محمد الحضرمي –
Fuyodh2@yahoo.com –
نزوى التاريخ والثقافة والحضارة، عنوان كبير لمدينة تاريخها أكبر من جغرافيتها، ومآثرها الحضارية والثقافية أكثر من عدد سكانها، وفي مساحة لا تزيد عن بضعة كيلومترات، هي اليوم مركز مدينة نزوى، الواقعة بين القلعة والحارة والسوق، عرصات هذه المساحة شهدت أحداثا وبطولات وقصصا وحكايات، تناثرت في كتب التاريخ والمدونات الفقهية، وهي أحداث بين ألق وخفوت، وصمود وانكسار، تشهد على تحدي الإنسان للموت، ورغبته في الإبداع.ولأن عظمة المدن لا تقاس بمساحتها ولا عدد سكانها، فإن عظمة نزوى تقاس بتاريخها الحضاري، وبألقها الصاعد في عنان السماء منذ فجر التاريخ الإسلامي، حيث كانت عاصمة، ومدرسة خرجت الأدباء والشعراء والفقهاء، وامتد إشعاعها الحضاري ليسطع في سائر الأرجاء العمانية، وأنحاء متفرقة من الأرض المعمورة، من هنا تنبع أهمية المدينة، كونها مركزا حضاريا للعلم، ولذلك سميت ببيضة الإسلام، والبيضة هي المركز والبؤرة، كالشمس من حولها النجوم الزواهر.
ومع إشراقة هذا اليوم تكون نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، وهي مناسبة نعيشها كعمانيين لأول مرة، فنحن نسمع كثيرا عن اختيار بعض المدن العربية عواصم ثقافية وإسلامية، واليوم يأتينا الدور، ونعيش المناسبة في أول يومها، فماذا أعددنا لهذا العام؟ ماذا خططنا لنكون عند حسن ظن مدينتنا الأثيرة التي تعيش المناسبة؟ ماذا نبغي أن يتحقق خلال هذا العام؟ وهل سننتظر كثيرا الإعلان عن برنامج نزوى الثقافي، الذي تعاقبت على لجانه شخصيات كثيرة، وأهرقت في إعداده عشرات الجلسات والاجتماعات السرية؟!
اليوم هو أول يوم من عمر المناسبة الثقافية السعيدة، ونرجو أن لا يضيع سدى، دون أن ننجز فيه شيئا لمدينتنا الأثيرة التي تنتظر منا الكثير، مدينتنا التي تعاقبت عليها الأحداث والصفات، وصارت مدرسة في السياسة والعلم، تشهد عليها المصنفات، ضاع منها الكثير، وما بقي منها فيه الخير الوفير، لو أننا فقط نقرأ تاريخنا ونستفيد منه، فالتاريخ الثقافي لهذه المدينة أجمل من الوصف، والمخطوطات القديمة ومؤلفات المثقفين الأوائل أكثر من الحصر، حيث تصف الكتب أن في كل ناحية من نزوى مكتبة، وفي كل ضاحية من نزوى عالم وفقيه، وأرفف المنازل مشحونة بالكتب في شتى فنون المعرفة.
ماذا نريد لنزوى أن يتحقق خلال هذا العام؟ سؤال تتعدد وتختلف إجابته، وبلا شك فإن أفضل ما يمكن أن نخدم به مدينتنا هو الاعتناء بتاريخها الثقافي والفكري، وإحياء المكتبات القديمة، ودور الورَّاقين والنُّساخ، وعلى أهمية المدينة وكثرة المؤلفات الفقهية التي خرجت منها، إلا أنه لا يوجد لها مصنف تاريخي ووثائقي خاص بها، لا توجد موسوعة خاصة بمدنية نزوى، تاريخا وثقافة وحضارة، موسوعة تلم شتات ما تناثر من أفكار وإبداعات، وتحلل تاريخها العريق.
نحن بحاجة أيضا إلى جمع الكنوز الثقافية، من أيدي المحتفظين بها من الأهالي، وهي من الكثرة بمكان، لأنه لا قيمة لها إن لم يستفد منها الباحثون، وإن لم تكن منها نسخ أخرى، فقد تضيع إلى الأبد بسبب سوء الحفظ والإهمال، أو تتمزق الأوراق أو تسيل الأحبار في الصفحات، أو تندمغ الكلمات مع بعضها بفعل الرطوبة، فيضيع كنز ثقافي لا يقدر بثمن، ولذلك فإن تشكيل لجنة لجمع هذه الكنوز، وتصويرها وأخذ نسخ منها، هو في صدارة الأولويات التي يجب أن يؤخذ بها في عين الاعتبار.
وقبل أيام دخلت مسجد الجناة الأثري، وهو مسجد صغير في محلة سعال بنزوى، كادت أن تطاله أسنان الجرافات التي هدمت الحارة القديمة القريبة منه، من أجل رصف الشارع المزدوج، ومع أن المسجد لم يندثر إلا أنني وجدت صدوعا في محرابه الجميل، والذي تم تنقيشه في عام 925هـ/ 1519م، أي قبل خمسة قرون، ولو لم يتم المسارعة في الاعتناء بهذه التحفة الزخرفية الجميلة فإنها ستضيع إلى الأبد، وسيندثر تاريخ فني، وأثر مهم من آثار فن الزخرفة العمانية في محاريب المساجد القديمة.
هو أول يوم من العام الثقافي، أول الضوء من شمس العام الثقافي، يشرق بنهاره على معالمها الحضارية، تلاحقه خطوات وثابة لجمع تراث مدينتنا الأثيرة، خطوات لا تكل ولا تنكسر.