولكن كان انبهارنا شديداً فور وصولنا إلى مطارها الهادئ والصغير حيث استقبلنا الموظفون بابتسامة لطيفة وبإجراءات بسيطة لم تتعد دقائق معدودة بعدها وجدنا أنفسنا في الحافلة التي أقلتنا إلى مكان الإقامة حيث لم نصدق أنفسنا من جمال المشهد وروعة المكان فلا أثر للحرب والتسامح عنوان الحياة في سراييفو بل في كل أرجاء الجمهورية ، لم نتخيل هذه البساطة في الحياة فلا قيود ولا تعقيدات فكان إحساسنا الأولي أننا في بلاد أقرب ما تكون إلى الدول العربية ولم نصدق أننا في إحدى العواصم المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وخلال الأيام الأربعة الأولى من زيارتنا تكوّنت لدينا فكرة عامة عن جمال هذا البلد وعزيمة أبنائه في الرقي به وطي صفحة الحرب بكل مآسيها وما زلنا حتى اليوم نستكشف أشياء جديدة من هذه البلاد التي تستحق أن تكون وجهة سياحية مميزة.
الموقع والمقومات
تقع البوسنة والهرسك في قارة أوروبا وفي وسطها بالتحديد، تحدّها من جهتي الشمال والغرب كرواتيا، ومن جهة الشرق تحدّها صربيا، ومن جهة الجنوب الشرقي تحدّها الجبل الأسود ” مونيتنيغرو وتبلغ مساحتها 51.129 كم2.
أما عن نظام الحكم فهو جمهوري يخضع لنظام تعدد الأحزاب فيما يقترب عدد السكان من خمسة ملايين ويعتنق البوسنيون منذ القديم الديانة الإسلامية وهناك مجموعات صربية تعتنق الأرثوذكسية ومجموعة كرواتية تعتنق الكاثوليكية ويتحدث معظم سكان البوسنة اللغة البوسنية التي هي مزيج من اللغة الصربية الكرواتية وهم يكتبون بأحرف اللغة الروسية، أما أهم المدن فهي العاصمة سراييفو وتوزلا وزينيتشا وبيهاتش وموستار وسربرينتشا وبانيالوكا.
أما أهم مقومات اقتصاد البوسنة والهرسك فهي الزراعة حيث تشتهر بزراعة الكرز والعنب والذرة الشامية والخوخ والكمثرى والبرقوق والبطاطس وفول الصويا والتبغ والجزر والقمح وتجارة الأخشاب والمعادن بالإضافة إلى كونها من المصدّرين الرئيسيين للكهرباء إلى الدول الأوروبية الأخرى بالإضافة إلى الثروة الحيوانية.
دخول الاسلام
دخل الاسلام البوسنة عن طريق الأتراك في القرن الخامس عشر الميلادي حيث فتحوا البوسنة وظلت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية حتى مؤتمر برلين وبرغم التعاقب الذي طرأ على الدولة وانضمامها إلى مملكة الصرب والكروات ومن ثم دخولها في المملكة اليوغسلافية الشيوعية إلا أن أهلها تمسّكوا بالإسلام برغم كل محاولات تغيير التركيبة حيث كانت البوسنة تمثل دائماً نقطة يشتد حولها النزاع بسبب اختلافها الثقافي والديني عن بقية الجماعات السكانية الأخرى التي تعيش فيها وظلت ضمن الجمهورية اليوغسلافية حتى انفرط عقد الأخيرة وبدأت الجمهوريات بالاستقلال أواخر العام 1991 وعٌقدت أول انتخابات حرة جاءت بأحزاب غير شيوعية في البرلمان وشهد عام 1992 استقلال البوسنة والهرسك إثر استفتاء عارضه عدد كبير من الصرب الذين يعيشون في البوسنة والهرسك مما أدى إلى اندلاع الحرب التي استمرت حتى بداية العام 1996 وانتهت الحرب بدخول القوات الدولية إلى البوسنة والهرسك حيث بدأت البوسنة في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب برئاسة المفكر والمؤرخ علي عزّت بيجوفيتش أول رئيس منتخب للبوسنة والهرسك وانتهجت الإدارة مبدأ بناء الثقة وبناء الدولة الحديثة وتناسي الحرب برغم مآسيها فانتعشت البوسنة والهرسك وتطوّرت كثيراً .
بلاد الأنهار
لموقعها المميز فقد اشتهرت البوسنة بأنها بلاد الأنهار حيث أن جوها البارد شتاءً يساعد على تكون الثلوج التي تبدأ في الانصهار تدريجياً مكونة أنهاراً عذبة يتم استخدامها في الشرب والري والزراعة فلا يكاد تمر بمدينة إلا ويصادفك نهر متدفق الأمر الذي تم استثماره في ناحية السياحة ولكن ليس لدرجة كبيرة حيث لا يرغب البوسنيون في فتح باب السياحة كثيراً لذلك فهناك إجراءات كبيرة ومعقدة نوعاً ما للراغبين في الزيارة وبالنسبة لنا فقد كان الواجب علينا إكمال هذه الإجراءات ومن ثم الحصول على تأشيرة دخول من سفارة البوسنة والهرسك بالرياض ، ولدى سؤالنا لأحد المرافقين لنا عن عدم استغلال هذه المقومات بشكل أكبر قال إن البوسنة والهرسك تعتمد الآن على موارد غير السياحة ويتم فتح السياحة تدريجياً وخلال هذه الفترة تم إعفاء مواطني الكويت وقطر من تأشيرات الدخول حيث اتاح ذلك وجود بعض المستثمرين الكويتيين في البوسنة وربما تحمل السنوات القادمة تغييراً في الموقف خاصة مع سعي البوسنة للدخول في الاتحاد الأوروبي.
مآثر قديمة
خلال زيارتنا لمركز مدينة سراييفو شد انتبهنا المباني القديمة التي تفوح بعبق التاريخ حيث أن هناك مباني تعود لأكثر من 1200 عام من العهد النمساوي القديم وما زالت محتفظة بتشكيلها وأسرارها ومن بينها بعض الكنائس إضافة إلى ذلك فالتاريخ الإسلامي حاضر بقوة من خلال فن المعمار التركي منذ أكثر من 600 سنة ولعل من أهمها الجامع الكبير في سراييفو الذي يسمى جامع ” الغازي خسرو بك ” وهو أول وال عثماني على البوسنة والهرسك وشد انتباهنا خلال أدائنا الصلاة فيه احتفاظه بتاريخه ونظافته ومقوماته حيث بني بالحجارة وما زال شامخاً يرتفع فيه نداء الحق خمس مرات في اليوم وما لفت انتباهنا في هذا الجامع سجادة أهداها الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر وما زالت موجود كشاهد على تراث هذا الجامع وعلى مقربة منه المدرسة الإسلامية والمكتبة اللتان تحملان نفس اسم الجامع حيث ما زالت المدرسة عامرة بروادها من طلبة العلم والمكتبة منارة للمثقفين ومركز للمعارض الثقافية المتنوعة التي تقام بين الحين والاخر.
شواهد من الحرب
برغم مضي قرابة عشرين عاماً على الحرب إلا أن بعض المباني ما زالت متأثرة جراء القصف الصربي الثقيل الذي تعرضت له وبرغم إجماع البوسنيين على نسيان الحرب وفتح صفحة جديدة وهو ما يؤكده التعايش بين الأعراق الثلاثة ” البوسنيين والصرب والكروات ” إلا أن هذه الشواهد تبقى حاضرة تنتظر رؤية مستقبل أكثر إشراقاً وبعض المباني تنتظر المستثمرين لإعادة تأهيلها بسبب عدم القدرة على ترميمها أو إعادة بنائها من جديد كما تم بناء مسجد جامع كبير في سراييفو يحمل اسم ” جامع الملك فهد ” وهو بأمر وتمويل من الملك فهد بن عبدالعزيز ويقع في ضواحي سراييفو حيث كانت لنا الفرصة لأداء صلاة الجمعة به وحظينا بالترحاب والتحايا حين شاهدونا باللباس العماني الأصيل ، بالإضافة إلى الاهتمام بالتعليم المتنوع حيث توجد في العاصمة سراييفو لوحدها خمس جامعات متنوعة التخصصات بالإضافة إلى كليات ومعاهد متخصصة.
السياحة العلاجية
تتميز البوسنة والهرسك بوجود الكثير من العيون المائية الكبريتية الطبيعية وعلى الرغم من كمية المياه المتدفقة بغزارة من هذه العيون إلا أنها لم تستغل حتى زمن قريب عندما بدأت بعض الشركات في التفكير باستغلالها طبياً من خلال إنشاء مصحات علاجية تقدّم خدماتها للمواطنين والسياح وخلال زيارتنا لأحد المنتجعات العلاجية في مدينة إيليجا إحدى ضواحي سراييفو انبهرنا من الطريقة التي يتم استغلال هذه الموارد.
حيث تم تكييفها ببراعة فقد تم إنشاء غرف علاجية وكل غرفة مزودة بحوض ماء تتدفق إليه العيون الكبريتية من خلال انابيب تم توصيلها من باطن الأرض إلى هذه الغرف حيث يتلقى المريض الاستشارات الطبية اللازمة للعلاج بإشراف ممرضين متخصصين في هذا الجانب وبجانب هذه المصحات تم إنشاء العديد من الفنادق التي تقدّم الخدمات للمرضى ممن يرغبون في البقاء فترة العلاج وبأسعار مناسبة جداً بعيداً عن جشع الاستغلال الذي يطارد المرضى في معظم العواصم المتقدّمة.
عادات عربية في الطعام
ما لفت انتباهنا أيضاً هو الطعام العربي حيث يحرص البوسنيون على طهي الطعام بالطرق العربية حيث وجدنا أصنافاً من المأكولات العربية السائدة في المطاعم البوسنية وأبرزها المشويات حيث يتفننون في تقديم اللحوم بطرق شواء مختلفة ومن بينها طريقة شوي الخروف كاملاً على الفحم حيث يتم تتبيله ومن ثم وضع سيخ من رأس الخروف حتى مؤخرته ويوضع أسفله الفحم المتوهج حيث تعتبر هذه الوجبة التي تشبه المضبي عندنا من الوجبات التي تلقى اقبالاً كبيراً من البوسنيين والساح.