تجلت في نبينا الكريم كل الخصائص الإنسانية بأعلى مراتبها وأرفع درجاتها –
استبشر الناس بالرسالة المحمدية واستظلوا بعدلها –
تغطية – سيف بن سالم الفضيلي – سالم بن حمدان الحسيني –
احتفلت السلطنة ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مساء أمس على مسرح كلية العلوم الشرعية بالخوير بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم تحت رعاية سعادة خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى، وقد تضمن الحفل العديد من الفقرات التي توضح أهمية هذه المناسبة العطرة في التاريخ الإسلامي وأثرها في تغيير نمط العيش السائد في العالم إلى ما فيه خير البشرية جمعاء وتذكير الأجيال بعظم هذه المناسبة وأثرها في النفوس.
استهل الحفل بتلاوة عطرة من الذكر الحكيم تلاها طاهر بن زاهر العزواني بعدها ألقى الشيخ ناصر بن يوسف العزري المكلف بالمديرية العامة للوعظ والإرشاد كلمة سلّط الضوء من خلالها على القيم والمبادئ والمعاني الجليلة لهذه المناسبة العظيمة الخالدة، حيث قال: ما أعظم المناسبات في قلب المسلم وهو يتفيأ ظلال دينه ويرفل في ثوب إيمانه ويتحلى بحلية الآداب والأخلاق ويفرح بفضل الله وبرحمته، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، وأعظم هذه الرحمات هي إرسال رسول الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك اليوم الذي ولدت فيه أمة بأكملها، لذلك شُرع فيه الصيام فهو اليوم الذي اختار صلى الله عليه وسلم صيامه عندما سئل عن صيام يوم الاثنين فقال: «ذلك يوم ولدت فيه» ومن حسن الطالع المحمود الذي دأبت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ترجمته في هذا الجو الإيماني في جزء من نشاطاتها المتعددة أن تشارك المسلمين في مناسباتهم المختلفة لتجدد بكم اللقاء أيها الأحبة في هذه المناسبة العطرة ذكرى ميلاد خير البشرية جمعاء سيدنا محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه.
خصائص الفطرة
وأوضح: لقد جرت سنة الله في رسالاته الإلهية أن يُعد من يصطفيه لها في خلائقه، وجوهر إنسانيته، وخصائص رجوليته، إعدادا خاصا، يوائم بينه وبين ما انتدب إليه حتى يستطيع القيام بما حمل، ويؤدي ما كلف كما أشار بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، لذا تولّى الله عز وجل أمر محمد صلى الله عليه وسلم منذ أول لحظة حظي الوجود بإشراق طلعته، فنشأه تنشئة جمع له فيها خصائص الفطرة الإنسانية في أعلى مراتبها، وأرفع درجاتها، فلم يكله إلى أب يكفله ويربيه، وللأبوة أثرها على الطفولة وتوجيهها في الحياة. وكان قدر الله تعالى الحكيم يلاحق أمه صلى الله عليه وسلم فيتخطفها وهي في طريق عودتها إلى مكة المكرمة، فيجمع الله له يتم الأبوين ليستخلصه بالتربية ويصطنعه بالتأديب (وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى، وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى).
وأضاف قائلا: وارحمتاه لهذا الصبي إنه يتيم، يرى لِدَاتِهِ من الأطفال يرتمون في أحضان آبائهم فيضمونهم إلى صدورهم فيملأه الحزن والأسى، ألا يرى له أبا بين هؤلاء الآباء، هكذا فكرت مكة في نظرتها إلى محمد صلى الله عليه وسلم في صمته وعزلته وحيرته، هذه الحيرة هي الآية الأولى التي قرأها محمد صلى الله عليه وسلم في كتاب الوجود على صفحة الصحراء وهي التي رجع بها إلى مكة، السادرة في غي وثنيتها، السكرى بخمر أصنامها، المحجوبة عن التفكير في جمال وجلال هذا الكون، فنظرت إليه ونظر إليها، نظرت إليه بمنظار وثنيتها فلم تره يمشي إلى أصنامها لاهيا، كما يمشي أطفالها لاهية عابثة، بل رأت طفلا ينطوي على نفسه، وكأنه يحمل من هموم الدنيا وأحزانها ما صرفه عن اللهو واللعب.
طفولته
وأشار العزري إلى أن في حياة محمد صلى الله عليه وسلم الخاصة ما يشغله عن صخب مكة، ولهوها العابث حول أحجارها وأصنامها وأوثانها، فكم من نفوس شهدت جلال الصحراء وجمالها، كما شهدها محمد صلى الله عليه وسلم في طفولته، ولكن قليل جدا هم الذين تأثروا بذلك الجلال الوجودي والجمال الكوني، وحتى هذا القليل لم يكتب له طرف، مما كتب التاريخ من تسبيحات الفكر في محاريب الوجود، بل ضلوا وظل ذكرهم في متاهات الصحراء، وبقي محمد صلى الله عليه وسلم وحده على ربوة الوجود يجاذبه هذا الجلال، ترانيم التقديس في صور من التأملات والتفكير.. من هنا كانت عزلته عن حياة قومه، تلك الحياة الصاخبة الجوفاء، ومن هنا كان ميله إلى الصحراء وفضائها الذي لا يتناهى، فما أشبه هذه الصحراء في امتدادها، بالفكرة التي تملأ نفس محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان ميله إلى الهدوء تحت ظلال الأشجار أو على قُلَل الجبال. موضحا: إن هذه العزلة لم تمنعه من مشاركة قومه في أعمال الخير، بل هي الرافد الذي هيأ الانطلاقة الحقيقية لدعوته، سبرا للطباع، ورصدا للأفكار.. هكذا كانت نشأة محمد صلى الله عليه وسلم منذ ولادته إلى أن بعثه الله تعالى رحمة للعالمين أكمل نشأة، تولاه ربه فأدبَّه، ورباه فكمَّله، ورعاه فحفظه مما كان يغمر حياة قومه من وثنية وعادات مسترذلة حتى غدا أكمل إنسان في بشريته.
شمس الوجود
وأشار إلى أن الشمس التي تشرق على الحياة في كل يوم بهيئتها وصورتها المتكررة، ويرى الناس منها أول ما يرون ضوءها، الذي يكشف أسجاف الظلام، لتظهر أمام أبصارهم جوانب الحياة في تقلباتهم على هذه الأرض، ثم يحسّون بحرارتها الدافئة في خيوط أشعتها الملتهبة، لا يعلم العامة منها أكثر من هذه الظواهر التي يفيدون منها في مختلف مصالحهم، وينتفعون بها في شتى منافعهم، في دائرة علمهم المحدود، بمستوى ما بلغته معارفهم من حقائق الكون ومظاهرالطبيعة، ومع ذلك كأنما هم في جديد عند إشراقة كل يوم لم يكونوا يرونه ولا أحسوه من قبل. فمحمد صلى الله عليه وسلم في خصائص رسالته الخالدة وخصائص إنسانيته السامية هو شمس الوجود الروحي في هذا الوجود المحجب بغلائل الجلال الإلهي، حظ العامة منه حظهم من شمس الوجود المادي رأوا ضوء رسالته بأعين بصائرهم فمشوا إلى نورها يستبشرون برحمتها، وأحسوا حرارة هدايتها فدلفوا يستظلون بعدلها.
تهنئة
واختتم العزري كلمته بالتهنئة قائلا: في هذه الأجواء الكريمة التي تحفها ملائكة الرحمة، يسر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وهي تحيي هذه الذكرى أن تهنئكم جميعا وجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بهذه الذكرى العطرة، وتسأل الله عز وجل أن يعيد هذه المناسبة الكريمة على حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – بالخير واليمن والبركات سائلين المولى جلت قدرته أن يهبه الصحة والعافية وأن يكلأه برعايته وأن يعيده إلى شعبه سالما معافى.
تخلل الحفل قراءة السيرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام تلاها طالب بن سعيد القنوبي، بعدها تم عرض فيلم مرئي يحكي قصة إسلام أهل عمان من زمن مازن بن غضوبة مرورا برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان ودور العمانيين في نشر الإسلام في أقطار الأرض والحفاظ عليه. واختتم الاحتفال بقصيدة نبطية ألقاها الشاعر خميس الوشاحي.
الجدير بالذكر أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية سوف تقيم كذلك حفلا جماهيريا للأطفال والعائلات بهذه المناسبة العطرة مساء اليوم الخميس على مسرح المجمع التجاري «سيتي سنتر» بالسيب يتضمن الحفل أناشيد دينية ومسابقات ثقافية وفقرات أخرى مختلفة للأطفال.