محمد إسماعيل -
يمثل الشباب فئة عمرية في المجتمع المسلم تتسم بعدد من الصفات والقدرات الاجتماعية والنفسية وتختلف بداية هذه الفئة العمرية ونهايتها باختلاف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع.
والواقع أننا كلما أخذنا بالمعيار الزمني في تحديد مرحلة الشباب مع أخذ معيار النضج والتكامل الاجتماعي للشخصية في الحسبان جاء المفهوم أكثر دلالة ودقة ووضوحا.
ويؤكد الدكتور محمد الصابوني في كتابه “روائع البيان، تفسير آيات الأحكام” على عدم الاتفاق القاطع على بداية مرحلة الشباب ونهايتها فبينما نجد من يرون أنها تبدأ في سن الثالثة عشرة وتمتد حتى سن الثلاثين، ومن يرون أنها تبدأ في سن الخامسة عشرة وتنتهي في سن الثلاثين، نجد المؤتمر الأول لوزراء الشباب العرب قد قصرها على فترة العمر من 15 إلى 25 سنة، وكذلك فإن هناك من يرون عدم دقة الاعتماد على المعيار الزمني في هذا السبيل مع إهمال معيار النضج والتكامل الاجتماعي للشخصية.
وهنا يلزم أن نتعرف على رأي الدين الإسلامي الحنيف في هذا المجال فنذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع”، ولعل هذا الحديث الشريف يؤكد أن الطفل إذا ما بلغ سن العاشرة اصبح مسؤولا عن تصرفاته إلى حد توقيع العقوبة عليه للمخالفة إذ أن العقوبة التي تصل إلى حد الضرب تفيد تلك المسؤولية كما تعني قدرا من التكليف للأطفال.
على أن سن البلوغ الذي يلزم به التكليف الصريح جاء بشأنه قوله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} وتفيد بأن الطفل يصبح مكلفا بمجرد الاحتلام ولقد اتفق الفقهاء على أن الصبي إذا احتلم فقد بلغ وأن الجارية (الفتاه) إذا – احتلمت أو حاضت أو حملت فقد بلغت، أي أن الاحتلام يعتبر علامة واضحة على بلوغ الصبي أو الجارية سن التكليف، وهذا بإجماع العلماء حيث لم يختلف فيه أحد، ولكنهم اختلفوا في تقدير السن التي يصبح بها الإنسان مكلفا حيث نجد في هذا الأمر رأيين:
الرأي الأول: يتمثل في وجهة نظر الحنفية التي تقول بأن الإنسان لا يكون بالغا حتى يتم له ثماني عشرة سنة، والدليل على هذا قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} وأشد الصبي كما روي عن ابن عباس ثماني عشرة سنة، أما الإناث فإن نشوءهن وإدراكهن يكون أسرع ويقدر بلوغهن بسبع عشرة سنة.
والرأي الثاني: يمثل وجهة نظر الشافعية والحنابلة ويرون أنه إذا بلغ الغلام أو الجارية خمس عشرة سنة فقد بلغا – وفي هذا رواية عن أبي حنيفة أيضا – فيكون هذا هو السن الذي يصبح الإنسان مكلفا فيه.
ويقول الدكتور محمد عزمي صالح في كتابه “التأصيل الإسلامي لرعاية الشباب”: لقد ورد في تفسير الحصاصي لأحكام القرآن لقوله تعالى: {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} ما يدل على بطلان قول من جعل حد البلوغ خمس عشرة سنة إذا لم يحتلم قبل ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى لم يفرق بين من بلغها وبين من قصر عنها بعد ألا يكون قد بلغ الحلم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم”.
وقد روي عن الشافعي رحمه الله أنه يعتبر سن الإنبات دليلا على البلوغ، وروي أن الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض الروايات – أمر بقتل من يقتل إذا جرت عليه الموس، وفي بعضها من اخضر عذاره (أي من نبت شعر عانته)، ومعلوم أنه لا يبلغ هذه الحال إلا وقد تقدم بلوغه، كما أن الإنبات يدل على القوة البدنية ومن ثم فإن الأمر بالقتل جاء لذلك وليس للبلوغ. وجدير بالذكر أن بقية الفقهاء لا يعتبرون الإنبات دليلا على البلوغ.
وقال أبو بكر الرازي في تفسيره لقوله تعالى: {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} أن من لم يبلغ الحلم إنما يؤمر بفعل الشرائع وينهى عن ارتكاب القبائح على وجه التعليم والتأديب ليعتاده ويتمرن عليه فيكون ذلك أسهل عليه عند البلوغ.
على أنني أفضل أن يتسع نطاق مرحلة الشباب بحيث تكون بدايتها هي بلوغ سن الاحتلام الذي اتفق الفقهاء على أنه لا يكون قبل سن الخامسة عشرة في تفسيرهم للآية الكريمة {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} ونهايتها مع نهاية فترة الرشد التي تقدر ببلوغ سن الثلاثين (وبذلك تكون مرحلة الشباب هي الفترة السنية الواقعة بين 15، 30 سنة).
وإذا كانت نهاية مرحلة الشباب قد تم تحديدها ببداية فترة الرشد على نحو ما تقدم حسب ما أطلقه العلماء فإن بلوغ الرشد أو النضج بمعناه الحقيقي لا يكون ببلوغ سن معينة أو عمر محدد نظرا لأن “السن وحدها بطبيعة الحال ليست أساسا أكيدا لبلوغ درجة النضج. فأفضل دليل على النضج هو الكيفية التي يواجه بها الفرد مشكلاته والالتزامات التي يفرضها عليه المجتمع”.
على أن هذا النضج يسبقه تمهيد يتمثل في استغراق الشباب “في التفكير الجدي في القيم، والتفسيرات الأخلاقية، وقواعد السلوك، ومعايير النشاط” وهذا في حد ذاته يعتبر مدخلا لبلوغ النضج.