قصص إسلامية – فعل الخيروالشربالفطرة

من نظرإلى الدنيا بعين البصيرة أيقن أن نعيمها ابتلاء، وحياتها عناء، وعيشها نكد، وصفوها كدروأهلها منها على وجلٍ إما بنعمة زائلة، أو بلية نازلة أو منية قاضية، وأن الناس في الدنيا قسمان سواء هم فطناء وعرفوا أنها فانية واستعدوا للآخرة، والقسم الآخر جهال عمي البصائر، فتنتهم الدنيا بزينتها ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، وعلى الإنسان أن يستعد لأخرته بالعمل الصالح، وأن يخاف عقاب الله له وفي مثل هذا يقول أحد العلماء اجتهادك فيما طلب ضمن لك مع تقصيرك فيما طلب منك دليل انطماس بصيرتك، أقاموا الدنيا فهدمتهم، واعتزوا بها من دون الله فأذلتهم، أكثروا فيها الآمال، وأحبوا طول الآجال ونسوا الموت وما بعده من شدائد الدنيا والآخرة.

ومما سبق نجد أنه وجب على كل مسلم أن يكثر من الأعمال الطيبة في حياته، ويخاف الله في تصرفاته، لتكون نجاة له في الدنيا والآخرة وتلك قصة شهيرة نسترجعها للتذكرة، وهي عن أبي عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( انطلق ثلاثة نفر ممن قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم .. قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق .. قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجروالصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا، ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه ..

قال الآخر .. « اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي» وفى رواية أخرى كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتنى فأعطيتها عشرين ومائة دينارعلى أن تخلي بيني وبين نفسها فَفعلت حتى إذا قدرت عليها وفى رواية أخرى « فلما قعدت بين رجليها قالت :( اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها .. اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها ..

وقال الثالث : اللهم إني أستأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله أدِ إلي أجري فقلت : كل ما ترى أجرك : من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت : لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً : اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه .. فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون (متفق عليه)

وهنا يسترجع الفقهاء قول الله تعالى: «ولمن خاف مقام ربه جنتان»، وقال: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) هذا المقام الذي جعل أصحاب الغار يقدمون على أعمال خير، وإن كان هذا الخبر قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن انفراجة الصخرة من عظيم عفو الله وفضله عليهم، فمنهم من كان رحيما وبارا بوالديه فما أعظمه أجرا لكل من هو بار بهما، فحين أن هناك العديد من الشباب الذين يعقون آباءهم دون وجه حق وهو عمل من الكبائر، ورحمة الله للأخر كانت أقرب إليه مما يتخيل، فابتعاده عن فعل تلك المعصية الكبيرة (الزنا) وإن كان ذلك قبل الإسلام وهو شأن كان منتشراً فى ذلك الزمان، والثالث صان الأمانة بنموذج رائع لا نجده فى زمننا هذا، بل أن الكثيرين يخونون الأمانة ولو كانت موثقة .

وقال الامام النووي في هذا الحديث فضل برالوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما عمن سواهما من الاولاد والزوجة وغيرهم، وفيه فضل العفاف والانكفاف عن المحرمات لاسيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها وفيه جواز الإجارة وفضل حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة.

كما نجد على عكس النماذج السابقة التى فعلت الخير بالفطرة فهناك من يفعل الشر بالفطرة وهو الإنسان الذى يجد لذة حياته في السوء الذي يصيب به الآخرين بأن يهدم بيتاً سعيداً، أو يمنع رزقاً عن إنسان، أو يضيع حقاً على صاحبه، أو يقدم شهادة زوريضع بها إنساناً فى ضرربالغ وهولا يفعل ذلك بدافع الفائدة الشخصية، ولا الضعف البشري ، ولا الحصول على شيء من متاع الدنيا ولا كل ما يقتتل عليه البشر من تفاهات الحياة المادية، وهو لا يستفيد شيئا سوى انه إنسان ظلم نفسه، لأنه أعطاها المعصية وهذه هي النفس الأمارة بالسوء.

وقال عنه فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوي في كتابه « الله والنفس البشرية» ان صاحبها يكون فى داخل نفسه قلقاً حائراً لا ينام، كالنار يأكل بعضها بعضاً لأنه قد يكون في قمة الغنى، وقد يكون ليس محتاجاً لشيء أعطاه الله من خيرات الدنيا ما يعجز عن إنفاقه بقية عمره، ولكنه مع ذلك يظلم نفسه فى أنه يفسد فى الأرض، وينشر السوء ويندفع إلى ما فيه ظلم البشر، دون أي هدف.

كما أن فضيلة الشيخ الشعراوى شرح أكثر لهذه الشخصية بأنها ليس فيها رحمة ولا فى القلب خشية وليس هناك خوف من يوم الحساب، ولا هناك إحساس بأن الله يسمع ويرى، ومن هنا فإن هذه النفس البشرية لا يكون فيها ذرة من الإيمان، وهي لا تحس بجمال هذا الكون، ولا تتمتع بالحياة رغم ما يحيط بها من مظاهر النعيم الدنيوي، ذلك لأنها تعيش في شقاء داخل النفس.


ويروى الشيخ الشعراوي بعض النماذج التي ملأت حياتنا أخيراً ومنها الذى يرسل شكوى كيدية فى زميل له وهو يعرف أنها غير صحيحة، وذلك الذي يشهد زوراً أو يقول كذباً ليمنع خيراً عن انسان، وذلك الذي ينقل الأقوال الكاذبة ليوقع بين البشر، وذلك الذي يعد تقريراً مليئاً بالأكاذيب ليقدمه ضد إنسان غيره، وذلك الذي يحاول أن يشوه أي عمل يقوم به أي إنسان لمجرد أن يهدمه، وصاحب هذه النفس الذي يقوم بهذا لا يستفيد شيئاً، فهو لا يمنع الخير ليأخذه ولا يوقف ترقية زميل له لأنه سيرقى، وأنه يفعل الإثم للإثم ..