سالم بن حمدان الحسيني -
بالأمس القريب ترجل عن صهوة جواده.. حيث حط رحاله لأيام وليال وجيزة لم تتعد الثلاثين تضاعفت خلالها البركات، وكثرت النعم والخيرات وتصافت القلوب وتصافحت وتلاقت السواعد وتعاونت.. وتنزلت خلالها الأنوار وسطعت، وتوحدت الصفوف في المساجد والجوامع وتعددت.. مرت الثلاثون وكأنها ثلاث.. سألناه البقاء أكثر حتى يزيد الخير أكثر وأكثر.. فلم تكد الأعين تكتحل برؤيته حتى أفل.. ولكن هيهات هيهات قالها وهو يحزم أمتعة السفر.. معقبا القول بأن صاحب الحظ السعيد من استغل تلك الأيام والليالي في العبادات، وصنوف الطاعات وبذل لإسعاد المحتاجين العطايا والصدقات وطهر ماله وشح نفسه بالزكوات، والغافل من غفل عن ذلك واغتر بالأماني والآمال المهلكات.
أوصانا قبل أن يهم بالرحيل مذكرا ايانا باستثمارالأوقات واستغلالها في الخير وعمل الطاعات.. فالأيام والليالي تمر سريعا لم تتوقف عجلاتها عن الدوران وهكذا هما الجديدان يأتيان كل يوم بجديد.. لم تعد الحياة ساكنة بل متبدلة مبدلة ومتغيرة مغيرة.. فبقاء الحال من المحال.. فالدنيا بأسرها وبمن فيها ومن عليها إلى زوال واضمحلال.. (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
جاء العيد.. وذهب ولم يأت بجديد.. وحق لمن قضى أيام الشهر ولياليه في عمل الطاعات ومن يتقرب إلى الخالق سبحانه بصنوف القربات.. حق لمن كان ذلك نهجه الفرح والسرور والانتشاء بسعادة وحبور.. لقد حصل في ذلك اليوم على الجائزة.. نعم.. انه يوم الجائزة حيث يجازى العبد الصائم القائم المتأدب بآداب الصيام والملتزم بأداء ما افترض عليه من صدقة وقيام.. أما الآخر الذي ضيع تلك الليالي والايام في اللهو واللعب ومتابعة الأفلام وقضى سحابة نهاره في النوم والكسل، فالأجدر به العض على أصابع الندم على ما فرط فيه وفي لياليه..
وجدير بمن ارتاد المساجد في رمضان ان يتعاهدها بعد رمضان فرب رمضان موجود في كل حين وآن، فمن كان يعبد رمضان فرمضان قد انقضى ومن كان يعبد رب رمضان فجدير به أن يستمر على ارتياد بيوت الله، حيث يجد ضالته هناك فيجد الله غفورا رحيما كريما، فمن كان مع الله دائما كان الله معه (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ).. تقبل الله طاعتنا وغفر لنا ذنوبنا وحوبنا وتجاوز عن خطايانا انه هو التواب الرحيم.