عبدالرزاق الربيعي -
على غير سابق الأعياد طرق العيد أبوابنا، ونفوسنا مثقلة بالكثير من الأحزان، بسبب الأزمات التي تمرّ بها المنطقة، والمخاوف الناتجة من خشية تفاقم الأوضاع في عواصم ومدن عربية عديدة، لتختفي منها مظاهر العيد، من أراجيح وبالونات ملوّنة، وكعك، وملابس جديدة، فلم تكن«العيديّات» في تلك المناطق، التي وصفت بالساخنة، غير قنابل، ورصاص، وهاونات مدافع، وقصف عشوائي، وسيّارات مفخخة، وعبوات ناسفة، نسفت ضحكات الأطفال التي خرجت من البيوت إلى الحدائق العامّة لملاقاة أفراح العيد، ولكن أعداء الحياة كانوا لتلك الأفراح بالمرصاد، فرفعوا معاولهم، ليكسّروها منطلقين من حقد على الجمال
عيد بأيّة حال جئت…
هذا ماردده الكثيرون وهم يشاهدون الطائرات الإسرائلية تواصل قصفها في غزّة، لتهدم بيوتا آمنة وتقتل نفوسا كانت تستعد للعيد !
عيد بأيّة حال جئت…
الخبر السوري ظل يتصدر نشرات الأنباء بما يحمله من وجبة دسمة من موت يومي صار مألوفا منذ أكثر من سنة ونصف، ولا حلّ في الأفق، فكل الأطراف تبدو قوية ومتمكنة، وسوريا التي تمضي بخطى نحو المجهول هي الضحية الأكبر في الصراع الدائر بين القوات النظامية من جهة، والمعارضة للنظام، والمسلحين المتشددين من جهة ثانية !
عيد بأيّة حال جئت…
في العراق تابعنا مشاهد لآلاف النازحين عن المناطق الساخنة التي احتلتها «داعش»، فاضطروا لترك بيوتهم والمبيت دون مأوى في كارثة انسانيّة هزّت ضمير المجتمع الدولي، ومما زاد من كسر فرحة العيد تهديم»داعش» أضرحة لأنبياء شكلت علامة مهمة من علامات مدينة الموصل التي سمّيت ب»مدينة الأنبياء»، ومن أبرزها ضريح النبي يونس (ع) الذي كانت العوائل العراقية تقصده أيام الأعياد، كما لاحظت ذات عيد، أمضيته في «الموصل» منتصف الثمانينات، كان مشهدا مؤلما أن نشاهد البناء الهندسي التاريخي الجميل، الذي كان يطلّ من مرتفع، يتهاوى أمام الأنظار في لحظات بفعل فتاوى ظلامية لا قدسية عندها لحي ولا ميت ! ينطلق أصحابها من فكر ظلامي يستهدف كلّ ماهو مقدّس حجري، وهذا يعني إن أحجار هذا الفكر، لن تتوقّف عند مدينة معيّنة، أو ضريح، أو مزار !!
أصحاب هذه الفتاوى طالوا حتى «صلاة العيد» حيث منعوا المصلين من أدائها في الموصل، وتكبيرات المساجد باعتبارها»بدعة» !
عيد بأيّة حال جئت…
في ليبيا تواصلت الاشتباكات بين القوات النظامية، وميليشات معارضة لها ، فلاح في الأفق شبح حرب أهلية ستحرق الأخضر بسعر اليابس، إن قامت لا سمح الله!!
عيد بأيّ حال جئت…
في الجزائر القى سقوط الطائرة الجزائرية في مالي الذي ذهب ضحيته 116 راكبا ظلاله، فعمّ الحزن في شوارع الجزائر، رغم اعتقاد المحللين بأن العواصف الرملية الهوجاء والأمطار الغزيرة التي تساقطت على المنطقة هي التي تسببت في تحطم الطائرة، ولكنّهم لم يستبعدوا أن يكون وراء الحادث جماعات مسلحة تنشط في شمال مالي، بخاصة، إن الحادث وقع بعد أيّام قليلة من سقوط الطائرة الماليزية بنيران «أوكرانية»، وهذا جعل القلق يتسّرب إلى شركات الطيران، فأعلنت ثلاث شركات طيران تتجنب المرور بالأجواء العراقيّة باعتبارها «ليست آمنة» !
وهكذا مرّ العيد على هذه المناطق، وسواها من عواصم عربية تعيش توترات مستمرة منذ شهور عديدة !
لكنّه لم يتوقّف عن طرق أبواب القلوب قبل البيوت، موزّعا الفرح، والطمأنينة على النفوس المتعبة، فأتاح فرصة للتواصل مع الأهل، والأصدقاء الذين حالت مشاغل الحياة دون ذلك، في بقيّة الأيّام، وكان في مقدّمة مستقبلينه الأطفال، وقد شاهدت صورا لأطفال من عوائل نازحة في العراق كانوا يبتكرون العابا تجعلهم يعيشون أجواء العيد، رغم الحال، الذي هم عليه، وهذا يؤكّد أن معاول الظلام لن تتمكّن من كسر فرحة العيد التي تظل تحلّق فوق الرؤوس والنفوس داعية الله أن يكون القادم أجمل، وأن يحلّ علينا، مرّة أخرى، ونحن نعيش أياما أجمل بعد تجاوز هذه الأزمات، ليظل العيد الذي وصفه المتنبي ب»سيّد الأيام» عنوانا للجمال والسعادة.