سالم بن سيف العبدلي -
كاتب ومحلل اقتصادي -
الإسلام دين رحمة وتكافل ومعاملة فهو مثال للعطاء والتكاتف بين المسلمين بعضهم البعض وجاءت العبادات وأركان الإسلام الخمسة لتبين للمسلمين أسس ومبادئ الإسلام الصحيحة السمحة والتي لابد من أدائها فهي اركان أساسية واضحة للجميع من تلك الأركان الزكاة والتي جاءت مباشرة بعد الصلاة في الترتيب وفرض الله هذه الشعيرة على عباده المؤمنين المقتدرين ماديا والذين لديهم الأموال ويتحكمون فيها، وقد فرضت هذه العبادة لحكمة ربانية عظيمة فهي وسيلة من وسائل التكافل الاجتماعي والاقتصادي والمساواة بين الناس بحيث تؤخذ من أموال أغنياء المسلمين وتعطى إلى فقرائهم المحتاجين بنظام ونسب محدده، والزكاة في اللغة هي البركة والطهارة والنماء والصلاح، فالمسلم الذي يزكي ماله يبارك له الله في أمواله وأرزاقه وأولاده ويعطيه خيرا كثيرا كما أن أمواله سوف تنمو وتتكاثر ويأتيه الله الخير الوفير من حيث لا يعلم ولا يحتسب وسميت كذلك لأنها تزيد في المال الذي اخرجت منه وتقي الذي يزكي ماله من الآفات والامراض.
لقد جعل الله تعالى البشر متفاوتين في كل شيء في الشكل واللون والذكاء والفهم كما انهم يتفاوتوا من حيث المقدرة المالية فأعطى الله من واسع فضله ورزقه لعدد من الناس ليكونوا اغنياء ويتحكمون في الأموال وفي نفس الوقت ابتلى البعض منهم بالفقر والفاقة والحاجة وذلك لحكمة إلهية وهي ان يدرك الشخص الغني بأن المال مال الله وانه مثل ما أعطاه الله هذا المال قادر ان يمنعه عنه ولنا في قصص القرآن الكريم عبرة حسنه وينبغي ان لا يغتر الانسان المؤمن بهذا المال وانما عليه ان ينفقه في سبيل الله و وجوه الخير المختلفة فهو مؤتمن عليه اما الفقير أيضا فحكمة الله تعالى اقتضت ان يكون بعض البشر فقراء محتاجين من اجل ان يتعلموا الصبر والقناعة وعدم التذمر وان يرضوا بما قدره لهم الله تعالى واعطاهم إياه من رزق ومال.
حكمة مشروعية الزكاة انها تصلح أحوال المجتمع ماديا ومعنويا فيصبح جسدا واحدا متكافلا متعاونا متحابا، والزكاة تطهر النفوس من الشح والبخل، وهي صمام أمان في النظام الاقتصادي الاسلامي ومدعاة لاستقراره واستمراره في الحياة، وهي عبادة مالية خالصة لوجه الله تعالى، من خلالها يساعد المسلم المقتدر أخيه المحتاج بدون منة ولا سؤال فماذا لو قام كل مسلم مقتدر ماليا بتأدية هذه الفريضة وتنقية ماله والذي هو في حقيقة الامر ليس ملكا له وانما هو مال الله استخلفه واستودعه عليه لقوله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (سورة النور33) لا شك اننا سوف لا نرى في بلاد المسلمين شخصا محتاجا أو فقيرا، ولأصبح الجميع يعيشون في سعادة ورغد عيش وهناء كما ان اخراج الزكاة من أموال الأغنياء لمستحقيها من الفقراء والمساكين والاصناف الثمانية المذكورة في كتاب الله يسهم اسهاما قويا في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي وقد عالج الإسلام الحنيف الفقر بإخراج الزكاة بحيث يسهم الأغنياء في ذلك من خلال اخراج زكاة مالهم بشكل سنوي وهي حصة ثابتة ومعروفة تقدر بربع العشر أي 2.5% من الأموال والذهب والفضة والتجارة وغيرها من مصادر الرزق وهذه هي نعمة الإسلام التي نحن ابتعدنا عن أسسها ومبادئها الحميدة بينما الآخرين يطبقونها ربما عن علم او من غير علم.
لدينا في المجتمعات الإسلامية العديد من الأغنياء الذين وهبهم الله الخير الكثير الا انهم وللأسف الشديد يقترون ويبخلون حتى على أنفسهم واهليهم ويخزنون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، البعض منهم لديه عقارات ومبانٍ وتجارة واسعة وارباحه تصل الى ملايين الدولارات الا انه لا يبادر الى تزكيتها نذكر أن أحد هؤلاء طلب في سنة من السنوات حساب زكاة ماله فوجد انها تتجاوز اكثر من مليون دولار امريكي وعندما سمع الرقم تراجع قليلا إلى الخلف واخذ يتمتم بكلمات غير مفهومه لعله كان يقول في قرارة نفسه كيف لي ان اخسر أكثر من مليون دولار واعتبر الزكاة خسارة ولم يعلم انه هو الخاسر الاكبر فهو سوف يذهب بعد حين ويترك جميع أمواله إلى غيره.
العديد والعديد من الأثرياء الذين يفكرون بنفس تفكير ذلك الشخص فهم يجمعون المال الكثير ويرابحون به ناسين أو متناسين إنهم لم يربحوا أبدا ما لم يزكوا ذلك المال، في المقابل هناك أشخاص فقراء يعيشون في منازل من الصفيح ليس لديهم مبالغ لشراء حاجيات أبنائهم ولا يجدون ما يسد رمق يومهم في هذا الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار بشكل كبير هذه الفئة موجودة في كل مكان حيث مازال البعض منهم يعيش في بيوت متهالكة غير صالحة للإقامة ومن يبحث عنهم يجدهم موجودين في الاحياء السكنية والازقة وسوف يرى العجب العجاب فأين هؤلاء المصابون بتخمة المال من قصص الصحابة والتابعين الذين كانوا يتسابقون الى فعل الخير ومساعدة المحتاجين وإنفاق أموالهم في سبيل الله.
samadshaan@yahoo.com