أحمد بن سالم الفلاحي -
Dreemlife11@yahoo.com -
حتى عهد قريب شكلت المراسلات المختلفة الشخصية والعامة المكتوبة عبر الاوراق رصيدا تاريخيا لحياة الناس، وليس فقط لحياتهم الخاصة من حيث المنشأ والمولد، وفترات العمر، وحالتهم المادية، بل وحياة زمانهم في سلمه وحربه، في فقره وغناه، في مرضه وشفاه، بل شكلت هذه الرسائل التي تعد اليوم مخطوطات محطات تاريخية مهمة في حياة الشعوب على اختلاف ازمانهم، ومواقعهم، واجناسهم.
ومن يعود حتى قبل عشرين سنة – على سبيل المثال – عندنا هنا في السلطنة يجد الكثير من هذه الرسائل المتناثرة هنا وهناك، لعدم معرفة قيمتها التاريخية، تنبئك عن هذا كله، وترشدك الى احداث زمن لم تعشه، وتقودك الى وقائع بعينها تظل اليوم – بالنسبة اليك – حلما جميلا تستحضر جزءا من تفاصيله، ولو بالتخيل، ولذلك تعد هذه الرسائل تاريخا مهما سجل ادق التفاصيل عن حياة الناس، وعن ازمانهم منذ البدء، وهذا البدء يعود الى مئات السنين، بل الى آلاف السنين، الم نقرأ جميعنا الرسالة “المخطوطة” المتداولة والتي تنسب الى رسولنا الحبيب محمد ــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وهي الموجهة الى ملكي عمان في العهد النبوي جيفر وعبد ابني الجلندى؟.
هذا المناخ التاريخي والحضاري الذي وثقته الرسائل الرسمية، والشخصية، بكل تفاصيله، الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، ما كان له ان يتحقق الا بوجود هذه الرسائل المكتوبة التي تضمها اليوم أكثر كتب التراث والأدب بين دفتيها على شكل مخطوطات، قد يكون بعضها مهترئا، ولكنها يقينا وثقت المراحل التاريخية لحياة الناس، واثبتت مجمل الحوادث التاريخية، وفصلت البعض منها ما تم في تلك الازمان البعيدة التي نقرأ عنها اليوم، ولعل لنا ان نستحضر هنا قول الشاعر:
“يعيش الخط في القرطاس دهرا: وكاتبه رميم في التراب”.
يحرص كثير من الباحثين اليوم – وخاصة في الجوانب التاريخية والتراثية – على تقفي اثر الكثير من المخطوطات، ويبذلون جهودا مضنية بغية الوصول الى أكبر عدد منها، ليقينهم انه لن يصدق التعبير عن تلك الفترات التاريخية الا من خلال هذه المخطوطات المهمة التي توثق الزمن بأحرف من نور بغض النظر عن مجموع المغالطات التي قد تحملها من جهة الرصد الحقيقي للاحداث حسب ما يرى البعض، لأن كتاب التاريخ كما هو معروف منهم من وجه في كتابة التاريخ، ومنهم من اشتريت امانته لتوثيق أحداث معينة، ومنهم من رضخ لسلطان القوة، وهناك ربما اسباب كثيرة قد نجهل لحظة ميلاد هذه المخطوطة او تلك، وتفنيد ذلك من مهمة الباحثين في التاريخ الانساني بلا شك.
تخلص هذه الرؤية الى انه اذا كان أولئك الذين عاشوا قبلنا منذ مئات السنين استطاعت ان تؤرخ حياتهم هذه المخطوطات التي نقرأ بعضها اليوم مما تضمه كتب المؤلفين، فما الذي سوف يؤرخ حياة جيل اليوم الذي يعقد صفقة ود مع اجهزة الحاسب الآلي، التي تلغي كل ما تكتبه فيها بلمسة زر، او بـ”فيروس” متسلط يستطيع الوصول الى جهازك من اقصى الدنيا عبر شبكة الانترنت، وهل معنى ان البشرية سوف تعيش في جزر معزولة، كل جيل آت لن يعرف عن ما سبقه شيئا، لانه لا شيء يوثق حياة الناس اليوم، فكل ما نتعامل معه اشياء غير مادية، اشياء هلامية تسافر عبر الفضاءات المفتوحة، فهل ستفقد البشرية تاريخها؟.