حيدربن عبدالرضا اللواتي –
haiderdawood@hotmail.com –
تبرز أهمية القطاع السياحي والقطاعات غير النفطية بصفة عامة عندما تتعرض أسعار النفط إلى ضغوطات التراجع مثلما يحصل اليوم في العالم، حيث تراجعت أسعار النفط في غضون شهر أكثر من 40 دولاراً للبرميل، ليصل سعره في حدود أقل من 70 دولاراً، في الوقت الذي يرى بعض المحللين بأن الأسعار ربما تتعرض لضغوط الانخفاض خلال العام المقبل 2015 في إطار اللعبة السياسية بين بعض الدول. ومن هنا فإن إبداء الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية الأخرى ومنها قطاع السياحة أصبح أمراً ضروريا يتطلب بناء الاستراتيجيات لما بعد النفط، بالرغم من أهمية هذه السلعة والغاز والتي ستبقى كبيرة في تعزيز موارد الدول النفطية التي يشكل النفط فيها 90% من دخلها القومي كما هو الحال في السلطنة ومنطقتنا الخليجية، في الوقت الذي لا يمثل دخل السياحة 1 أو 2% من إيرادات تلك الدول.
والعالم العربي بمجمله يبدي أهمية كبيرة لقطاع السياحة، إلا أن بعض الدول فقط تمثل السياحة فيها موردا هاما للدخل القومي مثل لبنان ومصر وتونس والمغرب. ومجموع إيرادات الدول العربية من السياحة بلغت العام الماضي 58 مليار دولار فقط، وهو رقم ربما يمثل إيراد دولة واحدة في العالم كفرنسا مثلا. وفي هذا الصدد يؤكد المسؤولون العرب على أهمية السياحة، حيث أكد معالي هشام زعزوع وزير السياحة المصري رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الوزاري العربي للسياحة في اجتماع المجلس بالقاهرة منذ أيام مضت على أهمية تفعيل الكثير من القرارات المتعلقة بالشأن السياحي، ومن أهمها تفعيل الاستراتيجية العربية السياحية بهدف تنمية هذ القطاع، وجذب المزيد من النشاط السياحي العالمي إلى المنطقة، وزيادة نسبة السياحة البينية بين الدول العربية والتي وصلت إلى 42% من إجمالي السائحين الوافدين إلى المنطقة. فالتقديرات العربية تشير إلى أن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية قد اجتذبت نحو 71 مليون سائح دولي محققة إيرادات سياحية قدرت بنحو 58 مليار دولار. وقد تم بحث الكثير من المواضيع التي تهم القطاع السياحي العربي ومتابعة وتطوير الاستراتيجية السياحية العربية، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ القرارات السابقة ومنها برنامج “أعرف وطنك العربي لسياحة الشباب”، وهو عبارة عن برنامج للمبادلات السياحية بين الشباب العرب، وتعريفهم بما يزخر به العالم العربي من مقومات وإمكانيات طبيعية وتراثية متنوعة، ومناقشة معايير وأسس اختيار عاصمة المصايف. ومن القضايا التي تم بحثها أيضا تتعلق بتعزيز الأمن السياحي بين الأجهزة الأمنية السياحية والهيئات المعنية بالسياحة، وتدارس السبل الكفيلة بتعزيز تأمين السياحة العربية، وإنتاج مواد وبرامج توعوية متعلقة بالسياحة تساهم في حمايتها من المخاطر.
السلطنة كانت حاضرة في هذا الحدث بوفد ترأسه معالي أحمد بن ناصر بن حمد المحرزي وزير السياحة وبحضور ممثلي جامعة الدول العربية، ومنظّمة السياحة العالميّة، والمنظمة العربيّة للسياحة، واتحاد الكتاب السياحيين العرب وممثلي الدول العربية الأعضاء، بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الإعلاميّة المحليّة والعربيّة والعالميّة، حيث أكد معاليه على أهمية ودور هذه الاجتماعات في تفعيل السياحة العربية، وتحقيق التكامل بين الدول العربية في القطاع السياحي، ومراجعة تبسيط مختلف الإجراءات ذات الأبعاد الاقتصادية لدعم السياحة العربية. ويرى معاليه بضرورة التركيز على مجالات التعاون والتكامل في مجالات السياحة العربية، مع إتاحة المساحة للتنافس الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى رفع مستوى الجودة، وتحسين الأداء في القطاع السياحي العربي في مجمله، باعتبار أن أهمية السياحة تكمن في دعم اقتصاديات الدول العربية، والترويج والتعريف بالمقاصد السياحية العربية، ونشر السلوكيات الجاذبة للسياحة والحد من السلوكيات الطاردة، ودعم تبادل التجارب السياحية ونشرها في مختلف بلدان الوطن العربي.
وبالرغم من أن السياحة يمكن أن تساهم بصورة كبيرة في الاقتصادات العربية، إلا أن تقارير منظمة الأمم المتحدة تشيرإلى أن هناك دولتين عربيتين هما لبنان ومصر ضمن قائمة أعلى 25 دولة حول العالم يمثل نصيب الفرد منها أمرا إيجابيا، حيث تأتي لبنان في المرتبة الـ 21 ومصر في المرتبة الـ 24، فيما تأتي الجزر العذراء في الكاريبي وجزر أمريكا اللاتينية في المراتب الأولى. وتبين التقارير العالمية أن فرنسا تعتبر الأكثر استقبالا للسياح في العالم حيث تستقبل أكثر 81 مليون زائر سنويا، وهو ما يزيد 20 مليونا عن زوار الولايات المتحدة وذلك على الرغم من أن مساحة أمريكا تزيد 15 مرة عن فرنسا. أما الصينيون فيتصدرون عالميا في الإنفاق على السياحة في العالم، حيث أشارت مجلة «الايكونومست» أن نمو إنفاق الصينين على السياحة الخارجية بلغ قرابة 130 مليار دولار في عام 2012، بينما كانت الصين من أقل الدول التي ينفق مواطنوها على السياحة في عام 1995، إلا أن إنفاقهم بلغ في ذلك العام نحو 102 مليار دولار. ووفقا لبيانات منظمة السياحة العالمية فقد نما عدد السياح حول العالم بنسبة 5% في عام 2013، ليصل إلى مستوى قياسي عند 1.1 مليار سائح من مجموع 7 مليارات نسمة في العالم، وذلك على الرغم من التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي. وتوقعت منظمة السياحة في مطلع هذا العام ارتفاع نمو السياحة ما بين 4 إلى 4,5% خلال العالم الحالي 2014.
ومما لاشك فيه فإن هناك عدة أسباب تعزى إلى تراجع السياحة العربية وفق أقوال رئيس منظمة السياحة العربية وذلك نتيجة للأحداث التي تشهدها المنطقة والحرب على الإرهاب الذي تشهده دول المنطقة. فالكل يعلم بأن السياحة صناعة حساسة تقوم على الأمن والسلامة، وهذان عنصران أساسيان لنمو الحركة السياحية في المنطقة. ومن هنا تؤكد التوصيات التي تصدر عن الاجتماعات العربية السياحية إلى ضرورة تعزيز السلامة والأمن في هذا القطاع ، والعمل على تسريع وتيرة الانتعاش السياحي ودعم النمو، وإقامة منتديات حول مستقبل السياحة، وإدراج السياحة على الأجندة السياسية أيضا، ووضع أطر استراتيجية لتحقيق التنمية السياحية المستدامة، وتعزيز القدرات المؤسسية للإدارات السياحية الوطنية، بجانب تشجيع وتسهيل السياحة البينية، وتعزيز القدرة التنافسية للوجهات وتعزيز أنشطة التسويق والاتصالات، بالاضافة إلى تشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي لتعظيم الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للسياحة على المجتمعات المحلية، والعمل على ترويج لمسألة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مختلف المجالات التي تهم القطاع السياحي. وعموما فإن قطاع السياحة يعتبر من القطاعات الحساسة التي تتأثر إيجابا وسلبا بكل الأوضاع التي تشهدها الدول في أوقات السلم والحرب، وكذلك في أوقات وقوع الكوارث الطبيعية والبشرية، أي أنها تتعرض للتراجع في حالات غياب الاستقرار الأمني والسياسي للدول مثلما نجده اليوم في الكثير من الدول العربية السياحية.
وحيث أن السلطنة تبدي اهتماما كبيرا بقطاع السياحة فمن المهم العمل على تعزيز العمل بالاستراتيجية السياحية التي تتبناها الوزارة لدورها الفاعل في النهوض بهذا القطاع الحيوي مستقبلا، وجعله واحدا من أكثر القطاعات تفاعلاً وداعماً للإقتصاد الوطني. وأنه في حالة تطبيق جميع بنود هذه الاستراتيجية وخططها وبرامجها وتطبيقها بصورة صحيحة مستقبلا، فإنها بالفعل سوف تشكل إضافة نوعية في الناتج الاجمالي المحلي للبلاد، ويمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في ترسيخ نجاح مسيرة السياحة المحلية التي تتمتع بها السلطنة، مع العمل على الاستفادة القصوى من خبرات المنظمات الدولية والمؤسسات السياحية العالمية لتعزيز العمل بهذه الإستراتيجية بما يخدم صناعة السياحة والقطاعات الاقتصادية المرتبطة بها في مجال الطيران والسفر والفندقة والرياضة والصحة وغيرها من القطاعات الأخرى. وهذا هو الواقع لدينا اليوم في السلطنة في إطار الإرداة السياسية بأن يقوم هذا القطاع بدوره الإيجابي، باعتبار أن المنتج السياحي في السلطنة أصبح معروفا في إطار ما تتميز به البلاد عن الكثير من دول العالم سواء في المجال البحري أو البري أو في مجال التراث أوالثقافة، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود الحكومية والخاصة للعمل معا لجعل اسم السلطنة يتردد باستمرار في المحافل السياحية الاقليمية والدولية. فالسياحة في العالم أصبحت اليوم تساهم بنحو 20% من الناتج المحلي لبعض البلدان، وتساعد على زيادة دخل الأفراد والأسر، وأصبح متوسط إنفاق السائح في الرحلة الواحدة مابين 800 إلى 1000 دولار، وهناك فرصة عمل من كل 11 فرصة عمل يوفرها قطاع السياحة والسفر وهذا ما يجب الاستفادة منه مستقبلا.