زهرة بنت سعيد القايدية -
نصل أحيانا لدرجة الاكتفاء من الحياة! ليس لأننا معمرون، ولكن لأننا وصلنا إلى درجة التشبع من الإحباط والفشل، فليس هناك المزيد لنخسره، ولا شيء جميل ننتظره. البعض قد يصل إلى درجة أن ينادي الموت، وربما وصل به الأمر أن يفكر بطريقة للانتحار للهروب من الواقع المظلم. لكننا فجأة نرتعد، ثم نقرر بسرعة لا نريد أن نموت، إذ لسنا على جاهزية للعيش في مجهول آخر لا نعلم حالنا فيه.
لا عجب أن الكثيرين أصبحوا يمرون بهذا الشعور لمرة أو لمرات في حياتهم. من ذا الذي لا يمر على مَسْمَعه ولو لمرة في اليوم: الحياة صارت قاسية، فالجو شديد الحرارة، وبيتنا ضيق، فشلت في الدراسة، وخسرت كل أموالي، وفقدت من أحب في حادث سير، أصبحت لا أستطيع التنفس فكل شيء ضاق من حولي، تعبت من البكاء، وأشعر بالحرقة والمرارة، ثم ماذا؟!
إن من يسمع تأففنا، شكوانا، تذمرنا، كل يوم، سيظن أن الشمس لن تشرق من جديد، وسنموت عطشا، وأن الأكسجين على وشك النفاد لماذا؟! أصبح التشكي والتباكي أسهل من شربة الماء، فالوقوف في زحمة الطريق أول الصباح ونحن متجهون للدوامات تزعجنا، وكأن من يرانا متضايقين يحسب أننا من يحمل السيارة ويمشي! فماذا نقول عمّن يمشي على قدميه أو يتنقل بين سيارات الأجرة، أو من لا يستطيع أن يقود سيارة ويرى في نفسه عالة على الآخرين –وهو ليس كذلك- . ماذا عن الذين لم تتح لهم فرصة العمل، ويتمنون الفرصة التي بين يديك؟! هناك الكثيرون ممن لو فكرت فيهم لاعتقدت أنك في الجنة، فيا لروعة الحياة حين نقدّر النعمة التي بين أيدينا.
ففي الحقيقة لا أحد يعيش في الجنة على وجه هذه البسيطة، فجميعنا ينال نصيبه من الحالات والمشاعر المفرحة منها والمحزنة، مهما اختلفت ظروفك، وعلا قدرك أو صغُر.
إن من أصعب ما يمكن أن نمر عليه نحن البشر، هو فقد قريب أو حبيب، فمن منّا عاش دون أن يعاني هذا الشعور! إلا أننا رغم ذلك نستعيد قوتنا ونكمل المسير، لأننا نؤمن أن ما أخذه الموت لن يعود. فلماذا لا نمارس الطقس نفسه، حينما يتعلق الأمر بمصيبة أخرى، أخف وألطف؟
قد تحدث لنا أمور كثيرة، هي مؤلمة جدا في نظرنا، وقد لا تكون هذه الأمور مما اقترفت أيدينا، فنصابُ بالصدمة، لكن ماذا بعد؟! هل ستفكر بالموت، ولست أعني هنا، الموت ضد الحياة، بل الركون في دوامة الحزن واليأس والضيق، دون تقدم للأمام، أم ترسم لحياتك حياة جديدة ومسارا أفضل. فلعل ما حدث درس من دروس القدر، لنتَنبّه لا أن نتأوّه. لا تتأمل ولا تصدق حين يصوّر لك البعض، أن هناك من عاش الكمال، ولا بد أنهم يقصدون أولئك الذين عرفوا القناعة. فمن ذا الذي وعدنا، فقال: ان الدنيا هي جنّة الخُلد!