أرض اللبان .. تراث إنساني شاهد على عراقة التاريخ

??? ????? ????? ???? ???? ????? ??????إقبال سياحي على منطقة البليد الأثرية طوال العام -

كتب – عامر بن غانم الرواس -
يعود تاريخ منطقة البليد الأثرية إلى ما قبل الإسلام حيث كانت تمثل مركزًا سكنيًا منذ نحو 2000 عام قبل الميلاد وبرزت خلال العصر الحديدي المتأخر كمدينة مركزية نشطة كما أنها ازدهرت في العصور الإسلامية.


ووصف الرحالة (ماركو بولو) و (ابن بطوطة) مدينة البليد بأنها أكثر المدن ازدهارًا، وواحدة من أكبر المواني الرئيسية على المحيط الهندي مما جعلها مركزًا تجاريًا مزدهرًا آنذاك حيث تمتد رقعة تصدير اللبان فيها لتصل إلى الصين وروما.

وتم اكتشاف هذا الموقع وتصويره للمرة الأولى في عام 1930م من قبل بترام توماس بينما بدأت التنقيبات الأثرية فيه للمرة الأولى في عام 1952 من قبل البعثة الأمريكية.

وفي عام 1977م نفذت وزارة التراث والثقافة برنامج مسح لموقع البليد وهو عبارة عن مجموعة من المعالم الأثرية تغطى مساحة مستطيلة تصل إلى 64 هكتارا يحيط بها جدار عال من ناحية الشرق والشمال وخندق صغير من ناحية الغرب.

ويؤكد خبراء الآثار أن البليد كانت مدينة محصنة بأسوار عالية ولها باب كبير وأبراج مراقبة على جوانب الأسوار. وما زالت التنقيبات مستمرة في موقع البليد الأثري الذي توالت على عمليات التنقيب فيه بعثات أمريكية وفرنسية وألمانية وايطالية.


1399451461050763700أسوار المدينة


وجدد بناء المدينة سنة 620هـ أحمد بن محمد الحبوضي بعد انتهاء حكم المنجويين في ظفار، وأحاطها بأسوار كبيرة وتحصينات قوية وبنى المسجد الكبير الذي يتحدث عنه المؤرخون. حيث أجرى أحد الباحثين دراسة مستفيضة عن مسجدها الكبير الذي يحتوي على ما يزيد عن 180 عموداً، وبقيت آثاره في البليد، أما الأعمدة فأخذت معظمها وعلى فترات متباعدة في إنشاء مساجد أخرى بمدينة صلالة والحصيلة ومرباط.

ولم يكتب أحد الرحالة بالتفصيل عنها سوى ه.ج كارتر حيث أعطى وصفاً تفصيلياً لظفار البليد حينما كانت الأطلال ما تزال واضحة. كما أنه قام بعمل رسم لتخطيطها لكن الكثير مما شاهده كارتر اختفى الآن مع مرور السنين، وهجر الناس هذه المدينة إلى مدن أخرى أنشئت لاحقاً مثل الحصيلة وصلالة.

واشتهرت البليد في ذلك الوقت بالتجارة الكبيرة مع الهند والصين، وكانت السفن التجارية تجوب مناطق مثل صحار وظفار وصور وبعض المدن التجارية العمانية، حيث ازدهرت البليد تجارياً وسميت بأسماء مثل المنصورة والأحمدية والقاهرة.

ويقول بعض المؤرخين إنها أحيطت بأسوار عديدة، وفيها أبواب عدة منها “باب الساحل” ويقع على البحر، وبابان في الركن الشرقي من المدينة أحدهما يسمى “باب حراقة” ويصل إلى عين فرض، وهي نبع ماء عذب أشار إليها بعض الرحالة ممن زاروا مدينة البليد الأثرية.

وهناك أيضا باب يسمى “الحرجاء” ويقع على الجانب المحاذي لمدينة الحافة الحالية ومنطقة العفيف، وفيها قرية كانت تعتبر سوقاً في ذلك الوقت وتسمى “قرية الحرجاء” وكان للبليد تحصين جيد بواسطة أسوار وبوابات عثر على ثلاث منها فقط أثناء عمليات التنقيب التي قامت بها وزارة التراث القومي والثقافة في مطلع السبعينات وأوائل الثمانينات. وكانت البليد تسمى قبل أن تتكون أثرياً بوقت طويل، باسم “ساحل جردفون” وهي تسمية محلية باللغة “الشحرية” وتعني البقعة الجرداء.


قائمة التراث العالمي


ووقع اختيار منظمة اليونسكو لمواقع أرض اللبان بمحافظة ظفار كونها موطن شجرة اللبان وبلاد المنشأ والتصدير، ويعد وضعها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي الثقافي والطبيعي قيمة مضافة لكنوز عُمان وتراثها الحضاري استنادا إلى حيثيات علمية ومعايير عالمية. ويعد خبراء الآثار البليد من بقايا المدينة الإسلامية الأثرية الأكثر أهمية على ساحل بحر العرب. وتقسم مدينة البليد إلى ثلاثة أقسام هي (القسم التجاري) الذي يقع في الجهة الشرقية والقسم السكني والخدمي في الوسط، أما المسجد والحصن فيقعان في الجهة الغربية ويحيط بها من الجانب الشمالي والشرقي والغربي خور البليد الذي يتراوح عمقه مابين مترين إلى 6,5 مترًا، وكان الخور يستخدم لنقل البضائع ما بين المدينة والسفن الراسية في البحر وهو بمثابة ميناء طبيعى للسفن الصغيرة، كما يعمل على حماية المدينة من فيضان المياه التي تصب في البحر بالإضافة إلى الحماية من هجمات الغزاة

ومن بين المعالم المهمة والبارزة في البليد الأثرية المسجد الكبير ولم تثمر عمليات التنقيب والحفر إلا عن القليل من المعلومات التي تتعلق بالتفاصيل المعمارية والزخارف، ويرجع السبب إلى أن الكثير من الأحجار والأعمدة والأشكال الهندسية المعمارية التي أخذت من منطقة البليد استخدمت في إنشاء مساجد أخرى في صلالة وعوقد والحصيلة، رغم أن الزخارف الموجودة تعطي نوعاً من الانعكاس البعيد للأشكال الزخرفية التقليدية المنتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وعلى مدى فترة طويلة من الزمن.

وقامت اللجنة الوطنية للإشراف على مسح الآثار في السلطنة التي يترأسها الآن معالي عبد العزيز بن محمد الرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية، بجهود كبيرة في التنقيب عن آثار البليد وترميمها وتطويرها بالتعاون مع جامعة آخن الألمانية وذلك بهدف تحويل هذا الموقع الأثري المهم إلى متنزه عام للزائرين، حيث أصبح متنزه البليد من أهم المزارات السياحية بمحافظة ظفار خاصة بعد افتتاحه رسميا. وهناك إقبال سياحي كبير خاصة بعد توفير المتنزه للسائحين فرصة ركوب قوارب خشبية صغيرة يدوية تتطابق مع القوارب التاريخية للبليد لنقل السائحين في جولة عبر الخور الذي يحيط بالموقع والذي كان يستخدم سابقاً لنقل البضائع والأغراض من السفن الراسية في البحر إلى المدينة.

وفي 23 يوليو 2007م تم افتتاح متحف أرض اللبان بمنطقة البليد الأثرية وهو يعتبر واحدا من أبرز واهم المتاحف التاريخية العمانية بالسلطنة لما يضم من معالم وحضارة وتاريخ عرفته السلطنة في مختلف العصور.

وكانت منطقة البليد الأثرية نقطة انطلاق رحلة الرحالة والمستكشف الانجليزي ادريان هايس سنة 2011م نظرا لأهميتها كأحد المواقع المرتبطة بإنتاج وتصدير اللبان وهي مسجلة في قائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي تحت مسمى طريق اللبان وباعتبارها موقعا ذا قيمة إنسانية عالمية. وقد اتبع الرحالة الانجليزي ادريان هايس في رحلته عبر صحراء الربع الخالي نفس خطى الرحالة ويلفريد ثيسيجر التاريخية.