د. ناصر بن عبدالله الناعبي -
كلنا نعلم علماً يقينياً بأن القضاء يمثل نقطة فصل بين طرفي النزاع ، ناهيك عن كونه يبحث دائماً عن الحقيقة وتطبيق القانون . وبالنظر إلى الكم الهائل من القضايا الذي تصل إلى ساحات العدالة والبطء في حسمها ، فقد أصبح من الأهمية بمكان البحث عن وسائل قانونية جديدة لحل النزاعات خارج نطاق المؤسسة القضائية .
ومن هذا المنطلق باتت الوساطة الجزائية هي الأداة المفضلة في السياسة الجنائية المعاصرة والتي أضحت تتجه نحو فكرة العدالة الرضائية من الناحية الجنائية ، ولا شك بأن هذه العدالة هي عدالة شرعية تخضع لنصوص قانونية وتحت رقابة القضاء، حيث إنها تمثل العصا السحرية في الإجراءات الجزائية ، فلما حققته من مزايا عظيمة لأطراف المنازعة الجزائية فقد أقرها الفقه الجنائي كوسيلة بديلة عن الدعوى الجزائية في حل كثير من المنازعات الجنائية .
وفكرة هذه العدالة الرضائية تقوم على فكرة تحقيق العدالة الاجتماعية بين أطراف النزاع وضمن نطاق العدالة الجنائية الرضائية ، حيث تعد إحدى الوسائل التي ساهمت في علاج الزيادة المطردة في عدد القضايا التي تنظرها الدوائر الجزائية في المحاكم ، بل إنها تعدت إلى أبعد من ذلك بكثير، فهي تمثل روح الرضا والتسامح بين الجاني والمجني عليه ، وتوجد طريقاً للتواصل والاتفاق حول كيفية قيام الجاني من إزالة آثار الأضرار التي قام بها ولحقت المجني عليه من جراء جريمته ، بأسلوب سلس ويسير ، ومن دون أن يتكبد في ذلك عناء ومشاق التقاضي وطول الإجراءات وتعقيدها .
إن فكرة العدالة الرضائية تتمحور في شكل حل ودي وسلمي ، وذلك عن طريق تدخل شخص ثالث يتولى حل النزاع الجنائي بين طرفيه بعيداً عن الأسلوب التقليدي المتبع ، وذلك بأي كيفية كانت شريطة الالتزام بالضوابط والإجراءات التي تحدد نظام العمل بها .


