لعلّي أعيش ليل العراق أينما كان

سنان أنطوان في حوار مع ( شرفات ):

لم ينجح البعد الجغرافي الذي يعيشه الشاعر والروائي والأكاديمي سنان انطوان «أن ينسيه وطنه العراق بل «أن هذا البعد قد يترجم إلى قرب وجداني ونفسي.» حسبما يقول هو الذي عاش نصف عمره في العراق يقول «لدي ذاكرة حادة عن العراق يعضدها الخيال والحساسية في المشاهدة والاستماع.» وعن الكتابة والإخراج يؤكد في حوارنا هذا « أن الكتابة فعل يتطلب العزلة وهو صراع مع بياض الورق (أو الشاشة). أما الإخراج فيتطلب مهارة العمل مع الآخرين وتدخل في عملية إنهاء النص السينمائي تعقيدات لوجستية وبيروقراطية. سنان أنطون شاعر وروائي وأكاديمي ولد في بغداد عام 1967 وحصل على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد. هاجر بعد حرب الخليج 1991 إلى الولايات المتحدة حيث أكمل دراساته وحصل على الماجستير من جامعة جورجتاون عام 1995 والدكتوراة في الأدب العربي من جامعة هارڤارد بامتياز عام 2006. وكتب أطروحته عن شعر ابن الحجّاج التي نشرت عام 2013 بالإنجليزية عن دار بالغريف ماكملن. نشر رواية «إعجام» (دار الآداب، 2004) تُرجمت ونُشرت بالإنجليزية (عن دار سيتي لايتس عام 2006) وبالنرويجية (عن دار إل بي إس عام 2007) وبالبرتغالية (عن دار جلوبو عام 2008) وبالألمانية (عن دار لينوس عام 2009) وبالإيطالية (عن دار فيلترينيللي عام 2010). نشرت روايته الثانية، وحدها شجرة الرمان (المؤسسة العربية، بيروت، 2010) وترجمت إلى الإنجليزية (دار نشر يال، 2013) والفرنسية (آكت سود، 2014). رشحت روايته الثالثة «يا مريم» (دار الجمل، بيروت، 2012) للجائزة العالمية للرواية العربية ووصلت إلى القائمة القصيرة وترجمت إلى الإسبانية (ترنر، مدريد، 2014). له مجموعتان شعريتان: «موشور مبلل بالحروب» (ميريت، القاهرة، 2004) و»ليل واحد في كل المدن» (دار الجمل، بيروت، 2010). صدرت ترجمة لأشعاره بالإنجليزية عن دار هاربر ماونتن برس عام 2007 بعنوان .The Baghdad Blues وترجم شعره إلى الإيطالية والألمانية والتركية والإسبانية. أخرج فلماً وثائقياً عن العراق بعد الغزو بعنوان About Baghdad (حول بغداد) صوّر في بغداد في يوليو، عام 2003. ترجم أكثر من مائتي قصيدة من الشعر العربي الحديث إلى الإنجليزية ورُشِحَت ترجمته لقصائد محمود درويش لجائزة بين Pen للترجمة عام 2004. ترجم «في حضرة الغياب» لمحمود درويش إلى الإنجليزية (دار آرشيبيلاجو، 2011) وفاز بجائزة أفضل ترجمة أدبية في الولايات المتحدة وكندا من جمعية المترجمين الأدبيين. كما ترجم مختارات من أشعار سعدي يوسف صدرت بعنوان «أيهذا الحنين يا عدوي» (دار جريوولف، 2012). ويعمل حالياً على إعداد وترجمة مختارات من شعر سركون بولص. عمل أستاذا للأدب العربي في كلية دارتموث (2003-2005) ويعمل أستاذاً للأدب العربي في جامعة نيويورك منذ عام 2005. نشر العديد من المقالات والدراسات الأكاديمية عن الشعر العربي الحديث. محرر مؤسس في مجلة «جدلية» الإلكترونية.


• كيف تفاعل الجمهور الغربي مع روايتك الأولى «إعجام» والتي تُرجمت إلى الإنجليزية والنرويجية والبرتغالية الإيطالية والألمانية؟


في حدود التعامل مع الأدب المترجم كانت ردود الفعل إيجابية. تلقيت الكثير من الرسائل من القراء في عدة بلدان وكانت المراجعات إيجابية واحتفالية. تم اختيار الترجمة الانجليزية ضمن قائمة عشرة أصوات واعدة في عام 2007 من مجلة “كيركس ريڤيو” الشهيرة في الولايات المتحدة. “إعجام” تدرّس في عدد من الجامعات في ألمانيا وبريطانيا وفي الولايات المتحدة وأتلقى كل فصل دراسي دعوات لزيارة الصفوف أو التحاور مع الطلاب عبر السكايب. كما أن هناك فصولاً في دراسات دكتوراة وماجستير تحلل الرواية.


• بشكل عام كيف ترى التفاعل الغربي مع الإنتاج الأدبي العربي؟


الأمر يعتمد على السياق. فمن ناحية هناك دور نشر صغيرة ممتازة تعنى بالأدب المترجم وبعضها مكرسة للأدب العربي وتعتمد المقاييس الأدبية والجمالية، لا التجارية، في خياراتها وهناك جمهور متذوّق، ولكنه صغير، يتابع الأدب العربي بشغف. من ناحية أخرى فإن دور النشر الكبرى تسيطر على ما يسمّى بـ “التيار العام” mainstream وهذه هدفها الوحيد هو الربح ولديها ماكنات إعلامية هائلة للترويج. وقلّما يختار محرروها نصاً مترجماً عن العربية وإن حدث فيكون غالباً نصّاً يدغدغ التوقعات الاستشراقية والاكزوتيكية ويعيد إنتاج الصور النمطية الموجودة في لاوعي القراء لأن هذا ما سينجح تجارياً. لذلك، الغالبية العظمى من الروايات العربية الناجحة تجارياً في الغرب والتي تنشرها دور النشر الكبرى، ليست تلك التي تحظى بالتقدير في بلدانها الأصلية بالضرورة.


• لم تخرج «يا مريم» و»وحدها شجرة الرمان» من إطار الوجع العراقي ومأساة الواقع.. كيف نجحت في نقل هذا الكم الكبير من المعاناة والأسى رغم بعدك الجغرافي عن العراق؟

عنوان ديواني الشعري الثاني “ليل واحد في كل المدن.” لعلني أعيش ليل العراق أينما كنت. منذ خروجي من العراق وأنا أتابع أخباره وهمومه بشكل يومي. وشبكة الانترنت والقنوات الفضائية تساعد المرء على أن يظل قريباً من المكان الأول. ثم أن البعد الجغرافي قد يترجم إلى قرب وجداني ونفسي. عشت نصف عمري في العراق ولدي ذاكرة حادة يعضدها الخيال والحساسية في المشاهدة والاستماع.


• برأيك لولا جائزة البوكر هل كنا سنشهد هذا الالتفات لرواية « يا مريم» وهي التي رشحت للقائمة القصيرة لعام 2013؟


قبل صدور «يا مريم» كانت روايتي الثانية “وحدها شجرة الرمّان” التي لم تصل إلى القائمة الطويلة في البوكر، قد لاقت نجاحاً كبيراً من ناحية إقبال القراء وبشهادة عشرات المراجعات الاحتفالية في الصحافة العربية والعراقية. وصفها الناقد العراقي الكبير علي الشوك في جريدة “الحياة” بأنها “رواية العراق بحق.“ وقد ترجمتها إلى الانجليزية بنفسي واختيرت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الاندبندنت البريطانية للأدب المترجم لهذا العام كما أنها فازت بجائزة أفضل رواية عربية في الولايات المتحدة لهذا العام (وصلني الخبر للتو). كل هذا بدون البوكر. لا شك أن الوصول للقائمة القصيرة أتاح جمهوراً أوسع لرواية ”يا مريم” لكن الصدى الذي كانت “وحدها شجرة الرمّان” قد لاقته أوجد لي مكانة لدى القراء والنقاد جاءت “يا مريم” لتعزّزها. البوكر ليست المقياس الوحيد.


• لماذا خلت شخصية لوحة غلاف « يا مريم « من أي ملامح هل تعمدت هذا الأمر؟


كنت أبحث عن لوحة تلائم موضوع الرواية وعثرت على لوحة للفنان الاسباني بيجوندوا أعجبتني كثيراً وكأنها رسمت للرواية. في اللوحة تنويع على الصورة الإيقونية لمريم العذراء وهي تحمل يسوع الطفل. لكن بيجوندوا رسم وجه الأم بلا ملامح. وهكذا يمكن أن تتماهى أي أمّ تمر بمحنة موت ابنها مع مريم التي في الصورة. وذكرتني اللوحة بنص كنت قد كتبته أثناء سنين الحصار وضمنته الرواية بعنوان “مريم عراقية” “هزّي جذع هذه اللحظة/تساقط عليك/موتاً سخيّا.”


• الكتابة والإخراج عالمان مختلفان متصلان كيف تصف هذه التجربة بعد خوضك لها؟


الكتابة فعل يتطلب العزلة وهو صراع مع بياض الورق (أو الشاشة). أما الإخراج فيتطلب مهارة العمل مع الآخرين وتدخل في عملية إنهاء النص السينمائي تعقيدات لوجستية وبيروقراطية. أخرجت فلماً وثائقياً، بالتعاون مع زملاء، عن غزو العراق واحتلال بغداد بعنوان “حول بغداد” عام 2003. وأنا أعتز بالتجربة التي تعلّمت منها الكثير. لكنني أفضل الكتابة فهي وطني الإبداعي الأول.


• ماذا عن الإنتاج الشعري وديوان «موشور مبلل بالحروب» حدثنا عن اجواء هذا الديوان؟

الشعر جزء أساسي من وجودي وتكويني. بدأت شاعراً قبل أن أكتب الروايات، وسأظل أكتب الشعر، لا من أجل النشر بالضرورة، بل لأنه خبز الوجود بالنسبة لي. ترجمت “موشور مبلل بالحروب” إلى الإنجليزية ولاقى نجاحاً لا بأس به. وترجمت الكثير من نصوصه إلى لغات أخرى. كما صدر لي ديوان ثان عن دار الجمل قبل عدة سنوات بعنوان “ليل واحد في كل المدن” ولدي الآن ما يكفي لإصدار ديوان ثالث في الخريف. إضافة إلى الشعر أحرص على ترجمة الشعر العربي إلى الإنجليزية وقد ترجمت محمود درويش وسعدي يوسف وسركون بولص وآخرين.


• انتاجك رغم تنوعه وغزارته إلا أنه أسير للعراق ولمأساته هل ستكتب يوما خارج البيئة العراقية؟

مفردة «أسير» لها مدلولات سلبية. هل هناك إشكالية في أن يكتب المرء عن بلده وأهله، خصوصاً إذا كان هذا البلد غنياً، تاريخياً وثقافياً ووجودياً؟ وإذا كان بلداً مزقته الدكتاتورية والحروب والاحتلال؟ قد أكتب في المستقبل عن نيويورك التي أعيش فيها منذ عشر سنوات أو عن أماكن أخرى. لكن أشباح العراق وكوابيسه وأحزانه تقض مضجعي ولدي روايات تلح علي ويجب أن أكتبها. وكلها عراقية!


• مساحة الحرية التي تكتب بها كم ساهمت في غنى وعمق انتاجك على اختلافه؟


الحرية هي أوكسجين الإبداع ولا شك أن لسقف الحرية المتاح لي (وهي، مع ارتفاع السقف مقارنة بغيره، ليست حرية مطلقة إذ لكل مكان ومجتمع محرماته السياسية) من حيث التفكير والاطلاع والتعبير أثر إيجابي على ما أكتبه. وأعتبرها مسؤولية عندما أفكر برفاق لي يعيشون في بلدان يكسر سقف الحرية الواطئ رقاب الناس والكتاب فيها.