حمود بن عامر الصوافي -
عرف النبي صلى الله عليه وسلم صفات أصحابه وأتقن توظيفها في خدمة الإسلام ونمى في أتباعه قدراتهم وأبدع في تحسين خبراتهم لذلك نشأ جيلهم مختلفا عن أجيالنا بكل ما تحويه كلمة (مختلف) من معنى، إنهم جسد متحرك لا يكل ولا يمل، لا تثنيه المحن عن بلوغ مراده ولا توقفه الشدائد عن خوض غمار المغامرة ولو كانت الأمور غير متكافئة في عيون أهل التجربة، انظروا ماذا قالوا يوم بدر حين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجس نبضهم، فقد ورد في الأثر:» فقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرَى أَنْ تَعْمِدَ إِلَى الرَّأْسِ، فَإِنَّ اللَّهَ مُعِينُكَ، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكَ، وَإِنَّ اللَّهَ مُظْهِرُكَ، قَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ وَهُوَ فِي رَحْلِهِ: إِنَّا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِنَبِيِّهَا: “اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ، إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ” وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ، إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ». لقد كانت تجربة العمل لها أثرها يوم المحن وتضارب الأسنة لم يقولوا قد اتفقنا في البيعة الثانية على حمايتك ونصرتك في المدينة المنورة بل تجاوزوا اتفاقهم وأعلنوا أنهم جاهزون للتضحية لا لمحمد فقط بل ليبلغ هذا الدين إلى العالم أجمع قد صبروا وصابروا واستنصروا فنصروا وقد سجل التأريخ مآثرهم ومقولاتهم وبطولاتهم لنا ونحن سنتلوها لأجيالنا إلى أن تقوم الساعة فما علينا إلا أن نستنهض هممنا بهم وأن نقتدي بحسن تدبيرهم بما يتوافق مع متغيرات واقعنا فهم قد فهموا واقعهم فأعدوا العدة بما يناسبه ويجدر بنا أن نعد العدة بما يتوافق مع واقعنا، فواقعنا قد يكون أسهل فلا يحتاج إلى جهد كبير فيكفيك أن تقف أمام الشبكة العالمية العنكبوتية (الإنترنت) لتكتب للعالم أجمع ما تشاء في عقر ديار الكفار وفي ردهات الناقمين على الإسلام لن يمنعك مخلوق من نشر معتقد الإسلام السمح ولن يقصيك أحد مهما كانت توجهاته بل قد تجد الاستجابة تلو الاستجابة فما عليك إلا أن تحرك يراعك لتجوب في عالم النت وتتفنن في توصيل حقيقة الإسلام.
إن كسلنا لن يجني علينا إلا المآسي تلو الماسي ها هو عالمنا العربي والإسلامي يعيش على هامش العالم لا تسمع عنه إلا قصص التناحر والتنازع، شعوب تتلاعن باسم المذهبية المقيتة والقبلية البغيضة وكأننا بين فكي كماشة لا ندري إلى أي جهة نتوجه وإلى أي مذهب نسلك ولو أنا طهرنا نفوسنا من الغل والحسد واكتفينا بحسن الظن لنجونا من كل ما يدعو إلى الفرقة والتشرذم فما زال الأعداء يتربصون بنا الدوائر فهلا وجهنا سهامنا نحوهم بدلا من توجيهها صوب نحور أهلنا؟ لو أننا اكتفينا بتزكية نفوسنا والاهتمام بنشر أفكارنا السمحة للآخرين لكنا في القمة، ولكننا لما حجرنا الإسلام ليكون مذهبا صار همنا المذهب فلا حديث إلا باسم المذهب ولا غيرة إلا لمن هم من المذهب نفسه فليكن الإسلام هو المذهب وليس العكس لتصفى النيات وتتحرك باسم الإسلام، وإني لأعجب من قوم قد ساقهم الغرور بأن يكونوا رقباء على عباد الله فلا يدخل الجنة إلا من كان على مذهبهم ولعمري قد وقعوا في فخ أهل الكتاب حين قالوا لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، قال تعالى: « وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ».
فكانت مقولتهم أماني لا حقيقة لها من الواقع وكذلك الذين ساروا على نهجهم ممن يزعم أنه ينتمي إلى الإسلام فلن تنفعه مقولته وتكفيره وتعصبه إلا ما نفعت أهل الكتاب الذين حصروا دخول الجنة بهم ولن ينفعهم ادعاؤهم أنهم أحباء الله وأقرباؤه إلا بما نفع الذين ادعوا ذلك فاسمعوا ماذا كان الرد عليهم، «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ».