الأزمة الأوكرانية تهدد أمن الطاقة في أوروبا

سمير عواد -

فاجأت الأزمة في أوكرانيا والنزاع الذي نتج بين الغرب وروسيا،الخبراء السياسيين والاقتصاديين وخاصة المعنيين بشؤون الطاقة، بسبب ضم الأخيرة إقليم القرم في أوكرانيا لأراضيها، بقرار أغلبية سكان القرم الذين كانوا لعقود طويلة يعتبرون مناطقهم، منتجعا تابعا لروسيا أكثر من التبعية لأوكرانيا، وتعيش هناك جالية كبيرة تتحدث الروسية، كما ان هناك أقلية مسلمة، لا أحد يتنبأ اليوم، ماذا سيؤول إليه مصيرها في السنوات القادمة، بعد أن كانت تعيش في سلام مع العرقيات الأخرى.

ويعتقد بعض المحللين السياسيين، أن أحد أسباب، تجنب الأوروبيين بالذات، تصعيد النزاع مع روسيا التي يحملونها وراء الكواليس، مسؤولية ما يحصل في أوكرانيا، وفرض عقوبات صارمة عليها، يعود لكون أوروبا، تعتمد إلى حد كبير، على التزود بالغاز من روسيا.

وقد حصلت في السنوات الماضية، مؤشرات لم يأخذها الأوروبيون على محمل الجد واعتبروها عابرة، والآن، يقضمون أظافرهم، لأنهم أساءوا تقدير خطورتها على أمن الطاقة في دولهم، ولم يأخذوا بحسابات المستقبل.

ففي مارس 2005، أعلنت روسيا عزمها إلغاء اتفاقية التجارة المبرمة مع أوكرانيا في عهد الاتحاد السوفييتي، والتي تنص على تصدير الغاز الروسي إلى أوكرانيا بأسعار منخفضة جدا.

وهذا الإعلان لم يكن ليثير قلق الأوروبيين، لولا أن نسبة 80 بالمائة من الغاز الذي تصدره روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، يمر عبر أراضي أوكرانيا.

ويدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن بيده ورقة ضغط بارزة على الأوروبيين في النزاع الدائر مع الغرب بسبب نهجه في أوكرانيا. فعندما انعقدت القمة الأوروبية في بروكسل في مطلع شهر مارس الماضي، حرص قادة الاتحاد الأوروبي، على اتخاذ عقوبات مخففة، لكونهم يخشون أن يكون رد فعل روسيا عليها، بوقف إمدادات النفط والغاز، ليس لأوكرانيا فقط، وإنما لأوروبا الغربية.

يرى بعض المحللين، أن أوروبا تتحمل مسؤولية تعريض نفسها للابتزاز، فهي التي جعلت نفسها، تعتمد إلى حد كبير على التزود بالغاز بالذات من روسيا. وأبرز مثال على ذلك، أن دولة صناعية عملاقة كألمانيا تقف مكتوفة الأيدي حيال النزاع مع روسيا، وتتجنب التصعيد مع بوتين. ومن يحاول البحث عن الأسباب، سرعان ما يتبين له أن الغاز الروسي يغطي نسبة 40 بالمائة من احتياجاتها من الغاز، والمشكلة الأكبر من وجهة نظر برلين، أن أكثر من نصف واردات ألمانيا من روسيا، هي كميات الغاز، التي تصل أراضيها عبر أنابيب تمر في أراضي أوكرانيا.

وكلما زاد النزاع بين روسيا وأوكرانيا وبين روسيا والغرب، حدة، كلما زاد قلق الألمان. وفي عملية استقراء للرأي تمت مؤخرا، كشفت أن غالبية الألمان، يخشون وقوع حرب جديدة في أوروبا، بسبب الأزمة الأوكرانية. وهذا معناه، أن تزود أوروبا الغربية بالطاقة من روسيا، مهدد في هذه المرحلة، أكثر من أي وقت مضى.

وبرأي كلاوديا كيمفرت خبيرة الطاقة في المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية DIW أن الضغط اشتد على ألمانيا، بسبب نشوء الأزمة في أوكرانيا، وأنها زادت من أخطائها الاستراتيجية، عندما وافقت على قرار تأجير أنبوب الشمال الذي يضخ الغاز من روسيا مباشرة لأراضيها، لشركة الطاقة الروسية العملاقة «غاز بروم» لخمسين عاما قادمة، بحيث أصبحت الشركة الروسية التي يجلس المستشار الألماني السابق جرهارد شرودر، على طاولة مجلس الأمناء فيها، وذلك بعد أن تقاعست مع كافة شركائها الأوروبيين الغربيين، في إيجاد دول مصدرة أخرى للغاز، تكون المنقذ في حال نشوء أزمات مع روسيا.

وقالت كيمفرت أنها تطالب منذ سنوات بدون جدوى، أن تخفض ألمانيا اعتمادها على استيراد الغاز من روسيا، ولم تهتم كثيرا بمشاريع لضخ الغاز من مناطق أخرى، مثلا، فشل مشروع «نابوكو» في عام 2013، وكان بعض الخبراء يأملون لو تحقق، أن يجري ضخ الغاز الطبيعي من أذربيدجان إلى أوروبا.

واستنادا لمعلومات ذكرتها مجلة «دير شبيجل» الألمانية مؤخرا، دفعت الأزمة الأوكرانية الأوروبيين إلى القيام بمحاولة جديدة لإنجاز مشروع أنبوب «نابوكو». كما تم البدء بوضع خطة على الورق، لإنشاء أنبوب «ترانس أدرياتيك» من قبل شركة «بريتيش بتروليوم» البريطانية، والمؤمل من هذا المشروع، أن يجري نقل الغاز الطبيعي من بحر «قزوين» عبر اليونان إلى إيطاليا، ومن هناك إلى أوروبا.

لكن بعض الخبراء الذين يساورهم القلق من تعرض أوروبا لأزمة خانقة في الطاقة، مثل شتيفين بوكولد، مدير مكتب الاستشارات في معهد بحوث الطاقة الذي يقع مقره في مدينة هامبورج، يشك بأن هذه المشاريع التي يتطلب تنفيذها وقتا طويلا، تكفي لسد احتياجات أوروبا من الغاز. وقال أن هناك احتمالاً بأن ينضب احتياطي الغاز الطبيعي المُخزّن في هولندا وبريطانيا والنرويج، كما يرى أن إنتاج الغاز في النرويج سوف يتراجع إلى حد كبير في السنوات القادمة.

أما توقعات الأوروبيين بالتزود من الغاز من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، إذا ما توفرت كميات أكبر في السوق العالمية، نتيجة إنتاج الغاز الصخري المثير للجدل، بسبب تهديده البيئة، إلا أن الخبراء مثل كيمفرت وبوكولد، لا يكفان عن دعوة أوروبا إلى البحث عن طرق لاستيراد الغاز المّسال LNG من الجزائر وقطر وغيرهما من دول العالم.

لكن هذا أيضا ليس حلا عاجلا، ويتطلب التحضير له سنوات من الجهد، إذ ينبغي أولا تشييد محطات في الموانئ الألمانية لاستقبال الناقلات المحملة بالغاز المُسال، وتخزينه.

ويتساءل المراقبون هنا ، بشيء من الاستغراب، لماذا أوقف الألمان مشروع تشييد محطة مناسبة في ميناء «فيلهلمز هافن» في أقصى شمال المانيا، حيث كان الهدف منه، استقبال ناقلات الغاز المُسال.

وبرأي الخبيرة كيمفرت، كان هذا خطأ استراتيجي فادح، إذ كان سيقلل من اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي.

لكن دولا أوروبية أخرى، تنبهت منذ زمن لهذا الأمر، ومثلا شيدت هولندا وبلجيكا وأسبانيا وفرنسا محطات لاستقبال ناقلات الغاز المُسال وتخزينه لسد حاجتها منه.

والمشكلة التي تواجه الأوروبيين حاليا، أن أي خيار للحصول على بديل للغاز من روسيا، لن يتم في وقت قريب.