في مجتمع يخط تفاصيل الانفتاح الفكري للمرأة، محكوم بالعادات والتقاليد حيث العام (1984م)، خالفت كل المعتقدات وسعت إلى إيجاد التغيير الذي تحتاجه ولاية صُور نساءً وأطفالا. شجّعت وسعت من أجل استمرارية تعليم الفتيات وتثقيفهن من خلال تجمع نسائي خاص بالولاية. هنا وعلى هذه السطور، تسرد لنا زكية بنت سالم العلوية – في حديث خاص لعمان- قصّة تأسيس جمعية المرأة العمانية بصور كأول رئيسة للجمعية والساعية الأولى لإنشائها.
دافعية الشباب
بدأت زكية العلوية حديثها حول فاعلية الشباب في الرقي بالمجتمع بقولها: «باندفاع الشباب وحماسه، وإيمانا مني بأن المرأة (الصوريّة) ليست بأقل من شقيقاتها في مسقط إن أتيحت لها الفرصة وذُللت في طريقها الصعاب؛ قررت أن تكون لولايتي جمعية نسائية كما في العاصمة مسقط وعروس الجنوب صلالة. خاصة وأن النساء في ولاية صور لم تكن تتوفر لهن الفرص سواء للتثقيف والتوعية أو الترفية، ومن خلال ما رأيت في مسقط وما اطّلع عليه في الصحف اليومية من أنشطة نسائية ومن الواقع المعاش في صور في فترة (1984) بأن المرأة والفتاة بحاجة إلى مكان خاص بها تجتمع فيه مع الأخريات لتمارس الهوايات والأنشطة وتتدارس فيه حلول المشاكل الأسرية، تتشرب فيه من معين العلم والثقافة وتكتسب مهارات جديدة تعينها في حياته؛ لذا ارتأيت تحمل العبء حتى لا تكون النساء في ولايتي أقل شأنا وليساهمن بجهودهن في دفع عجلة التقدم لهذا المجتمع».
إلى مسقط
وأضافت: «بحثتُ عن الطريق لذلك، شددت الرحال نحو مسقط إلى وزارة (الشؤون الاجتماعية والعمل) آنذاك، بجهد فردي وبقناعة ودعم قوي من الأسرة وبالأخص والدي. ذهبنا للاستفسار والاطلاع على القوانين الخاصة بتكوين الجمعية، حملت أوراقي وأملي وبدأت بزيارة إلى دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل بصور ومقابلة المسؤولين فيها، ثم مقابلة والي صور؛ لعرض الموضوع عليه وأخذ موافقته الرسمية،بدأتُ مرحلة الزيارات الميدانية للمدارس والتجمعات النسائية في المناسبات لطرح الفكرة على الأخوات بأهمية تكوين جمعية نسائية في ولاية صور، قابلتُ المؤيدين والمعارضين ولم يثنِ ذلك من عزيمتي وهدفي واستمر السعي…».
حلم إلى حقيقة
عملها كمديرة مدرسة، سهّل عليها فرصة الالتقاء بالنساء من أجل إيضاح الصورة لهن وتوضيح الهدف من هذا السعي. وتتابع قائلة: «كنت أخطط لعقد اجتماعات مسائية في مدرسة الخنساء حين كنت مديرة عليها، استغرق أمر إيضاح آلية عمل الجمعيات قرابة الشهر وأكثر؛ فالنساء في ذلك الوقت متحفظات بعض الشيء والعمل المسموح به كان ينحصر على قطاع التعليم وبأعداد قليلة جدا. تمكنت بعدها- بفضل الله تعالى- من إقناع عدد لا بأس به وبدأت رحلة إنشاء الجمعية بعد أن تمت الموافقة عليها في العام 1994م. وبعد الانتخابات، كنت أول رئيسة لجمعية المرأة العمانية بصور والمؤسسة لها».
تحديات البداية
وأما في ما يتعلق بأهم وأبرز التحديات قالت: «إن من أهم الصعوبات التي واجهتنا في تلك الفترة، شح الموارد والإمكانيات، كنا نحتاج لوسيلة نقل لتجميع العضوات، وآلة تصوير لتوثيق المناشط والاجتماعات، ومواد خام للدورات والعمل، فاستعنت بباص المدرسة للفترة المسائية مقابل مبلغ أدفعه للسائق، وقمت بشراء آلة التصوير. بعدها باشرنا مرحلة طباعة الأوراق ومواعيد الفعاليات في المدرسة وكنا نبعثها للأخوات، واستمرت جهودنا كذلك- لبنة فوق أخرى- بالتعاون مع دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل بصور، حيث نفّذنا العديد من الفعاليات التي كان لها صداها في مجتمع صور الهادئ وبدأت نظرة المجتمع تتغير شيئا فشيئا؛ فقد بادرت الدوائر الحكومية بالتعاون معنا خاصة الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية والبلدية. طالبنا بعدها بمقر ثابت ومواد خام للأنشطة، فاستأجرت الوزارة لنا مبنى عبارة عن فيلا وتم تأثيث المكان، وبدأت المناشط في ازدياد حيث أصبح المكان متنفسا للنساء».
التوعية والتراث
وتابعت: «بدأنا بتكوين معرض يحوي تراث المنزل الصوري والملابس والحلي وأدوات المطبخ وأدوات الصيد والسفن عن طريق تعاون الأهل والأقارب، حيث ساهم في إبراز موروث صور الشعبي وتراثها في المناسبات المختلفة. أما عن أنشطتنا فقد ركزنا على التوعية وتثقيف المرأة في عدة مجالات منها ما يخصها شخصيا ومنها ما يخص الطفل والأسرة والبيئة المحلية. ولعل أهم ما سعينا لتغييره هي ظاهرة الزواج المبكر باعتبارها ظاهرة تمس حياة الكثير من الفتيات المقبلات على الزواج واللاتي يتم تزويجهن قبل بلوغهن سن النضوج العقلي الكامل لإدارة أسرة وأبناء. وقد حدث ذات مرة أن رفع أحد أولياء الأمور البندقية في وجهي لسعيي في جعل ابنته تكمل دراستها بدلا من تزويجها حيث كانت من الطالبات المتميزات في المدرسة، وقد ركزنا أيضا على موضوع صحة الأم الحامل وتغذيتها التغذية السليمة ورعاية الطفل وأهمية تحصينه حيث كنّا في تلك الفترة نعاني من انتشار شلل الأطفال. إلى جانب ذلك فقد ساندتنا بلدية صور بنشر ثقافة النظافة العامة حيث نفذنا حملات توعوية في جميع مناطق صور والفليج وعبات وقلهات والمناطق البدوية عبر زيارات ميدانية، مستخدمين مكبرات الصوت والمنشورات التوضيحية. كما أجرينا مسحا للمناطق والقرى النائية التابعة لولاية صور التي لا تتوفر فيها الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات الأخرى نظرا لصعوبة المواصلات على فترات متباعدة للتوعية، وبحث احتياجاتهم ورفعها للمسؤولين في الدوائر الحكومية المختلفة. وتنظيم زيارات لمستشفى صور وتقديم الهدايا في المناسبات وعمل دورات الطهي والخياطة بالتعاون مع معلمات التربية الأسرية. ودورتا في اللغة الإنجليزية والطباعة للعضوات بالتعاون مع معهد التدريب المهني لرفع مستواهن وإيجاد فرص عمل لهن».
مشاركات مختلفة
«شاركنا في الاحتفال بالأعياد الوطنية والمناسبات الدينية ومهرجان الطفولة وأسبوع العمل الخليجي، بالإضافة إلى مشاركة الجمعية في اليوم العماني بمعرض كامل يحتوي على تراث ولاية صور حيث حضر المعرض وفود نسائية من الخليج وزوجات السفراء وبرزت جمعية المرأة العمانية بصور في ذلك اليوم بإشادة من حضر المعرض. كما شرفت بحضور المؤتمر الإقليمي الرابع للمرأة في الخليج والجزيرة العربية والذي كان تحت مسمى (نحو واقع أفضل للمرأة والطفل).
30 عاما
واستمرت جمعية المرأة العمانية بصور تواصل تقدمها خلال الثلاثة عقود الماضية وتعددت مناشطها؛ نظير توالي الإدارات عليها من الأخوات، كلٌ يساهم بجهده وعطائه بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة وبإشراف من وزارة التنمية الاجتماعية.