تحليل: استراتيجية أوباما لمكافحة الإرهاب.. دع أبناء البلد يقودون المعركة

نيويورك – ديفيد رود – (رويترز) : في خطاب عن السياسة الخارجية الأسبوع الماضي قدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما أوضح تلخيص حتى الآن لاستراتيجيته لمكافحة الإرهاب.

قال أوباما إن الجماعات المنبثقة عن تنظيم القاعدة مازالت تمثل اكبر تهديد للولايات المتحدة لكن على واشنطن أن تواجهها بطريقة جديدة وهي من خلال تدريب قوات الأمن المحلية وليس نشر قوات برية أمريكية.

وأضاف “يجب أن نضع استراتيجية تتلاءم مع هذا التهديد المنتشر… استراتيجية توسع نطاق سيطرتنا دون إرسال قوات بما ينهك جيشنا او يثير استياء السكان المحليين”، ومضى يقول “نحتاج الى شركائنا ليكافحوا الإرهاب معنا”.

لكن منتقدين يقولون إن نتائج جهود الولايات المتحدة السابقة لتدريب قوات أمن محلية متفاوتة، ولواشنطن سجل ضعيف في مجال استخدام الموارد على الأمد الطويل والتمويل وتوفير الاهتمام اللازم للقيام بهذه الجهود بنجاح.

في ليبيا تم تعليق التدريب الذي تقدمه القوات الخاصة الأمريكية لجنودها بعد أن سرقت ميليشيا محلية الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة من أحد المخازن.

في مالي قام الضباط الذين تلقوا تدريبا أمريكيا بانقلاب، وفي أفغانستان فشلت الولايات المتحدة في تقديم إسهام كبير في مجال التدريب حتى تسعة أعوام بعد سقوط طالبان، كما تبين أن العثور على الشركاء أصحاب الكفاءة الذين وصفهم أوباما ليس سهلا.

على مدى سنوات سعت الولايات المتحدة جاهدة لإقناع السعودية وقطر وتركيا بتنسيق دعمها لفصائل المعارضة المختلفة في سوريا. وكشف خطف 200 تلميذة في نيجيريا في ابريل عن عجز المسؤولين الأمريكيين عن دفع الحكومة النيجيرية الى معالجة الفساد المستشري الذي يساعد في استمرار جماعة بوكو حرام المتشددة التي تستلهم نهج القاعدة.

يقول بروس هوفمان الخبير في شؤون الإرهاب والاستاذ بجامعة جورجتاون إن الخلل الرئيسي في جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية منذ عام 2001 هو نتيجة طبيعتها غير المنظمة.

وأضاف أن الولايات المتحدة ركزت جهودها على افغانستان عام 2001 ثم انتقلت الى العراق عام 2003 ثم عادت الى أفغانستان عام 2009، والآن أعلن أوباما تحويل التركيز من أفغانستان الى سوريا، وقال هوفمان “تحول تركيزنا من نقطة مضطربة الى أخرى جاء بنتائج كارثية”.

وخلال الكلمة التي ألقاها أوباما الأربعاء الماضي كشف عن “صندوق للشراكة في مكافحة الإرهاب” بقيمة خمسة مليارات دولار لتدريب القوات المحلية في الشرق الأوسط وافريقيا وعبر عن دعمه لزيادة التدريب والمساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة لجماعات المعارضة السورية “المعتدلة”.

وقال أوباما “الاستراتيجية التي تنطوي على غزو كل دولة تستضيف تنظيمات إرهابية ساذجة وغير قابلة للاستمرار”.

وقال أوباما إن الصندوق الجديد سيسمح للولايات المتحدة بتوسيع نطاق تدريب قوات الأمن التي تقاتل القاعدة في اليمن ودعم قوة متعددة الجنسيات تحاول تحقيق الاستقرار للصومال والعمل مع الحلفاء الأوروبيين الذين يدربون القوات المحلية في ليبيا ومالي.

وأضاف الرئيس أن الولايات المتحدة تواجه تهديدا من نوع مختلف مشيرا الى هجوم عام 2012 على القنصلية الأمريكية في بنغازي وهجوم في سبتمبر الماضي على مركز للتسوق في نيروبي.

وقال “التهديد الرئيسي اليوم لم يعد يأتي من قيادة مركزية للقاعدة… بل إنه يأتي من جماعات لا مركزية مرتبطة بالقاعدة ومتطرفين لدى كثير منهم أجندات تركز على الدول التي يمارسون أنشطتهم بها”.

وأشاد بيتر بيرجن خيبر شؤون الإرهاب بمؤسسة نيو امريكا فاونديشن البحثية بكلمة أوباما ومنهجه، وقال إن القوات الخاصة المحلية التي دربتها القوات الأمريكية في الفلبين نجحت في إضعاف جماعة ابو سياف المتشددة بشدة.

وأضاف أن تدريب القوات المحلية على الأمد الطويل أرخص كثيرا وقابل للاستمرار من الناحية السياسية اكثر من نشر أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين، وقال “هذا أرخص كثيرا… إنه أقل من واحد في المائة من ميزانية الدفاع”.


أفغانستان نموذجا


في كلمته أشار أوباما الى تدريب “مئات الآلاف” من أفراد قوات الجيش والشرطة الأفغانيين كنموذج ناجح، وقال إن القوات الأفغانية أمنت الانتخابات الرئاسية التي أجرتها أفغانستان مؤخرا ومهدت الطريق لأول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ أفغانستان في وقت لاحق من العام الحالي.

لكن جريمي سميث المحلل المقيم في افغانستان بمجموعة الأزمات الدولية يرى أن سحب أوباما للقوات الأمريكية سيزعزع استقرار أفغانستان، وقال إن التخفيض المزمع للمساعدات الأمريكية والأجنبية سيؤدي الى انخفاض سريع في حجم قوات الأمن الأفغانية.

وقال سميث في رسالة بالبريد الالكتروني “اذا طبقوا الخطة بسرعة لخفض قوات الأمن الأفغانية من نحو 370 الفا الى 228 الفا فستكون لدينا مشكلة خطيرة في هذا البلد، لا يمكن أن تخفض عدد الأفراد بهذه الحدة دون زعزعة استقرار الكثير من المناطق”.

ويرى سميث أن هجمات طالبان في نفس الوقت تتزايد وأن الاتجاه العام للصراع هو التصعيد.

وقال أوباما إن جهود التدريب الجديدة ستركز على جماعات المعارضة المعتدلة في سوريا، وفي تراجع عن رفضه فيما سبق لقيام الولايات المتحدة بتسليح وتدريب مقاتلي المعارضة السورية على نطاق واسع قال الرئيس الأمريكي إن جماعات المعارضة المعتدلة اذا اكتسبت قوة فإنها ستوازن الجماعات الإسلامية المتشددة.

ويقول محللون إن الجهود المقترحة أصغر من أن يكون لها أثر كبير، وقال نوح بونسي محلل الشؤون السورية بمجموعة الأزمات الدولية إن المعتدلين – او الجماعات التي يعرفها بأنها لا تنتمي لايديولوجية محددة او إسلامية غير متشددة – اكتسبت قوة في الآونة الأخيرة لكنها ضعيفة عسكريا في العموم.

وقال بونسي في رسالة بالبريد الالكتروني من تركيا “رأينا في الأشهر القليلة الماضية أن زيادة التمويل والاسلحة والتدريب لجماعات معينة لا تنتمي لايديولوجية زاد قوتها نسبيا بين أطياف جماعات المعارضة.. لكن مستويات الدعم التي تقدم والتي تدرسها الإدارة الأمريكية على ما يبدو لا تكفي لتغيير ميزان القوى بين المعارضة والنظام”.

لكن بيرجن كان اكثر تفاؤلا بشأن سياسة أوباما، وقال إن الرؤساء القادمين يمكن أن يزيدوا مستويات القوات الأمريكية في أفغانستان اذا اقتضى الأمر وإن مساعدة مقاتلي المعارضة السورية خطوة للأمام، وأشار الى أن تدريب القوات المحلية هو الأسلوب الوحيد المقبول سياسيا لدى الأمريكيين والأجانب على حد سواء.

وقال “تحصل لنفسك على نفوذ بدون وجود كبير… إنه النموذج الوحيد المعقول على جميع المستويات”.

ويرى هوفمان أن الغزو البري خطأ لكنه قال إن الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب يجب أن تكون اكثر اتساقا والا فإن واشنطن ستبدو وكأنها حليف متقلب لمن تطلب منهم مكافحة الجماعات المنبثقة عن تنظيم القاعدة.