عبدالرزّاق الربيعي –
بالوقت الذي تضع الشركات والمؤسسات في العام الغربي خططا استراتيجية قبل بدء عملها، ما زالت مؤسساتنا تعمل بشكل عشوائي دون الانطلاق من رؤية واضحة لتحقيق أهداف مرسومة.
من هنا تأتي أهمية المؤتمرات والجلسات النقاشية التي تحاول إصلاح هذا الخلل، وخلال حضوري جلسات مؤتمر «الموارد البشرية والتأسيس للمستقبل» الذي أقامته مؤسسة عمان للصحافة والنشر والتوزيع ممثلة بمركز الدراسات والبحوث لاحظت أنّ معظم الباحثين والمناقشين يركّزون على ضرورة مشاركة الجميع في وضع هذه الخطط، ولن يكون هذا إلا بالاعتماد على مراكز الدراسات الاستراتيجية، ففي عالمنا المتسارع الخطوات لم يعد رأس المال هو القاعدة التي ينطلق منها أيّ مشروع جديد، بل لابدّ أن تكون هناك قاعدة موازية، هذه القاعدة تتكوّن من دراسات يضعها باحثون متخصصون يدوّنون من خلالها تصوّراتهم عن ذلك المشروع، وعلى ضوء هذه التصورات يمكن وضع الخطط الاستراتيجية الضرورية لتنميته وديمومته.
وفي ورقته التي قدّمها في المؤتمر نوّه الأستاذ الدكتور عباس علي جاسم إلى إحصائيّة دائرة تسجيل الابتكارات الأمريكية لعام2013 م التي أكدت أن كوريا الجنوبية سجلت 15.754 في حين أن إجمالي الابتكارات العربية للسنة نفسها بلغ 412 ماركة فقط. وهذه النتيجة متدنية، بشكل صارخ حتى بالمقابل مع سنغافورة التي سجلت بالرغم من صغرها 857 ماركة. وهذا يثير الاستغراب، وخاصةً بالمقارنة مع أكبر دولة عربية بقياس الدخل القومي وهي المملكة العربية السعودية التي أنتجت 239 ماركة فقط. أما الدول العربية الأكبر حجمًا بعدد السكان فقط أنتجت 34 ماركة فقط.
ويصف الباحث هذه الحالة بـ «المأساوية» ويرى إنها «تتطلب من الحكومات، وشركات الأعمال إعادة النظر في الاستراتيجيات القائمة، وخصوصا في مجال رعاية، وتحفيز المهارات والاستثمارات في القطاعات التي تساعد على تأصيل القوى العاملة وتدفع عملية التنمية الاقتصادية إلى الأمام».
وبالرجوع إلى الجدول الذي رافق الدراسة فقد لاحظنا أن الدول التي مرّت عليها ريح ما يسمى بـ»الربيع العربي « العاتية لم تنتج ولا ماركة واحدة، كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، لظروف نتفهّمها، وتشذ عن القاعدة تونس التي سجلت 4 ماركات، وتأتي خلفها السلطنة بتسجيل ثلاث ماركات، والبحرين بماركتين، بينما مصر الأكثر عددا في السكان، وذات التاريخ الفكري، والحضاري الضارب في القدم، فلم تسجل سوى 34 ابتكارا، في حين جاءت الجزائر، والسودان، وجيبوتي، والصومال، وموريتانيا وجزر القمر، في ذيل القائمة بقيمة (صفر)، فلم تسجل أيُّ منهم ماركة واحدة، بينما سجّلت الكويت وحدها 86 ماركة، والوضع كما تلاحظون يدعو للأسى، ويؤكد أن رأس المال البشري في المنطقة العربية يتعرض للهدر، والتهميش، وتكون النتيجة مفجعة عندما نعلم أنّ الكثير من العقول، والأدمغة العربية يمّمتْ وجهها صوب الغرب المتقدّم لاستثمار طاقتها، و ايقاف نزيف هذه الطاقة في منطقة لا تقيم للبحث العلمي أيّ وزن.
وإذا كان الكثير من المؤسسات في القطاعين الحكومي والخاص قد انتبه إلى هذا الخلل في الآونة الأخيرة، إلا أن هذه النوايا تواجه العديد من المشكلات التي تمّ طرحها في «الطاولة المستديرة» التي أقيمت ضمن فعاليات مؤتمر «الموارد البشريّة والتأسيس للمستقبل «، وشخّص المشاركون فيها تشتت الجهود بين جميع المؤسسات، والجهات، وعدم استغلال المؤسسات الحكومية لاستراتيجية التدريب، والتنمية البشرية وغياب التنسيق بين برامج التأهيل، والمساقات الدراسية واحتياجات سوق العمل، وغياب الفهم لدور تنمية الموارد البشرية وخاصة في ما يتعلّق بالتطوير، والتأهيل، وعدم وجود استراتيجية واضحة على المستوى المؤسّسي، والوطني تحدد دور دوائر الموارد البشرية.
وهذه المشكلات ستظلّ قائمة مالم يصر إلى وضع حلول واضحة ومعالجات تمكّن العاملين في هذه المؤسسات من الارتقاء بالأداء و»التمكين» في العمل من خلال وضع المحفزات، والتفويض، والتدريب، والمشاركة، وتحمّل المسؤولية، والمتابعة، والابتكار، والإبداع، واتخاذ القرار، وانتقاء الكفاءات، والجودة في المنتجات، وأداء الخدمات بكفاءة عالية، فيتحوّل (الموظف) من عامل يؤدي واجباته الوظيفية بشكل تقليدي إلى مبدع، ومجيد لعمله، ومبتكر، عندئذ لا نضع أكفّنا على وجوهنا خزيا عندما نطالع جداول تسجيل الابتكارات الدولية، كما حصل معي عندما تصفحتُ جدول دائرة تسجيل الابتكارات الأمريكية لعام 2013!!