هلال بن سالم بن سعيد الشهومي -
هنا في هذه البلدة العجيبة المملوءة بعصافير زاهية، أسمع زقزقتها كل صباح، زقزقات تفتح النفس و تحجب الألم، وتنبئ ببدء يوم جديد رحب مميز، الطيور بأنواعها أشاهدها تجيء وترحل الا ذاك البط الذي اعتاد المجيء من بعيد ليستقر بالقرب من بركة ماء مطلة على شرفة شقتي في كاليفورنيا، و يمكث طويلا بلا رحيل.
البط لا يأتي سوى كل فجر، حتى قبل طلوع الشمس تراه منفرشا هناك، فهو لا يبحث عن شمس تدفئه، او شخصً يجاريه. وإنما أرسله رب العالمين ليبهج جموع السيارة بريشه الجميل، و بصوته الرقيق.
البطة التي أسميتها سالي، هي من توقظني كل صباح. لم اعلم في البداية ان لسالي صوتا، ولكن اكتشفت بعدها ان الله تعالى خلق لها تلك الحنجرة المفعمة بالحياة، المملوءة بوهج الامل، بكل ما في الحياة من محتوى وزهور وافراح.
جاءت سالي فأيقظتني، وأنا الذي اعتدت ان استيقظ على صوت ديك شرير في منزل جدي رحمه الله، ولكنني اليوم تحت رحمة هذا البط الضعيف، إما ان يوقظني، و إما ان استمر في سباتي المسود بأحلامٍ رديئة تذكرني بماضٍ تعيس. منذ ان اتيت الى هذا البلد، و انا لا ادخل في النوم الا و تنهال علي تلك الاحلام و الرؤى المريبة التعيسة.
استيقظ على صوت سالي، اشرب فنجان قهوتي الصباحية، اخرج اطمئن عليها، ولكن سالي ليست هناك. لقد ايقظتني لتوها. اين ذهبت؟ لربما جاء جون، فهربت منه. جون اللطيف، ذو الابتسامة الواسعة، اشقر الشعر، وسيم المنظر، يأتي ايضا كل فجر، ولكن هدفه هو تنظيف البركة.
سالي تخاف من جون. لماذا؟ اذا استمر في المجيء فلن اجد من يوقظني كل صباح. لعله خير لي ان لم التق بسالي هذه المرة، فهي دائما ما تؤخرني عن حضور حصة الرياضيات. اعتدت ان احضر لها كأسا من القمح تأكله، او بقايا فاصوليا من عشائنا البارحة، اعتدت مشاهدتها وهي تطأطئ برأسها حول البركة. ثناياها تنبئني بحلاوة الحياة، ريشها صاف صفاء السماء، و صوتها منبه غفوات الاتقياء، الابرياء، و الكسالى.