التراث المعماري في ظفار وأهمية المحافظة عليه

عبد الله بن علي العليان -

يعتبر الفن المعماري التقليدي في محافظة ظفار من الفنون العمانية العربية الإسلامية من حيث الزخارف والتشكيلات المعمارية ذات الطراز التراثي الذي انطبعت بالتراث الحضاري العماني منذ العصور القديمة، وهكذا الفنون بقيت آثارها متواصلة حتى العصر الحديث، وتطورت هذه الفنون من حيث الإبداعات والتجديدات، لكنها بقيت مرتبطة بالفن العربي الإسلامي الذي يعكس البيئة والمؤشرات والعادات والثقافة الخ.

والكثير من الرحالة الذين زاروا محافظة ظفار في حقب مختلفة تحدثوا عن التراث المعماري والأشكال والزخارف في الأماكن التي زاروها، ومن هؤلاء الذين كتبوا بتوسع عن التراث المعماري الرحالة (باولو إم كوستا) في دراسته لمدينة ظفار القديمة (البليد) وقد أعطوا الكثير من المؤشرات التراثية في هذا البناء المعماري سواءً القصور أو البيوت أو المساجد، سيما المسجد الكبير في هذه المدينة القديمة.

ويصف أيضاً مسجد الرباط ومعماره الذي يمتاز بنموذج فريد بأعمدته المثمنة الأضلاع، كذلك زخارف الجص حول المحراب والتي تمثل أشكالاً من الزخارف النباتية.

وأن هذا النوع من الزخرفة يتوفر بصفة عادية في إطارات النوافذ والأبواب وذلك فيما يتعلق بالمعمار التقليدي في كل من صلالة وشبه جزيرة ظفار.

كما أنه نموذج أيضاً لنوع المعمار الذي يمتاز بصفوف من الأعمدة والكمرات الخشبية التي تكون ممرات موازية لحائط القبلة.

ويعتبر هذا هو الطراز البسيط والأساسي والذي يمكن أن يتمتع بإضافات كثير من الزخارف الأكثر تعقيداً على كل من تيجان الأعمدة وقواعدها علاوة على أجسام الأعمدة نفسها بالإضافة أيضاً إلى كمرات خشبية وأبواب وأعمال الجص والمزركشة كلها.

ولا شك أن التراث المعماري في محافظة ظفار تجده يتقاطر مع الطراز المعماري الإسلامي حيث يتسم بالعديد من الزخارف ذات التقسيمات المختلفة الجميلة، وتدل على الذوق الفني الرفيع عند هؤلاء البنائين والنحاتين الذين امتازت أعمالهم المعمارية بالإبداع المتقن.

الأقواس: لقد شاع في هذا البناء المعماري في ظفار توظيف الأقواس بأشكال متعددة ضمن زخرفيات بديعة، واستخدام الأشكال التي تعبّر عن جماليات الشكل الخارجي من حيث الزخارف والأقواس (العكوف) التي تستلهم التراث العربي الإسلامي في مجمله من الترويقات النباتية والأشكال الهندسية التي عادة ما تجسد العديد من التشكيلات العمانية التقليدية الأخرى التي تضفي على الطراز المعماري بعض الجماليات كالمثلثات والمربعات وغيرها من التشكيلات.

وهذا ما نجده على الأبواب في مدن صلالة وطاقة ومرباط وغيرها قبل أن تزحف المعماريات الوافدة على هذه النماذج وتتراجع نوعاً ما، وإن بقي الإطار العام للشكل الخارجي يحمل رمزاً تراثياً عمانياً.

الأبواب: الأبواب في ظفار في القديم تحظى بعناية واهتمام كبيرين باعتبار أن الأبواب إحدى أهم الواجهات المنزلية، ولذلك توضع للباب الرئيسي على وجه الخصوص الكثير من الأشكال الهندسية والزخارف التجميلية خاصة أن الأبواب عادة ما تكون من الأخشاب في القديم، وهذه الأبواب لها زخرفة خاصة من فنيين عمانيين لهم خبرة واسعة ودراية وملكات إبداعية تأخذ الطابع الجمالي المتعارف عليه حيث النقوش التي تبرز هذا الطراز المعماري والأسس الفنية بطريقة رائعة، وكانت هذه الأبواب ونتيجة الوسائل البسيطة للنحت والتشكيل واستجلاب الخشب ووضع الزخارف تأخذ شهوراً طويلة حتى يتم إنجاز هذه الأبواب لكونها ذات أشكال وتقسيمات بديعة، لكن هناك أبواب بعضها لا يتم العناية به ويأخذ الشكل العادي ويتم انجازه في أسابيع وبه بعض الزخارف البسيطة العادية حسب قدرات الشخص المكلف بإنجازه.

النوافذ: للنوافذ الكثير من الاهتمام لا تقل عن الأبواب والواجهات الخارجية الأخرى، حيث تبرز الأشكال الفنية من حيث الزخرفة والفن المنحوت من خلال متخصصين من الذين يمارسون مهنة التجارة في المحافظة منذ القدم.

وهؤلاء يملكون خبرات جيدة في صناعة النوافذ الخشبية التقليدية التي عادة ما تكون من الأخشاب المحلية تؤخذ من الأشجار الكبيرة في جبال ظفار كالسدر والطلح والقرط وغيرها من الأشجار.

وعندما يتم عمل هذه (النوافذ) فإن النجارين المختصين يعتنون عناية فائقة بالزخرفة والتشكيل الفني المعماري مهما يأخذ الوقت اللازم لهذا العمل للحفاظ على سمعة هذه المهنة بعيداً عن الاستعجال والسرعة غير المبررة.

وكان البناءون عندما يبنون المنازل يضعون في حساباتهم ما سيتم وضعها بعد البناء بدون أن تكون لديهم خرائط أو مخططات مكتوبة، لكن الخبرة والأعراف في البناء أوجدت الحس الفني من حيث التناسق والدقة في اختيار أماكن النوافذ بدون خرائط مسبقة، سوى قياساتهم اليدوية البسيطة.

الستائر التقليدية: لأهل ظفار اهتمام كبير بالستائر التقليدية في نوافذ المنازل باعتبارها ضمن العادات المتوارثة لكونها ساترة لحركة العائلة في المنزل، وتعطي بعض الجمال من الخارج، وبعض هذه الستائر تصنع من العيدان الصغيرة وتربط بحبال ذات أحجام خفيفة وتؤخذ من سعف الأشجار، والميزة اللافتة في هذه الستائر أنها صحية ولا تحجب الهواء الطلق من النفاذ إلى الغرف والرواق وبقية الغرف، وعادة هذه الستائر ترفع بخيط مربوط في جانب النافذة في وقت النهار وإسبالها في الفترة المسائية.

وهذه الستائر سهلة الصنع، لأن الأدوات التي تصنع منها هذه الستائر متواجدة ولا تحتاج إلى وقت طويل.

الطلاء الخارجي للمنازل: يهتم الأهالي في محافظة ظفار بالشكل الخارجي كما ذكرنا آنفاً، ومن هذا الاهتمام الطلاء الخارجي ووضع تشكيلات زخرفية على واجهة المنازل الخارجية بما يجعل هذه المنازل ذات جمال وطابع محبب للناظر إلى هذه الواجهة.

والحقيقة أن المنازل القديمة كان يتم صبغها بطلاء يسمى “النورة” الذي يستخرج محلياً في ظفار، لكن البناءين في ظفار ومع أهمية التطوير والتجديد في الشكل الخارجي مازجوا بين “النورة” البيضاء وغيرها من الأتربة والرمال في إنتاج طلاء جديد لبعض البيوت لكن “النورة” البيضاء تكون هي الغالبة في الواجهة الخارجية مع التشكيلات الفنية.

ويذكر الرحالة برترام توماس الذي زار ظفار في أوائل القرن الماضي: أن المباني العالية المتعددة الطوابق والمبنية من الأحجار المنحوتة من تربة السهل تشكل منظراً ساحراً فضلاً عن الزخرفة والتشكيلات المتنوعة وتعتبر زخرفة السقوف كما يقول توماس التي تسمى بلهجة المنطقة بـ”التباشير” السمة المميزة للبيوت الكبيرة، وتتم هذه الزخرفة في زوايا السقوف وفي الأطراف بما يضفي جمالاً رائعاً على هذه الزخارف.

والحقيقة أن المرء يستغرب أنه على الرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية للسكان في القدم، إلا أن الجماليات والزخارف والتجميل عموماً لم يغب عن بالهم وأذهانهم وأصبحت هواية نفسية واجتماعية يتوارثها السكان جيل بعد جيل.

وبعد النهضة المباركة فإن الجهات المسؤولة عن هندسة البناء تشدد على التراث المعماري العربي الإسلامي والحفاظ على الطراز العماني في معطياته العامة بهدف الحفاظ على هذا التراث والثقافة خاصة الشكل الخارجي للمعمار العربي الإسلامي.