خيارات العرب.. لإنهاء الاحتلال

العزب الطيب الطاهر –

ألقى العرب بكل ثقلهم وراء التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار ينهي الاحتلال الاسرائيلي، وفق سقف زمني محدد بعامين وذلك وفق المشروع الذي قدمه الأردن مؤخرًا للمجلس، باعتباره العضو العربي الممثل فيه ضمن مجموعة الدول غير الدائمة العضوية يعود ذلك بالدرجة الأولى لقناعتهم بعدم جدوى الصيغ والنماذج التي ظلت سائدة على مدى العقود الثلاثة المنصرمة، وفي صدارتها المفاوضات الثنائية التي لم تسفر سوى عن نتائج محدودة تمثلت فى سلطة الحكم الذاتي بناء على اتفاق أوسلو في عام 1993 والتي نجمت عن مباحثات سرية احتضنتها العاصمة النرويجية في ذلك الزمان البعيد، وعلى الرغم من أن هذه السلطة نجحت في بلورة هيكلية قيادية للشعب الفلسطيني قائمة على أرضه إلا أنها عجزت عن تحقيق الأهداف الحقيقية من أي مفاوضات أو اتفاق سلام والتي تتمثل أساسًا فى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ضمن حدود الرابع من يونيو 1967.


جاء التحرك الفلسطيني الى مجلس الأمن بناء على قرار من مجلس الجامعة العربية في اجتماعه الطارئ على مستوى وزراء الخارجية بالقاهرة في نهاية نوفمبر الماضى بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس –أبو مازن– والذي طرح الخيارات المتاحة أمام القيادة الفلسطينية على صعيد هذا القرار ومنهجية التعاطي مع ردود الفعل الاسرائيلية والأمريكية، وهو ما حظي بإسناد عربي فائق ترجم عمليا -بعد أيام وجيزة- في الاتصالات التي أجراها الوفد الوزاري العربي المكون من الشيخ خالد الصباح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الكويتي، والدكتور رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني، والدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية في كل من باريس ولندن خلال الأسبوع قبل الفائت مع كل من جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ووزيري خارجية فرنسا وبريطانيا، وذلك بهدف دعم الموقف الفلسطيني على صعيد اتخاذ قرارات واضحة تعيد عملية السلام الى مسارها الصحيح إثر حالة الجمود التي بلغتها عملية السلام جراء رفض اسرائيل تطبيق التفاهمات التي تمت مع الجانب الأمريكى والتي انطلقت في ضوئها مفاوضات استمرت لمدة تسعة أشهر دون أن تسفر عن نتائج ملموسة بفعل إجهاضها من قبل إسرائيل في الثلاثين من مارس الماضي.

وفي ضوء الاتصالات العربية والمدعومة من أطراف دولية مهمة مثل فرنسا وروسيا والصين فإن مجلس الأمن يشهد حاليًا سلسلةً من المشاورات والاتصالات لإجراء بعض التعديلات على مشروع القرار المقدم إليه، وذلك بهدف أن ينال أكبر مساحة من التأييد له سواء من قبل الأعضاء الدائمين بالمجلس أو من الدول غير الدائمة العضوية أو المجموعات الدولية في الأمم المتحدة ومازال ممثلو المجموعة العربية في نيويورك وكذلك الأمانة العامة للجامعة العربية، وعدد كبير من وزراء الخارجية العرب يقومون بتكثيف اتصالاتهم مع أعضاء مجلس الأمن وغيرهم من أطراف مؤثرة في المنظمة الدولية من أجل الوصول إلى مشروع قرار يحقق أهداف التحرك العربي، وفي الوقت نفسه يستجيب لمطالب بعض الأطراف الأخرى وفي هذا الصدد هناك مشروع قرار فرنسي إلى جانب المشروع الفلسطيني المدعوم عربيًا فضلاً عن أنباء تتحدث عن مشروع قرار أمريكي لم يطرح بعد، ومن الأهمية بمكان على هذا الصعيد ألا تخل عملية التوافق، التي تسعى إلى بلورتها المشاورات الدائرة في مجلس الأمن بالهدف الأساسي الذي تسعى إليه القيادة الفسلطينية والجانب العربي والمتمثل في تحريك المياه الراكدة للوصول إلى مفاوضات حقيقية وجادة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وتحديد موعد لانسحاب القوات الاسرائيلي، وكذلك تحديد زمن للمفاوضات وللوصول الى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهو ما يحظى بموافقة الجميع عدا إسرائيل وبعض الأطراف الدولية المساندة لها.

ولتوفير المزيد من الإسناد للطرف الفلسطيني، ولمشروع القرار المقدم الى مجلس الأمن فإن ثمة اجتماعًا طارئًا سيعقده مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية منتصف يناير المقبل، فضلاً عن اجتماع للجنة مبادرة السلام العربية برئاسة الكويت في اليوم نفسه، وذلك لبحث البدائل التي يمكن للعرب أن يقدموا عليها في حال إصرار الولايات المتحدة على أمرين، أولهما تأجيل التصويت على المشروع الى مابعد الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية وثانيهما التهديد باللجوء الى استخدام حق النقض -الفيتو- لإجهاضه مثلما فعلت 41 مرة من قبل لإجهاض قرارات تتعلق بالقضية الفلسطينية وذلك في ضوء انحيازها السافر لوجهة نظر الدولة العبرية.وفي هذا السياق فإن السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية المسؤول عن ملف فلسطين والأراضي المحتلة ينظر بارتياب إلى دعوة وزير الخارجية الأمريكي – جون كيري للفلسطينيين بتأجيل التصويت على مشروع القرار ويرى أنها تقدير غير صائب، ولكن الخطر الأكبر الذي يحيط بمشروع القرار المقدم الى مجلس الأمن يكمن بالأساس- حتى لو تم تأجيل التصويت عليه – في إصرار واشنطن على استخدام الفيتو، وهو الهاجس الكبير المسيطر على الجامعة العربية، وعلى وزراء الخارجية العرب بحسبانه ينطوي على مخاطر حقيقية على إمكانية بلورة حلول جادة لإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي الأمر الذي يأمل معه السفير صبيح – في حديث خاص جمعه وكاتب هذا السطور- في أن تتجاوب الولايات المتحدة مع الجهود الرامية لاستصدار القرار المأمول من مجلس الأمن الدولي، وذلك من خلال عدم لجوئها إلى الفيتو – ضده وأن تتبنى في المرحلة الراهنة موقفًا جديدًا يساعد على تكريس السلام فى الشرق الأوسط، وينهى الصراع العربي الفلسطيني الذي يمتد الى أكثر من ستة عقود، فهي بيدها فقط إنقاذ المنطقة – على حد قوله – عبر موافقتها على مشروع القرار، الأمر الذى من شأنه أن يعيد الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي إلى خيار المفاوضات الذي سيقود إلى إنهاء الاحتلال وإعلان الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة اسرائيل وفق حل الدولتين الذي يحظى بإجماع إقليمي ودولي خاصة أن استخدام الفيتو سيضر بالقضية الفلسطينية، وسيكون موضع استغلال من قبل المتطرفين فضلاً عن أن المزيد من الإحباط واليأس سيؤجج ما هو موجود في المنطقة من توتر.

وبالطبع يتبقى السؤال الجوهري : ما العمل أمام الفلسطينيين في حال اللجوء الأمريكي إلى استخدام حق النقض لإجهاض مشروع القرار الفلسطيني؟ الإجابة قدمها الفلسطينيون أنفسهم عبر مسارين يجسد أحدهما الخيار السياسي عبر مستويين أحدهما يتمثل في قطع كافة أشكال التنسيق مع اسرائيل، وفي المقدمة منها التنسيق الأمني والذي يوفر معطيات معلوماتية شديدة الأهمية على الرغم من محاولة كبار مسؤوليها التقليل من فعالية هذه الخطوة، والآخر يكمن في طلب الانضمام إلى المنظمات والاتفاقيات والبرتوكولات الدولية التابعة للأمم المتحدة وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية، والأخيرة تتيح المطالبة الفلسطينية بالتقدم اليها لإجراء محاكمات لقادة الكيان الصهيوني بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة انسانية ضد الفلسطينيين وهو خيار يحبذه الرئيس محمود عباس وأعلن عنه بوضوح نبيل شعث مسؤول العلاقات الدولية باللجنة المركزية لحركة فتح ويحظى بتشجيع عربي علني وفق ما نص القرار الذي صدر عن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب والذى أكد دعمه الكامل لأي مسعى فلسطيني فى هذا الاتجاه أما الخيار الثاني فينزع الى العودة إلى خيار الانتفاضة الشعبية وإعلان المقاومة، وهو ما تميل اليه قيادات راديكالية بفتح وأغلبية الفصائل الفلسطينية الأخرى، وقد يتطور هذا الخيار ليعيد إنتاج المقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال والتي توفر الذرائع اليومية لإمكانية الإقدام على هذا الخيار الذي قد يلجأ اليه الفلسطينيون كورقة أخيرة في سبيل إنجاز مشروعهم الوطني بعد أن عجز المجتمع الدولي عن إجبار اسرائيل للتجاوب مع كل ما قدموه على مدى العقود الأخيرة من نزوع حقيقي للسلام مع دولة الاحتلال، ولكنها – للأسف – لم تمد يدها لأيديهم الممدودة وبالتالي سيتحمل – أي المجتمع الدولي – المسؤولية الأولى عن أي ترد أو انهيار في الأراضي المحتلة ناجم عن رفض مشروع القرار الفلسطيني من خلال الفيتو الأمريكي.