جرح سكين

أمجد المرشودي -

تتراقص عيني بين ساعة الحائط البائسة وجدول التقويم، لا أستطيع انتشال جسدي من على السرير، ساعة الحائط تشير إلى الساعة الثانية وسبع واربعين دقيقة ظهرا، أقلص فتحتي عيني لأركز على تاريخ اليوم، أنظر عاليا في السقف أقول في نفسي: لا يزال أمامي شهران كاملان لأبلغ عامي التاسع عشر.

وكأنني عشت مئات السنين من الصمت المطبق فقط، أنا وأمي في هذا المنزل، أتوسد يدي اليمنى، يقابلني الجدار الابيض الاصم.

أودع الجدار بنظرة بلهاء، تتدلى قدماي من حافة السرير، أستند بيدي اليمنى لأفارق سريري تقرع طبول الجوع في دهاليز معدتي، ألقي نظرة سريعة شاملة على غرفتي، أخاطب نفسي بصوت مسموع يا إلهي توجد بهجة أكبر بالمقبرة.

يزداد قرع الطبول في معدتي، لم أتناول شيئا منذ أن وطئت أرض المطبخ في الساعة الثالثة صباحا متسللا من الباب الخلفي لكي لا ترصدني أمي، أتأرجح بين كومات الملابس وأزواج الاحذية بمشية بطئية كأحدب نوتردام، أمسك مقبض الباب أحنيه، اسحبه بسرعه لكي لا يحدث صريره المعتاد يبصقني باب الغرفة، أقف أمام عتبة الباب، أشد أطراف جسدي، ترجع الأطراف إلى مكانها ابدأ باجتياز الردهة المؤدية للمطبخ بخطوات متثاقلة.

أحجز مقعدا رخيصا لذكرى قديمهةسيصل قطارها الآن أستقبل الذكرى بحفاوة بغيضة، «أمي على السجادة تتمتم بالدعاء أسالها من أبي؟ ترد أبوك هو الذي تركنا منذ أن كنت تحبو يغادر القطار المحطة تنتهي الرحلة»

يتم استقبالي في منتصف الردهة برائحة طعام نفاذة، أرد على هذا الاستقبال بثلاث عطسات متتالية تنقلي جسديا، اجدني أمام باب المطبخ، تتسابق أناملي بتدافع مستعر الى دفع الباب المفتوح مسبقا أجدها هناك بطولها الفارع الذي ورثته عنها ربما.

تحس بوجودي خلفها تلتفت نحوي، تنظر إلي أنظر إليها «تهمس رائحة الارز في أذن نار الموقد الان سوف نستمع إلى سمفونية النظرات، تهز النار برأسها وتبتسم « أشيح وجهي عنها، أشفق عليها أتقدم بهدوء باتجاه الثلاجة، انتزع باب الثلاجة، يصطدم باب الثلاجة بالجدار محدثا صوتا مزعجا.

لا أدير رأسي ولكنني أحس بنظرتها تغرز أشواكها في ظهري، «تضحك الملعقة بسخرية تقول: غبي، سيزيد من حنقها عليه»

يلفحني هواء الثلاجه البارد اقول لأمي: آسف، تصمت لا ترد، رغم كل التنوع اللافت بداخل الثلاجة أتناول علبة مشروب غازي، تصعقني صرختها المدوية، تسقط السكين محدثة صليلا مزعجا، التفت، أهرع إليها، قبل أن أصل أرى يدها ملطخة بالدم «بحزم يفصح قدر الارز عما بداخله: لن يتقدم بهيج لإسعاف أمه المجروحة» بسرعة بطل خارق للقصص المصورة أقوم بخلع قميصي، ألفه على يدها، تجلس هي على الارض تئن من الألم أجلس معها، أضغط على يدها لإيقاف النزيف، تضع عينيها نصب عينيي، تقول لي بكل هدوء: شكرا، لا أجد ردا، يتأبطني الصمت.

أستبدل عبوة المشروب الغازي بكوب ماء، أضعه على حافة شفتيها، تشرب ربع كوب الماء، أعيده على الرف كل هذا مستخدما يدي اليسرى، احس بخجل، أقف، أتناول العلبة التي غدت فاترة، أباعد بين خطواتي أجدني بسرعة في أحشاء الردهة.

يمتصني باب غرفتي، أدوس على كومة الملابس بلا مبالاة، أحاول الوصول الى سريري، ارتمي، أطلق تنهيدة، أرى صدري العاري يرتفع ويهبط أتعجب من هذا الشيء المنتظم بخلاف أمي وأنا، لسنا كذالك، أسمع صوت خطوات تعبر أرضية الردهة، مسرعة، أرى ظلها مرتسما على الباب، تطل برأسها، تقترب، تعيد ضبط وضعية جسدها لتلائم مساحة السرير المتبقية، تضع يدها على رأسي تقبله أطوقها بيدي اليمنى، تبدأ بالبكاء الصامت، تنسل دموعها على كتفي، تهمس لي لا تتبع خطاه، أومئ برأسي إيجابا، ترفع رأسها تنظر لوجهي وكأنها تراني لاول مرة، تبتسم،

« تقول الملعقة مطرقة رأسها: ليتني كنت بغرفته».