د. ناصر بن علي الندابي -
زخرت عمان عبر عصورها بحكماء بلغاء، كيف لا وهي بلدة مباركة لم تدنسها الحضارة المدينة، ولم تؤثر فيها ضروب التمدن والتحضر الأجوف، تضاريسها حمتها من أعدائها، فطبيعتها حافظت على أصالتها، ومنعت صور البذخ أن تدخل فيها، يحيط بها بحران: بحر من الرمال، وبحر من الماء، فلا يقصدها إلا محب لإهلها، قومها اهتموا بالأفعال لا الأقوال، وركبوا الصعاب وجانبوا المهازل، تركوا سفاسف الأمور، واعتلوا معاليها، فهذا صبرة بن شيمان الحداني الأزدي العماني يصف الحي العماني قائلا: إنا حيُّ فَعال، ولسنا حيَّ مقال، ونحن نبلغ بفعالنا أكثر من مقال غيرنا». ووصف عماني آخر بلده حين سأله عنها أبو عمرو بن العلاء فقال : سيف أفيح وفضاء صحصح، وجبل صلدح، ورمل أصبح، فقلت : أخبرني عن مالك، قال : النخل، فقلت فأين انت عن الإبل؟ فقال : كلا إن النخل أفضل، أما علمت أن النخل حملها غذاء وسعفها ضياء ، وكربها صلاء، وليفها رشاء، وجذعها غماء، وفروها إناء، فقلت: وأنّى لك هذه الفصاحة؟ قال : إنا بقطر لا نسمع فيه ناجخة التيار.
اشتهر أهلها بالحكمة المقرونة بالبلاغة والفصاحة، إذ يروى أن معاوية بن أبي سفيان قال لصحار بن عياش العبدي العماني : ما هذه البلاغة التي فيكم؟ قال شي تجيش به صدورنا فنقذفه على ألسنتنا، قال له رجل من عُرّض القوم – من عوام القوم- ، يا أمير المؤمنين هؤلاء بالبسر والرطب أبصر منهم بالخطب، فقال له صحار: أجل والله إنا لنعلم ان الريح لتلقحه وإن البرد ليعقده وإن القمر ليصيغه، وإن الحر لينضجه.
فقال له معاوية ما تعدوا البلاغة فيكم ؟؟ قال : فقال الإيجاز : قال له معاوية وما الإيجاز قال: إن تجيب فلا تبطئ وتقول فلا تخطئ، فقال له معاوية: أو كذلك تقول يا صحار، قال صحار : اقلني يا أمير المؤمنين ، ألا تبطئ ولا تخطئ.
رجالها جمعوا بين الخطابة والشعر، بين الحكمة والنباهة، عندما يذكر أخطب الخطباء يكون من بينهم عماني، فلا أحد ينكر الخطيب المفوه صعصعة بن صوحان وأبو حمزة المختار بن عوف السليمي، وعندما يعد أشعر الشعراء يكون معهم رجل من عمان، فلا ينكر التاريخ كعب الأشقري العماني، وقد أعجب الحجاج بن يوسف بكعب بن معدان الأشقري العماني فقال له ذات مرة: أشاعر أنت أم خطيب؟ فقال: كلاهما. ويقال : شعراء العصر الأموي أربعة : جرير والفرزدق والأخطل وشاعر من عمان يدعى كعب بن معدان.